الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان ~ بدر معركة رمضانية وقالب يتكرر ~~~~خطبة مفيدة ورائعة للدكتور الش

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #1150256
    ~~~بدر درس في معركة فرضت قبل بذل الأسباب الواجبة ~~~~خطبة متميزة للدكتور الشيخ : صهيب السقار~~~
    الحمد لله مجري السحاب وهازم الأحزاب. الحمد لله الذي من بالنعمة العظمى في غزوة بدر الكبرى. في مثل هذا اليوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع البدور البدريين في طلب القافلة التي اقترب موعد رجوعها من الشام. ألف بعير محملة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي‏.‏ إنها فرصة ذهبية للمسلمين ليستردوا بعض أموالهم التي سلبها المشركون ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للتطوع في الخروج لهذا الغرض فقال‏:‏‏(‏هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها‏)‏‏.‏
    واستعد المسلمون وبذلوا الأسباب التي تمكنهم من بلوغ هذا الهدف فخرج معه ثلاثُمائة وثلاثةَ عشر صحابيا واكتفوا بفرسين‏ وسبعين بعيرا.
    لكن الله تبارك وتعالى يريد للبدريين أمرا يزيد على ما استعدوا له. وإذا أراد الله أمرا هيأ له أسبابه. فيصل الخبر إلى مكة ثم يسهل الله نجاة القافلة ويحشد أهل مكة جيشا فيه ألف وثلاثُمائة مقاتل معهم مائة فرس وجمال كثيرة لا يعرف عددها خرجوا من ديارهم بحدهم وحديدهم يحادون الله ورسوله ‏{‏بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ‏}‏.
    وفي الطريق تلقوا رسالة من أبي سفيان يقول لهم فيها‏:‏ إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا‏.‏
    وفعلا هم جيش مكة هم بالرجوع، ولكن أبا جهل قام مناديا:‏ والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجَزُور ونشرب الخمر، وتعزف لنا القِيان. فإذا رأيت رأس الكفر يطيش غطرسة وكبرا ورعونة فاعلم أن الله تبارك وتعالى يتمم بطيشة الحكمة والمراد. وفعلا واصل الجيش سيره حتى نزل بالعدوة القصوى على حدود وادى بدر‏.‏
    أما جيش المدينة فقد نقلت عيونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر إفلات العير وإصرار المشركين على المواجهة. فصار المسلمون أمام امتحان عسير امتحان مفاجئ لم يستعدوا له فما الأسلم في مثل هذا الوضع. هل يليق بمثل هذه النخبة التي خرجت في طلب المال أن تنسحب إذا أراد الله لها شرفا وعزا وجهادا في سبيله؟ ويعرض القرآن حال أهل بدر فيقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:‏ ‏{‏كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ‏} أرادوا القافلة لكن الله يريد أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.‏
    ويستشير النبي صلى الله عليه وسلم أهل بدر في هذا التغيير المفاجئ فيقوم المقداد ويقول‏:‏ يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه‏. ويقوم سعد بن معاذ‏ ويقول: امض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا فسِرْ بنا على بركة الله‏.‏
    وينجح البدور البدريون في أول اختبار نجاحا باهرا. نجاح تعلموا منه أن الظروف إذا فرضت عليهم قبل أن يستعدوا له فعليهم أن يختاروا ما اختاره الله تبارك وتعالى لهم من شرف الجهاد في سبيله. ولهذا سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ونشطه فقال‏:‏ ‏‏(‏سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم‏)‏‏.‏
    ويعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه‏. ويبيت الليل وهو يصلي إلى جذع شجرة يتضرع إلى ربه أن ينصر هذه القلة المباركة
    ويمن الله على المسلمين بأول تأييد إلهي في هذه المعركة ‏فاذكروا{‏إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ‏} فباتوا وقد غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحًا‏:‏
    وفي الصباح تبدأ المعركة بمبارزة يفقد فيها المشركون ثلاثة من خيرة فرسان قريش وساداتها. فاستشاطوا غضبًا، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد‏.‏ وثبت المسلمون وتلقوا هجمات المشركين وهم مرابطون في مواقعهم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ويقول‏:‏ ‏‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك‏ ‏اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا‏)‏‏.‏ وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال‏:‏ حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك‏.‏ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألح في الدعاء حتى غلبته إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع‏)‏‏.‏ فخرج وهو يثب في الدرع ويقول‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏‏(‏شدوا‏ عليهم ‏والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة‏)‏، ‏‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏. قلوب الشباب هي القلوب التي انتفضت بنداء رسول الله. يتقدمهم الفتى عوف بن عفراء فيقول‏:‏ يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏غَمْسُه في العَدُوّ حاسرًا‏ من غير درع فيخلع الفتى درعه ويشق صفوف المشركين حتى لحق بقوم باعوا أنفسهم في سبيل الله يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون. ويخرج عُمَيْر بن الحُمَام تمرات يأكل منهن، ثم يقول‏:‏ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بتمراته ثم قاتلهم حتى قتل‏.‏
    هذه أمجاد شباب المسلمين التي نستذكرها في ذكرى هذه الغزوة لنعيد قيمنا وفخرنا إلى نفوس شبابنا. هذه أمجاد على كل أب وأم أن يذكروا بها الأبناء. يا أحفاد علي وخالد وسعد وحمزة والقعقاع أيليق هذا بأبنائكم مثلا وأسوة؟ كيف ترضى لأبنائك أن يتربى أحدهم على أمجاد الأفلام الغربية؟ يهلك فيها بطلهم الحرث والنسل ويتلف المال ويقتل العباد ثم يدير ظهره للمعركة لا نرى منه إلا أثر دخانه. يا أخت الإسلام أتليق هذه البطولة الخرافية بمثل أبناء عفراء رضي الله عنها. أبناء عفراء هم الذين سمعوا دوي أبي جهل في ساحة المعركة يثبت جنده فيحلف باللات والعزى ويقول: لا نرجع حتى نقيدهم بالحبال، يا أهل مكة خذوهم أخذًا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم‏.‏ ولكن تعلم من غزوة بدر أن الله تبارك وتعالى يكتب نهاية الطاغية على أيدي فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. يقول عبد الرحمن بن عوف: التفت وأنا في الصف يوم بدر فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان، ففال لي أحدهما‏:‏ يا عم أرني أبا جهل فقال له‏ يا ابن أخي ما تصنع به‏؟‏ فقال‏ الفتى:‏ أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ والذي نفسي بيده لئن وجدنه لا أفارقه حتى يموت أحدنا. فنظرت إلى أبي جهل يجول في الناس‏.‏ فقلت‏ لهما:‏ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، ونظر ابن عفراء رضي الله إلى أبي جهل فوجد رماح المشركين وسيوفهم حول أبي جهل تحيط به لحفظه فلم يتأخر بل تقدم نحوه فضربه ضربة بترت نصف ساقه، لكن ابن أبي جهل رد عليه بضربة بترت يده إلا جلدة أبقت يده معلقة بجسده فجعل يقاتل طوال يومه وهو يجرجر يده خلفه، يقول معاذ فلما آذتني يدي وضعت عليها قدمي، ثم تَمَطَّيْتُ بها عليها حتى طرحتها وقاتل حتى قتل‏.‏ وظفر أخوه مع صاحبه بأبي جهل فقتلاه ثم انصرفا ليبشرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏‏(‏الله الذي لا إله إلا هو‏؟‏‏)‏ فرددها ثلاثًا، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)
    وأنزل الله تبارك وتعالى بعد المعركة تحليلا إلهيا لهذه المعركة الخالدة في سورة الأنفال. هذه غزوة فرضها الله تبارك وتعالى على خير البشر ليقدموا تجربة ودرسا سيستفيد منه المسلمون في كل عصر. الله تبارك وتعالى يصدر بعدها بيانا إلهيا يطالب فيه بتذكر أمور يجب أن نتذكرها كلما تذكرنا هذه التجربة الرائدة.
    القرآن لا يرضى أن نكتفي في استذكار غزوة بدر باستذكار صفحات النصر ونزول الملائكة والتأييد الإلهي بالنعاس والمطر. مثل هذه الصورة المجتزئة ستربي أجيالا من المشجعين الذين يحتفلون بالنصر ويتنكبون في المحنة ولهؤلاء الذين لا يطيقون المحن والشدائد يقول الله تبارك وتعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) اذكروا أن أهل بدر لم يؤيدوا بالملائكة إلا بعد صبر طويل صبروا فيه على الحصار والتعذيب والجلد والحرق. اذكروا مافعله عقبة في شقاوته وخبثه، لما رأى أكرم الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم ساجدا فجاء بأمعاء جزور فوضعها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم. وجعل المشركون يضحكون، و يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا‏. اذكروا ثلاثة أعوام من الحصار الكامل في شعب أبي طالب حصار دفعهم إلى أكل الأوراق والجلود، وكانت تسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يقارعون الجوع. اذكروا ما قدمه عمار بن ياسر من دروس الصبر يموت أبوه تحت العذاب أمامه ويطعن أبو جهل سمية أم عمار في قبلها بحربة فتموت أمامه وهو صابر. اذكروا لما وضعوا على رأس خباب حديدة أوقد عليها حتى احمرت ثم سحبت على ظهره فما أطفأها إلا شحم ظهره‏.‏ كل ذلك ولم نسمع من أحدهم تبرما ولا يأسا ولا ندما ولا استسلاما. لم نأنس من أحدهم تقاعسا لم يحن أحد منهم ظهره أمام ما يواجهه من قهر وتسلط. لم ييأس أحد منهم من نصر ربه. لم يتخل أحد منهم عن الشرف الذي خصهم الله به في حمل هذه الرسالة ونشر الدعوة. اذكروا أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يستنزل مدد السماء يوم أن كانت الدعوة تتطلب منه أن يقدم الأسوة في الثبات والصبر على الأذى في سبيل الله. يجب أن نستذكر أن الاستغاثة بالله يعقبها مدد الملائكة الله تبارك وتعالى. تذكروا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يشارك بالقتال في هذه المعركة بل اتخذ له عريشا يطل منه على المعركة ليعلمنا درسا ما وعيناه بعد، درس يبين لك واجبك إذا قدر لك أن تراقب معركة من معارك المسلمين فلا تقف متفرجا بل ناشد ربك حتى يسقط رداؤك.
    تذكروا (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ)
    في هذا البيان الإلهي يحذركم أن تفهموا من تأييده بالملائكة والنعاس والمطر أن الله تبارك وتعالى سيقدم لكم خوارق العادات لتخرجكم مما أنتم فيه فيقول الله تبارك وتعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
    في هذا البيان الإلهي يخاطب الطغاة أيضا بقول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ)
    لا تفهموا من غزوة بدر أن الله تبارك وتعالى سينزل الملائكة لتقوم بما كلف الله به المسلمين من نصرة الدين لأن الله تبارك وتعالى أمرهم بالأخذ بالأسباب فلما أخذوا بالأسباب التي توصلهم إلى هدفهم في إحراز القافلة أيدهم بالملائكة في هذه الحال ثم قال لهم من بعد هذه الغزوة ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)
    هذا البيان الإلهي تضمن جملة من الأوامر والنواهي أولها: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس)
    تذكروا أن النصر في المعارك الخالدة يكتب للقلة الصابرة التي لا يضرها من خذلها (لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد