الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان مســــــــــــــــيرة عـــــــــــــــــالـــــــــــــــم

مشاهدة 15 مشاركة - 61 إلى 75 (من مجموع 107)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #1436626

    المقرئ محمود علي البنا

    مولده:

    من القراء المصريين للقرآن الكريم، و هو من مواليد 17 دجنبر 1926م بقرية شبرا باص بمركز شبين الكوم في محافظة المنوفية (شمال مصر).

    دراسته:

    تعلم محمود علي البنا القرآن الكريم في كتاب قريته على يد الشيخ موسى المنطشه، و أتم حفظه و عمره تسع سنوات. انتقل بعد ذلك إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالمسجد الأحمدي و تعلم القراءات على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي شيخ المقرأة كما حفظ الشاطبية للإمام الشاطبي.

    سنة 1945م رحل محمود علي البنا إلى القاهرة حيث التقى بعدة مشايخ و درس موسيقى و مقامات الشيخ درويش الحريري .

    كانت سنة 1947م نقطة تغيير في حياة القارئ الشاب بعد أن استمع إليه بعض أعضاء جمعية الشبان المسلمين و قدموه إلى صالح باشا حرب الذي عينه قارئا للسورة بمسجد الشبان المسلمين.

    و خلال حفل للجمعية حضره كبار علماء الأزهر، رئيس الوزراء آنذاك علي باشا ماهر، بعض الأمراء و مدير الإذاعة المصرية، تلا محمود علي البنا آيات من الذكر الحكيم فنال إعجاب الحاضرين و عرض عليه الالتحاق بالإذاعة، و قد تم بث تلاوته على أمواج الإذاعة مباشرة في دجنبر 1948م . و قد ذاع صيته بعد ذالك ليصبح من أشهر القراء بمصر.

    في أواخر الأربعينيات، عين الشيخ محمود علي البنا قارئا بمسجد الملك ثم بمسجد الإمام الرفاعي في أواخر الخمسينيات و بعد ذلك بطنطا بالمسجد الأحمدي قبل أن ينتقل إلى مسجد الإمام الحسين بالقاهرة سنة 1980م حيث مكث حتى وافته المنية.

    آثاره :

    ترك الشيخ البنا العديد من التسجيلات الإذاعية للقناة المصرية منها المصحف المرتل (الذي سجل سنة 1967م)، المصحف المجود، بالإضافة إلى عدد من التلاوات المرتلة التي سجلت بإذاعات المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة.

    كراماته:

    جال محمود علي البنا في عدد كبير من الدول حيث قرأ القرآن في مكة المكرمة، في الحرم القدسي، في مسجد الأمويين، في مسجد برلين سنة 1978م…الخ.

    سنة 1990م، كرم الرئيس المصري حسني مبارك ذكرى الشيخ بمنحه وسام العلوم و الفنون.

    وفاته :

    انتقل الشيخ محمود علي البنا إلى جوار ربه في 20 يوليو 1985م الموافق ل 3 ذي الحجة 1405هـ و دفن جثمانه بمقبرة مسجد قرية شبرا باص مسقط رأسه.

    #1436627

    الإمام القرطبي

    نسبه:

    أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصارى الخزرجى الأندلسى القرطبى المفسِّر ولد أوائل القرن السابع الهجري بقرطبة، ونسب إليه، بل أصبح أشهر علم من أعلامه، فعندما يذكر القرطبي بإطلاق، فلا تنصرف الأذهان إلا إليه، نشأ فيه وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة، أو خاملة، مع علو حسبه ونسبه، إلا أنه أنبه شأن أسرته بما قدم من آثار ومؤلفات.

    وفي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات كما درس البلاغة وعلوم القرآن وغيره، وكان إلى جانب تلقيه العلم ينقل الآجر لصنع الخزف في فترة شبابه، وقد كانت صناعة الخزف ولافخار من الصناعات التقليدية التي انتشرت في قرطبة آنذاك…

    إقامته فى مصر:

    بقي الإمام القرطبي بقرطبة حتى سقوطه، وخرج منها نحو عام 633 هـ، فرحل إلى المشرق طلباً للعلم من مصادره فانتقل إلى مصر، والتي كانت محطًا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها وسمع وكتب، وكان يقظاً حسن الحفظ مليح النظم، حسن المذاكرة ثقة حافظاً.

    وأخيراً استقرّ به المقام بمنية ابن خصيب في شمالي أسيوط بمصر، فاتخذها داراً له ومقاماً ومركزاً للتدريس والتأليف، ولم يتغيَّر شيء من نمط حياته السابقة، فقد بقي على زهده في الدنيا واشتغاله بالآخرة، يملأ وقته بالعبادة والدراسة، ويكفيه الثوب الواحد أهم ملامح الشخصية:

    زهده وورعه:

    كان رحمه الله من عباد الصالحين والعلماء العارفين، عاش حياة عبادة وصلاح وزهد، وأتقن علوم العربية والعلوم الإسلامية جميعها، وسمع الحديث عن عدد من الحفّاظ الثقات. زاهد في الدنيا مشغولاً بما يعنيه من امور الآخرة وقد قضى عمره مشغولاً بين العباده والتأليف.

    قال عنه ابن فرحون: (كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة).

    ونرى في مطالعتنا لكتب القرطبي نفس العالم الصالح الورع الزاهد في كل صفحة من صفحاته، فهو يشكو دائمًا من كثرة الفساد، وانتشار الحرام، والابتعاد عن الواجبات، والوقوع في المحرمات.

    ومن مظاهر ورعه وزهده: تصنيفه كتابي (قمع الحرص بالزهد والقناعة) و(التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)، ومن مظاهره أيضًا ذمه الغنى الذي يجعل صاحبه مزهوًا به، بعيدًا عن تعهد الفقراء، ضعيفًا في التوسل إلى رب الأرض والسماء.

    شجاعته، وجرأته في الحق:

    لا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئًا في إعلان ما يراه حقً، أنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورع مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهره، لهذا كان ـ رحمه الله ـ ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسود عندهم أهل الكتاب، ومن ثم فهم ليسوا أهلاً للطاعة، ولا للتقدير.

    نذكر من ذلك ما يكتبه في (التذكرة) إذ يقول:
    هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق فباعوا الأحكام،ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسً، والحق عكسً، لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدلوا دين الله، وغيروا حكم الله، سماعون للكذب أكالون للسحت (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون….)

    بساطته وتواضعه:

    كان رحمه الله ـ فيما عرف عنه ـ يعنى بمظهره، بدون تكلف و بذخ، كان يمشي بثوب واحد مما يدل على رقة حاله، وأنه لم يصب من الغنى ما يجعله يعيش حياة مترفة.

    الجدية ومضاء العزيمة:

    إن الدارس لحياة القرطبي ليعجب كل العجب من حياة الجد والصرامة التي أخذ نفسه بها حتى ألفه، فهو رحمه الله قد كرس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، دون أن يؤثر عنه ملل أو سأم، أو يعرف عنه أنه كان يتوقف لراحة أو استجمام، ولذا وصفه مترجموه بقولهم (أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة، وتصنيف).

    ولا شك أن جدية إمامنا القرطبي كانت بسبب استشعار قيمة وعظمة ما يدرس ويصنف، فهنوعلى صلة دائمة مع النصوص الشرعية التي تحث على الصدق في القول والعمل، ومخاطبة الناس بالطيب من القول، وتنهى عن السفه وبذاءة اللسان، وتنفر من الكبر والرياء والنفاق، وتحذر من الافتتان بمباهجالحياة والانسياق وراء مغرياته.

    ولا نستغرب ولا تنتابنا الدهشة من هذا الخلق إذا فهمنا البواعث النفسية التي كانت تسيطر على صاحبن، فهو كثير الهم على مسلمي عصره، شديد التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، متأثر بما حل ببلاده، حريص على العلم الشرعي، فضلاً عن تأثره بخلق كثير من مشايخه لا سيما المحدثين منهم، الذين كانوا يتصدرون لتدريس الحديث وروايته، وإذا ما عرفنا الآداب العامة التي كانوا يحرصون على التقيد به، ويتشددون في التزامها والتحلي به، كي يكون لهم المهابة والوقار في نفوس مستمعيهم وطلابهم، فهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا منسجمين تماما مع العلم الذي يدرسونه، كي لا يكون هناك تناقض بين سلوكهم وأقوالهم، بل هم يشددون على أنفسهم كي يكونوا قدوة حسنة لتلاميذهم..

    أمانته:

    كان القرطبي ـ رحمه الله، يلتزم الأصول العلمية، ويتبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ويتورعوا عن أن ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم، وهذه هي الأمانة العلمية التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيله، وتثبيت قيمه، واتخاذ أساليب لتنفيذه، ولا يتصور أنها تخرج عما ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه حين كتب تفسيره قال:

    (وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليه، والأحاديث إلى مصنفيه، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف إلى قائله).

    اجتهاده وكثرة مطالعته:

    ذكر غير واحد من مؤرخي حياة إمامنا القرطبي أن أوقاته كانت معمورة بين توجه للعبادة أو التصنيف، وهذا شأن العلماء، وسمة العارفين الفضلاء، ومنشأ هذه الميزة في شخصيته العلمية هي جديته فيالحياة، ومضاء عزيمته ـ كما ذكرنا ـ

    كان رحمه الله كثير المطالعة، مجد في التحصيل، كثير الحديث عما يشكل، وكان يحب الكتب حبًا جمًا ويحرص على جمعه، واقتنائها، حتى لقد تجمع لديه منها مجموعات كثيرة، ومنوعة، ولو أن باحثًا قام بجمع موارده في تفسيره فقط، لتجمع لديه الشيء الكثير، والعجب العجاب، من آثار المشرقيين والمغربيين معً، وإليك مثال من حبه للكتب وشغفه بالمطالعة، من كتابه (التذكرة) فقط، قال رحمه الله:

    (وكنت بالأندلس قد قرأت أكثر كتب المقرئ الفاضل أبي عمرو عثمان بن سعيد المتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة)

    فهذا النص يدلنا على ولعه بالقراءة والكتب منذ نعومة أظفاره، إذ صرح بأنه قرأ أكثر كتب ذلك العالم وهو في الأندلس بعد.. كما كان ولوعًا بكتب حافظ المغرب (ابن عبد البر)، والفقيه العلامة المالكي (ابن العربي)، فأكثر النقل من كتبهم، ولا سيما التمهيد للأول، و أحكام القرآن للثاني، وهذا يدلنا على مدى تأثره بهم، إذ اجتمع معهما في صفات علمية كثيرة….

    الحركة العلمية في عصر القرطبى:

    نشطت الحياة العلمية بالمغرب والأندلس في عصر الموحدين (514 الموافق 668 هـ) وهو العصر الذى عاش فيه القرطبى فترة من حياته أيام إن كان بالأندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر ومما زاد الحركة العلمية ازدهاراً في هذا العصر: أن محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية كان من أقطاب علماء عصره وقد أفسح في دعوته للعلم وحض على تحصيله.

    كثرة الكتب والمؤلفات التي كانت بالأندلس:

    وكانت قرطبة أكثر بلاد الأندلس كتباً، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب، وهذه النزعات العلمية التي اتسم بها خلفاء الموحدين وتلك المؤلفات التي غمرت بلاد الأندلس وشجعت العلماء وروجت سوق العلم فتعددت الهيئات العلمية في ربوع الأندلس وبين جوانبها ونهضت العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير والقراءات وكذلك علوم اللغة والتاريخ والأدب والشعر، وكان لهذا كله أثر كبير في التكوين العلمى للإمام القرطبى – رحمه الله –

    شيوخه:

    من شيوخ القرطبى:
    1ـ ابن رواج وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج واسمه ظافر بن على بن فتوح الأزدى الإسكندرانى المالكى المتوفى سنة 648هـ.
    2ـ ابن الجميزى: وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن سلامة المصرى الشافعى المتوفى سنة 649 هـ وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات.
    3ـ أبو عباس احمد بن عمر بن إبراهيم المالكى القرطبى المتوفى سنة 656هـ (صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم)
    4ـ الحسن البكرى:هو الحسن بن محمد بن عمرو التيمى النيسابورى ثم الدمشقى ابو على صدر الدين البكرى المتوفى سنة 656 هـ

    مؤلفاته:

    ذكر المؤرخون للقرطبى رحمه الله عدة مؤلفات غير كتاب الجامع لأحكام القرآن وهو ذلكم التفسير العظيم الذى لا يستغنى عنه طالب علم.
    ومـن هـذه المـؤلفـات:

    – التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (وهو مطبوع متداول).
    – التذكار في أفضل الأذكار (وهو أيضاً مطبوع متداول).
    – الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى
    – الإعلام بما في دين النصارى من المفاسد والأوهام وإجتهار محاسن دين الإسلام.
    – قمع الحرض بالزهد والقناعة.

    وقـد أشـار القـرطبـى في تفسيـره إلى مـؤلفـات له منهـا:
    – المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
    – اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية.

    تأثر القرطبى – رحمه الله – بمن قبله وتأثيره فيمن بعده.

    أولاً: تأثـره بمـن قبلـه:

    الذى يطالع تفسير الإمام القرطبى يجده قد تأثر كثيراً بمن سبقوه من العلماء ومنهم:

    الطبرى: وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى صاحب جامع البيان في تفسير القرآن والمتوفى سنة 310هـ أفاد منه القرطبي وتأثر به خاصة في التفسير بالمأثور.

    الماوردى: وهو أبو الحسن على بن محمد المارودى النتوفى سنة 450هـ وقد نقل عنه القرطبى وتأثر به.

    أبو جعفر النحاس: صاحب كتابي: إعراب القرآن، ومعانى القرآن توفى سنة 338هـ وقد نقل عنه القرطبى كثيراً.

    ابن عطية: وهو القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية صاحب المحرر الوجيز في التفسير، وقد أفاد القرطبى منه كثيراً في التفسير بالمأثور وفي القراءات واللغة والنحو والبلاغة والفقه والأحكام توفي ابن عطية رحمة الله سنة 541هـ.

    أبو بكر العربي صاحب كتاب أحكام القرآن والمتوفى سنة 543هـ، أفاد منه القرطبى وناقشة ورد هجومه على الفقهاء والعلماء.

    ثانيـاً: تأثيـره فيمــن بعــده:

    تأثر كثير من المفسرين الذين جاءوا بعد القرطبى وإنتفعوا بتفسيره وأفادوا منه كثيرأ ومن هؤلاء:

    الحافظ ابن كثير:عماد الدين إسماعيل بن عمروبن كثير المتوفى سنة 774هـ.

    أبو حيان الأندلسى الغرناطى المتوفى سنة 754هـ وذلك في تفسيره البحر المحيط.

    الشوكانى: القاضى العلامة محمد بن على الشوكاني المتوفى سنة 1255هـ، وقد أفاد من القرطبى كثيراً في تفسيره (فتح القدير )

    مـزايـا تفسيره:

    يعتبر تفسير القرطبى موسوعة عظيمة حوت كثيراً من العلوم فهو من أجلّ التفاسير وأنفعها، أسقط منه القرطبي القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ، وعني بذكر أسباب النزول، والردّ على أهل الانحرافات، مع اهتمام خاص بإيراد المناسب من الأحاديث.

    كتابه الجامع لأحكام القرآن من أوائل الكتب التي نهجت هذا النهج في استخراج الأحكام من كتاب الله، يستعينون بها على حل مشكلاتهم ويقيسون عليها ما جدَّ من مصالحهم.

    ولعلَّ خير دليل لنا على أسلوب هذا التفسير العظيم مقدمته التي وصفها المؤلف.. قال القرطبي:

    فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمري وأستفرغ فيه قوتي، بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً يتضمَّن نكتاً من التفسير واللغات والإعراب والقراءات والردّ على أهل الزيغ والضلالات.

    وأحاديثنا كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيناً ما أشكل منهما، بأقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف، وعملته تذكرة لنفسي، وذخيرة ليوم رمسي، وعملاً صالحاً بعد موتي.

    قال الله تعالى: {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}. وقال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له..

    وبذلك يكون أهم ما يميز الجامع لأحكام القرآن:

    1ـ تضمنه لأحكام القرآن بتوسع.

    2ـ تخريجه الأحاديث وعزوها إلى من رووها غالباً.

    3ـ صان القرطبى كتابه عن الإكثار من ذكر الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة إلا من بعض مواطن كان يمر عليها دون تعقيب.

    4ـ كما أنه كان إذا ذكر بعض الإسرائيليات والموضوعات التي تخل بعصمة الملائكة والأنبياء أو يخل بالاعتقاد فإنه يكر عليها بالإبطال أو يبين أنها ضعيفة كما فعل في قصة هاروت وماروت، وقصة داود وسليمان وقصة الغرانيق وكذلك ينبه أيضاً على بعض الموضوعات في أسباب النزول.

    منهج القرطبي:

    حدد القرطبي منهجه بأن يبين أسباب النزول، ويذكر القراءات، واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف، ثم أكثر من الإستشهاد بأشعار العرب، ونقل عمن سبقه في التفسير، مع تعقيبه على ما ينقل عنه، مثل ابن جرير، وابن عطية، وابن العربي، وإلكياالهراسي، وأبي بكر الجصاص.

    وأضرب القرطبي عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، والإسرئيليات، وذكر جانبا منها أحيان، كما رد على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشه، ويمشي مع الدليل، ولا يتعصب إلى مذهبه (المالكي)، وقد دفعه الإنصاف إلى الدفاع عن المذاهب والأقوال التي نال منها ابن العربي المالكي في تفسيره، فكان القرطبي حرا في بحثه، نزيها في نقده، عفيفا في مناقشة خصومه، وفي جدله، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة.

    وكان أبو عبدالله حريصاً إذا استفاد من قول أن يضيفه إلى قائله، وإذا أورد حديثاً أن يذكر رواته، وكان يكرر دائماً: إنَّ من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله.

    المآخذ على تفسير القرطبي:
    ما يؤخذ على كتابه في التفسير(الجامع لأحكام القرآن) نقول: مع أن تفسير القرطبى رحمه الله من أعظم التفاسير نفعاً إلا أنه لم يخل من بعض هَيْنَات – والكمال لله وحده – كان يمر عليها من دون تعليق أو تعقيب.

    آراء العلماء فيه:

    ذكره ابن شاكر الكتبي، فقال: كان شيخًا فاضل، وله تصانيف مفيدة، تدل على كثرة إطلاعه،و وفور علمه

    قال الذهبي: (رحل وكتب وسمع، وكان يقظًا فاهمًا حسن الحفظ، مليح النظم، حسن المذاكرة، ثقة، حافظًا)،وقال عنه في تاريخ الإسلام: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على كثرة إطلاعه ووفور عقله وفضله… سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، وله العديد من المؤلفات التي تدل على إمامته وذكائه، وكثرة اطلاعه.

    وذكر ابن عماد الحنبلي في شذرات الذهب عن القرطبي: كان إمامًا علمًا من الغواصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل

    وفاته:

    وفي منية الخصيب بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671 هـ وقبره بالمنيا بشرق النيل.

    #1436905

    الإمام ابن سيرين

    نسبه

    محمد بن سيرين يكنى أبا بكر، وقال ابن عائشة كان سيرين والده من أهل جرجرايا وكان يعمل قدور النحاس فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد. وكان مولى أنس بن مالك كاتبه أنس، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال هذه مكاتبة سيرين عندنا هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفا وعلى غلامين يعملان عليه.

    وعن بكار بن محمد قال حدثني أبي أن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي ابن كعب يدعو وهم يؤمنون.

    فضله ومناقبه

    كان بن سيرين من أعلام التابعين، وإماما من أئمة الزهد والورع، قال ابن عون كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقى شيئا أو يحذر شيئا.

    وقال جرير بن حازم سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلا فقال ما رأيت الرجل الأسود ثم قال أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل.

    قال مورق العجلى: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال أبو قلابة اصرفوه حيث شئتم فلتجدنه أشدكم ورعا وأملككم لنفسه، وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين يركب مثل حد السنان.

    قال أبو عوانة رأيت محمد بن سيرين يمر في السوق فيكبر الناس.

    قال ابن سيرين إذا أراد الله عز وجل بعبده خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه.

    وعن الأشعث قال كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان.

    وأوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين فقيل له في ذلك وكان محبوسا فقال أنا محبوس قالوا قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك قال فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.

    عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت يونس بن عبيد يقول أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما.

    قالت حفصة بنت سيرين كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعا لها.

    وعن ابن عون قال دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال ما شأن محمد يشتكى شيئا فقالوا لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.

    قال ابن سيرين ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره.

    وعن ابن عون قال أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه فقال له كيف تركت أهل مصرك قال تركتهم والظلم فيهم فاش.

    قال ابن عون كان محمد يرى أنها شهادة يسأل عنها فكره أن يكتمها.

    تفسيره للرؤى

    عرف بن سيرين بتفسير الرؤى والأحلام وله كتاب مشهور في ذلك و كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا قال اتق الله عز وجل في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام.

    ومن عجائب تفسيره للأحلام:

    1-عن يوسف الصباغ عن ابن سيرين قال من رأى ربه تعالى في المنام دخل الجنة.

    2-عن خالد بن دينار قال كنت عند ابن سيرين فأتاه رجل فقال يا أبا بكر رأيت في المنام كأني أشرب من بلبلة لها مثقبان فوجدت أحدهما عذبا والآخر ملحا قال ابن سيرين اتق الله لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها.

    3-عن أبي قلابة أن رجلا قال لابن سيرين رأيت كأني أبول دما قال تأتي امرأتك وهي حائض قال نعم قال اتق الله ولا تعد.

    4-عن أبي جعفر عن ابن سيرين أن رجلا رأى في المنام كأن في حجره صبيا يصيح فقص رؤياه على ابن سيرين فقال اتق الله ولا تضرب العود.

    5-عن حبيب أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية فقصت على ابن سيرين فقال ابن سيرين اللبن فطرة والحية عدو وليست من الفطرة في شيء هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء.

    6-رأى الحجاج بن يوسف في منامه رؤيا كأن حوراوين أتتاه فأخذ إحداهما وفاتته الأخرى فكتب بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك هنيئا يا أبا محمد فبلغ ذلك ابن سيرين فقال أخطأت هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الأخرى قال فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى.

    7-رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته قال يموت الحسن البصري وأموت بعده هو أشرف مني.

    8-قال رجل لابن سيرين إني رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته.

    9-وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أحرث أرضا لا تنبت قال أنت رجل تعزل عن امرأتك.

    10-قال رجل لابن سيرين رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهو لا ينقى قال أنت رجل مصارم لأخيك.

    11-وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أطير بين السماء والأرض قال أنت رجل تكثر المنى.

    12-جاء رجل إلى ابن سيرين فقال إني رأيت كأني على رأسي تاجا من ذهب فقال له ابن سيرين اتق الله فإن أباك في أرض غربة وقد ذهب بصره وهو يريد أن تأتيه قال فما راده الرجل الكلام حتى أدخل يده في حجزته فأخرج كتابا من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه في أرض غربة ويأمر بالإتيان إليه.

    مواقف من حياته

    عن ابن عون قال كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلا بسيئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم وقال طوق بن وهب دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت فقال كأني أراك شاكيا قلت أجل قال اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه ثم قال اذهب إلى فلان فإنه أطب منه ثم قال أستغفر الله أراني قد اغتبته.

    و كان محمد بن سيرين إذا مشى معه رجل قام وقال ألك حاجة فإن كان له حاجة قضاها فإن عاد يمشى معه قام فقال له ألك حاجة.

    عن هشام عن ابن سيرين أنه اشترى بيعا فأشرف فيه على ثمانين ألفا فعرض في قلبه منه شيء فتركه قال هشام والله ما هو بربا، وعن السرى بن يحيى قال لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا في شيء دخله، قال سرى فسمعت سليمان التيمي يقول لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء.

    وكان ابن سيرين إذا دعي إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول اسقوني شربة سويق فيقال له يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو العرس تشرب سويقا فيقول إني أكره أن أحمل حد جوعي على طعام الناس.

    عن ابن شوذب قال كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما وكان اليوم الذي يفطر فيه يتغذى ولا يتعشى ثم يتسحر ويصبح صائما.

    وروي عن موسى بن المغيرة قال رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله عز وجل فقال له رجل يا أبا بكر في هذه الساعة قال إنها ساعة غفلة.

    وعن جعفر بن مرزوق قال بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي قال فدخلوا عليه فقال لابن سيرين يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا قال رأيت ظلما فاشيا قال فغمزه ابن أخيه بمنكبه فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين إنك لست تُسأل إنما أُسأل أنا فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف وإلى ابن سيرين بثلاثة آلاف وإلى الشعبي بألفين فأما ابن سيرين فلم يأخذها

    وعن جعفر بن أبي الصلت قال قلت لمحمد بن سيرين ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة قال فقال لي يا أبا عبدالله أو يا هذا إنما أعطاني على خير كان يظنه بي ولئن كنت كما ظن بي فما ينبغي لي أن أقبل وإن لم أكن كما ظن فبالحري أن لا يجوز لي أن أقبل.

    عبادته

    عن عبيد الله بن السري قال: قال ابن سيرين إني لأعرف الذنب الذي حمل به على الدين ما هو قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى.

    عن عاصم الأحول قال كان عامة كلام ابن سيرين سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم عن هشام بن حسان قال ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلى.

    عن أنس بن سيرين قال كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار.

    وعن هشام قال كان ابن سيرين يحيى الليل في رمضان.

    عن دهير قال كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته.

    قال مهدى كنا نجلس إلى محمد فيحدثنا ونحدثه ويكثر إلينا ونكثر إليه فإذا ذكر الموت تغير لونه واصفر وأنكرناه وكأنه ليس بالذي كان.

    وفاته

    وتوفى في سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم وهو ابن نيف وثمانين سنة

    #1436909

    الإمام ابن منظور

    نسبه وموطنه

    هو محمد بن مكرّم بن علي بن أحمد، الأنصاري الرويفعي الإفريقي المصري، القاضي جمال الدين أبو الفضل، المعروف بابن منظور، الأديب الإمام اللغوي الحجة.

    يُعدّ من أحفاد الصحابي رويفع بن ثابت الأنصاري، عامل معاوية على طرابلس الغرب، وقد ولد بمصر -على الأرجح- يوم الاثنين، الثاني والعشرين من المحرم، سنة ثلاثين وستمائة من الهجرة.

    وهو والد القاضي قطب الدين بن المكرم، كاتب الإنشاء الشريف بمصر، الصائم الدهر، المجاور بمكة زمانًا.

    صفاته وأعماله

    كان ابن منظور -رحمه الله- صدرًا رئيسًا فاضلاً في الأدب، عالمًا في الفقه واللغة، عارفًا بالنحو والتاريخ والكتابة، وكان مليح الإنشاء له نظم ونثر، وقد تفرد بالعوالي، وكان فيه شائبة تشيع بلا رفض، وقد عمي في آخر عمره.

    وقد أهلته صفاته السابقة لأن يعمل فترة طويلة في ديوان الإنشاء بالقاهرة، ثم يتولى بعد ذلك منصب القضاء في طرابلس.

    ومما أُثر عنه من نظمه قوله:

    الناس قد أثموا فينا بظنهم *** وصدقوا بالذي أدري وتدرينا

    ماذا يضرك في تصديق قولهم *** بأن نحقق ما فينا يظنونا

    حملي وحملك ذنبًا واحدًا ثقة *** بالعفو أجمل من إثم الورى فينا

    وقال أيضًا:

    توهم فينا الناس أمرًا وصممت *** على ذاك منهم أنفس وقلوب

    وظنوا وبعض الظن إثم وكلهم *** لأقواله فينا عليه ذنوب

    تعالي نحقق ظنهم لنريحهم *** من الإثم فينا مرة ونتوب

    شيوخه وتلاميذه

    سمع ابن منظور من ابن يوسف بن المخيلي، وعبد الرحمن بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وابن المقير وطائفة، وتفرد وعمر وكبروا وأكثروا عنه، وروى عنه السبكي والذهبي، وقد حدث بمصر ودمشق.

    مؤلفاته

    غلب على ابن منظور في تواليفه عمل اختصارات للكتب السابقة عليه، وفي هذا يقول ابن حجر: وكان -ابن منظور- مغرى باختصار كتب الأدب المطولة… وكان لا يمل من ذلك، وقال الصفدى أيضًا: ولا أعرف في كتب الأدب شيئًا إلا وقد اختصره.

    وفي جملة مصنفاته، قال الصفدي: وأخبرني ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمسمائة مجلدة، قال: ولم يزل يكتب إلى أن أضر وعمي في آخر عمره رحمه الله تعالى.

    ومن أهم مصنفاته تلك ما يلي: مختار الأغاني الكبير، ويقع في اثني عشر جزءًا، وقد رتبه على الحروف مختصرًا، ومختصر زهر الآداب للحصري، ومختصر يتيمة الدهر للثعالبي، ولطائف الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، اختصر به ذخيرة ابن بسام، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر في ثلاثين مجلدا، ومختصر تاريخ بغداد للسمعاني، ومختصر كتاب الحيوان للجاحظ، ومختصر أخبار المذاكرة ونشوار المحاضرة للتنوخي، وله نثار الأزهار في الليل والنهار في الأدب، وأخبار أبى نواس، وقد جمع بين صحاح الجوهري وبين المحكم لابن سيده وبين الأزهري في سبع وعشرين مجلدة. وعن هذا قال الصفدي: ورأيت أنا أولها بالقاهرة، وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن، كالشيخ بهاء الدين بن النحاس، وشهاب الدين محمود، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وغيرهم.

    واختصر أيضًا صفوة الصفوة، ومفردات ابن البيطار، وكتاب التيفاشي فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب، اختصره في عشر مجلدات وسماه: سرور النفس، وله أيضًا تهذيب الخواص من درة الغواص للحريري، وغيرها.

    ويعد من أهم وأشهر أعماله وأكبرها، والذي طيّر اسمه في الآفاق هو كتابه لسان العرب، ذلك الذي جمع فيه أمهات كتب اللغة، فكاد يغني عنها جميعًا، ولأهميته ومكانته سنعرج عليه بشيء من التفصيل.

    لسان العرب.. أشمل معاجم العربية

    يُعد لسان العرب لابن منظور من أشهر المعاجم العربية وأطولها، كما يُعد أشمل معاجم العربية للألفاظ ومعانيها، وأتم المؤلفات التي صنفت في اللغة بصفة عامة، ومرجع العلماء والعمدة المعول عليه بين أهل هذا اللسان.

    وقد جمع ابن منظور في معجمه الخالد هذا بين أمهات المعجمات العربية الخمسة السابقة عليه، فجمع بين تهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، وحاشية الصحاح لابن بري، والنهاية في غريب الحديث لعز الدين بن الأثير، ولم يذكر جمهرة اللغة لابن دريد، مع أنه رجع إليها كثيرا.

    وفي منهجه في معجمه هذا فقد نهج ابن منظور نهج الجوهري في الصحاح، وذلك باعتماد الترتيب الهجائي للحروف، بانيًا أبوابه على الحرف الأخير من الكلمة، وأول أبوابه ما ينتهي بالهمزة، وقد صرح في مقدمته بقوله: ولا أدعي فيه دعوى، فأقول: شافهت أو سمعت، أو فعلت أو صنعت، أو شددت الرحال، أو رحلت، أو نقلت عن العرب العرباء، أو حملت، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهري وابن سيده لقائل مقالاً، ولم يخليا لأحد فيها مجالاً، فإنهما عيّنا في كتابهما عمن رويا، وبرهنا عما حويا، ونشرا في خطبهما ما طويا، ولعمري لقد جمعا فأوعيا، وأتيا بالمقاصد ووفيا… وليس في هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها، سوى أني جمعت فيه ما تفرق في هذه الكتب… وأديت الأمانة في نقل الأصول بالفص، وما تصرفت بكلام غير ما فيها من النص، فليعتد من ينقل عن كتابي أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة.

    هذا، وقد بلغ عدد المواد اللغوية التي ضمنها لسان العرب ثمانين ألف مادة، وهو ضعف ما في الصحيح، وأكثر بحوالي عشرين ألف مادة من المعجم الذي جاء بعده، وهو القاموس المحيط للفيروزآبادي.

    وقد صدّر ابن منظور اللسان بمقدمة غير قصيرة، افتتحها بالتحميد والتهليل، ثم أخذ في ذكر شرف اللغة العربية وارتباطها بالقرآن الكريم، ثم عرّج بعد ذلك على نقد التهذيب والمحكم والصحاح، ثم ذكر السبب الدافع إلى تأليف معجمه، والذي يتمثل في أنه وجد أن الذين سبقوه إما أحسنوا الجمع وأساءوا الوضع والترتيب، وإما أحسنوا الوضع ولكنهم أساءوا الجمع، وقد عنى بذلك أنه أراد الجمع بين صفتي الاستقصاء والترتيب.

    ووضع ابن منظور بين المقدمة والمعجم بابين: الأول في تفسير الحروف المقطعة في أول سور القرآن الكريم، والثاني في ألقاب حروف المعجم وطبائعها وخواصّها، ثم إنه رتب معجمه على نظام الأبواب والفصول، حيث يعالج كل باب حرفًا من حروف الهجاء، وفقًا لآخر جذر الكلمة، ثم يورد في كل باب فصلاً لكل حرف وفقًا لأوائل جذور الكلمات، وهي نفسها الطريقة التي عليها -كما ذكرت- معجم الجوهري الصحاح، وقد فرغ منه سنة تسع وثمانين وستمائة من الهجرة.

    وإن لسان العرب ليُعد بعد ذلك معجمًا موسوعيًّا يتسم بغزارة المادة، حيث يستشهد فيه مؤلفه بكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأبيات الشعر، وقد بلغ الشعر الذي استشهد به ابن منظور قرابة اثنين وثلاثين ألف بيت، موزعة بين عصور الرواية الشعرية من جاهلي ومخضرم وإسلامي وأموي وعباسي، وذلك إضافة إلى روايته لآلاف من آراء اللغويين والنحويين، وغير ذلك من الأخبار والآثار، مما يعكس كثيرًا من مظاهر حياة اللغة العربية وحياة المجتمع العربي، على نحو يجعله مفيدًا لا في المجال المعجمي فقط، بل وفي مجالات علمية أخرى كثيرة.

    وقد طبع الكتاب بالطابعة الأميرية ببولاق (القاهرة) في عشرين جزءًا كبيرًا ينيف كل منها على ثلاثمائة صفحة، حظيت بإعجاب العلماء، وقد استدرك عليها العلامة أحمد تيمور بعض الأخطاء المطبعية التي نشرها في جزء صغير باسم: تصحيح لسان العرب، كما استدرك عليها الأستاذ عبد السلام هارون أخطاء أخر نشرها في مجلة مجتمع اللغة العربية (المصري).

    وقد قامت دائرة المعارف (بالقاهرة) بإعادة ترتيب مواد الكتاب تبعًا لأوائل الجذور لا أواخرها، وهو الأسلوب المتّبع في معظم معاجم اللغة العربية الحديثة، وذلك بخلاف ترتيبه الأصلي الذي كان يلتزم طريقة الصحاح بالترتيب وفق الحرف الأخير فالأول فالثاني… إلخ، وقد قام بتحقيقه ثلاثة من الباحثين هم: محمد أحمد حسب الله، وعبد الله على الكبير، وهاشم محمد الشاذلي، وخرج الكتاب في ستة أجزاء من القطع الكبير المطبوع بحرف صغير، أعقبته ثلاثة أجزاء هي الفهارس الفنية للكتاب.

    وفاته

    بعد حياة علمية حافلة، وبعد أن تولى نظر القضاء في طرابلس، عاد ابن منظور أدراجه إلى مصر، وفيها توفاه الله في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة من الهجرة، عن اثنتين وثمانين سنة، وكان ذلك قبل ولادة صاحب القاموس المحيط الذي أتى بعده بثماني عشرة سنة.

    #1436916

    ابن النفيس

    نسبه :

    أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحرم القَرشي الدمشقي الملقب بابن النفيس ,كان عالما بالفقه ,مفكرا واديبا ,حتى ان اسماه بعض العلماء باب العلوم.ولد في 1210 في قرية قريبة من دمشق.

    دراسته:

    انهى تعليمه الابتدائي في دمشق ,وفي دمشق ايضا درس علم النحو والمنطق.بعد ان درس الطب في دمشق سافر ابن النفيس الى القاهرة ليعمل هناك في المستشفى الناصري كمدرس وطبيب.درس ابن النفيس الفقه ايضا,وكان من شدة اتقانه وحبه لعمله ,كان بالاضافة الى تدريسه في المستشفيات والمدارس فقد كان يدرس الطلاب عنده في المنزل.

    طلابه :

    من طلاب ابن النفيس الاكثر شهرة كان ابن جوف,الذي كتب كتب في الجراحة.
    ومن الضرورة الاشارة الى اعمال ابن النفيس الادبية,حيث ان هناك سمه مميزة لأعماله الادبية هو استخدامه تجارب شخصيه ,ملاحظات واستنتاجات عن طريق اجراء العديد من التجارب التطبيقية.

    حياته:

    لم يخضع ابن النفيس لأفكار المفكرين الذين كانوا قبله ,فقد كان يثبت او يرفض افكارهم ,مشيرا الى حجج لأثبات ذلك.

    كما صار طبيباً خاصاً للسلطان بيبرس البندقداري ملك مصر والشام، طوال السنوات الاثنين والعشرين الأخيرة من عمر الظاهر بيـبرس.

    تصدّدى ابن النفيس لهذا المرض بكل شجاعة، وعندما استفحل المرض واتسعت دائرة انتشاره، وراح يفتك بالرجال والنساء والأطفال، شكل فريقاً طبيا كبيرا لتنفيذ وصاياه في معالجة المرضى، وبعد حوالي ستة أشهر، استطاع هذا الطبيب السيطرة على المرض والقضاء عليه، فكرمه المصريون، وقدموا له الهدايا، ولقبوه بالمصري، وأغدقوا عليه الأموال، ما مكنه من شراء دار فسيحة، وعاش في بحبوحة، وتردّد على مجلسه العلماء والأعيان وطلاب العلم يطرحون عليه مسائل الفقه والطب والأدب، ووصفه معاصروه بأنه كريم النفس، حسن الخلق، صريح الرأي، متدين على المذهب الشافعي، ولذلك أفرد له السبكي ترجمة في كتابه طبقات الشافعية الكبرى، باعتباره فقيهاً شافعياً.

    اقترن اسم ابن النفيس باكتشافه الدورة الدموية الصغرى، أو دوران الدم الرئوي، التي سجلها في كتابه شرح تشريح القانون لابن سينا، وقبل العالم الطبيب الإنجليزي هارفي المتوفى (سنة 1068 هـ /1657م)، الذي بحث في دورة الدم بعد ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف من وفاة ابن النفيس، وظل الناس يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن الحقيقة محي الدين التطاوي في رسالته العلمية.

    وقد أثار ما كتبه التطاوي اهتمام الباحثين، وفي مقدمتهم مايرهوف المستشرق الألماني، الذي كتب في أحد بحوثه عن ابن النفيس: إن ما أذهلني هو مشابهة، لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سرفيتوس(الذي كان يدرس في باريس ,ونظرا لأهتمامه بعقيدته طرد من الجامعة,وتشرد بين المدن,وانتهى به الحال إلى الإعدام حرقاً هو وأكثر كتبه في سنة (1065هـ/1553م)، على أن الأقدار شاءت أن تنجو بعض كتبه من الحرق، كان من بينها ما نقله الباجو عن ابن النفيس في ما يخص الدورة الدموية) لأقوال ابن سينا التي ترجمت ترجمة حرفية؛ ولما اطلع الدوميلي على ما كتبه قال: إن لابن النفيس وصفا للدوران الصغير تطابق كلماته كلمات سرفيتوس تماماً، وهكذا فمن الحق أن يعزى كشف الدوران الرئيس إلى ابن النفيس لا إلى سرفيتوس أو هارفي.

    غير أن اكتشاف الدورة الدموية الصغرى هي واحدة من إسهاماته العديدة، بل يعزى إليه أنه اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى للدورة الدموية، ووضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية، وكشف العديد من الحقائق التشريحية، وجمع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في عصره، وقدّم للعلم قواعد للبحث العلمي وتصورات للمنهج العلمي التجريـبي.
    ابن النفيس هو أول من طالب مرضاه بضرورة الاعتدال في تناول الملح، وقدم أدق الأوصاف لأخطار الملح، وأثره على ارتفاع الضغط، كما أنه أبدع في تشريح الحنجرة وجهاز التنفس والشرايين وبيّن وظائفها.

    أما عن تشريح ابن النفيس جثة الإنسان، فقد دار الجدل حولها، وظهرت في الأفق وجهات نظر ثلاث:

    الفريق الأول: ينكر قيام ابن النفيس والعلماء العرب المسلمين بأي عمل تشريحي كان، ومن هذا الرأي ماكس مايرهوف(1874ـ1954) الذي يقول: كانت الشريعة الإسلامية في أول ظهورها تبيح دراسة العلوم إطلاقا، ويمكننا القول منذ أن ظهر المعلم الديني الشهير الغزالي (1111م) فصاعدا، حل الاضطهاد الديني لهذه الدراسات محل السماح بها، بزعم أنها تؤدي إلى الشك في الاعتقاد بأصل العالم بوجود الخلاق، ولكنه يعود فيعترف بأنه: إن لم يكن هذا الموقف كافيا لمنع ظهور علماء مفكّرين أحرار، فمما لا شك فيه، أنها كانت عاملا مهما جدا في خنق أصوات أولئك المفكرين.

    أما الفريق الثاني: أمثال الدكتور الأستاذ عبد الكريم شحادة، والدكتور أمين سعد خير الله، فيقول: إن ابن النفيس قد شرح، ولكن شرّح الحيوان فقط. كما فعل جالينوس.

    أما الفريق الثالث، ومنهم الدكتور سليمان قطاية، والدكتور حداد، فيعتقدون أن ابن النفيس شرّح جثة الإنسان، ويعزز هذا الفريق رأيه بالقول بمشروعية تشريح جثة الإنسان، ويعزي سيادة فكرة تحريم تشريح جثة الإنسان إلى الموروثات الشعبية العامية النابعة من الاحترام الشديد للأجداد وللموتى، ولا علاقة لها بالدين الحنيف. وهذا ما تطرقت إليه المناقشات بين كلوت بك Kloot Bek طبيب محمد علي الكبير الذي أنشأ مدرسة أبي زعبل الطبية، فأراد تشريح الجثث لتعليم الطلاب، ولكن اعترض عليه البعض، فذهب إلى أكبر علماء الدين في ذلك الوقت الشيخ العروسي، وحصل على موافقته الخفية لتدريس التشريح، ولكنه أخذ عهدا منه على أن لا يفعل ذلك إلا باحتراس وسرية، وذلك خيفة الاصطدام بمعتقدات قديمة. وإلى هذا المعنى ذهب ابن النفيس، وقال في مقدمة كتابه شرح التشريح: وقد صدنا عن مباشرة التشريح وازع الشريعة، وما في أخلاقنا من رحمة

    مؤلفاته:

    لابن النفيس مؤلفات كثيرة نشر بعضها وما يزال بعضها الآخر حبيس رفوف المخطوطات لم ير النور بعد، من هذه المؤلفات:
    شرح فصول أبقراط، والمهذب في الكحل المجرب، الموجز في الطب، شرح تشريح القانون وهو من أهم الكتب، وتبرز قيمته في وصفه للدورة الدموية الصغرى، واكتشافه أن عضلات القلب تتغذى من الأوعية المبثوثة في داخلها لا من الدم الموجود في جوفه. ويظهر في الكتاب ثقة ابن النفيس في علمه؛ حيث نقض كلام أعظم طبيبين عرفهما العرب في ذلك الوقت، وهما: جالينوس، وابن سينا، غير أن أعظم مؤلفاته تتمثل في موسوعته الكبيرة المعروفة بـالشامل في الصناعة الطبية.

    كان ابن النفيس إلى جانب نبوغه في الطب فيلسوفًا وعالمًا بالتاريخ وفقيهاً ولغويًا، له مؤلفات في اللغة والنحو، حتى كان ابن النحاس العالم اللغوي المعروف لا يرضى بكلام أحد في القاهرة في النحو غير كلام ابن النفيس، وكان يقضي معظم وقته في عمله أو في التأليف والتصنيف أو في تعليم طلابه.

    وفاته :

    وفي أيامه الأخيرة، بعدما بلغ الثمانين من العمر، مرض اسبوعا مرضا شديدا، وحاول الأطباء أن يعالجوه بالخمر، فدفعها عن فمه وهو يقاسي المرض قائلا: لا ألقى الله تعالى وفي جوفي شيء من الخمر. ولم يطل به المرض؛ فقد توفي في سحر يوم الجمعة الموافق ( 17 من ديسمبر 1288م).

    #1437318

    الإصطخري

    ولادته

    وقد ولد الرحالةُ عالِمُ الأرضِ والجغرافيا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري (الذي يُعْرَفُ في بعض الأحيان باسم الكرخي) بمدينة إصطخر، وهي مدينة برسيبوليس القديمة في بلاد فارس.

    حياته

    وعاش في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وإن كنا لا نعرف الكثير عن نشأته الأولى؛ فالموسوعات أو كتب تاريخ العلوم لم تحدد عام ميلاده، وكذلك لم تذكر شيئًا عن سيرة حياته.. إلا أنه كان رحالة زار الكثير من أقطار العالم الإسلامي؛ فقد زار أكثر أقطار آسيا حتى بلغ سواحل المحيط الهندي، ودخل الهند وتوفي بها بعد عام (340هـ/ 951م).

    وعن منهجه العلمي الذي اتبعه في كتابه المسالك والممالك، الذي يُعَدُّ من أشهر مؤلفاته، فإن الإصطخري يستعرض ذلك فيقول: فإني ذكرت في كتابي هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام، وتفصيل مدنها، وتقسيم ما يعود بالأعمال المجموعة إليها.. ولم أقصد الأقاليم السبعة التي عليها قسمة الأرض، بل جعلت كل قطعة أفردتها مفردة مصورة، ثم ذكرت ما يحيط به من الأماكن، وما في أصقاعه من المدن والبقاع المشهورة والبحار والأنهار، وما يحتاج إلى معرفة من جوامع ما يشتمل عليه ذكر الإقليم؛ لأن الغرض من كتابي هذا تصوير هذه الأقاليم التي لم يذكرها أحد علمته….

    وقد نهج أبو إسحاق الإصطخري منهجًا علميًّا يدل على قدرته الفائقة في تصوُّر شكل الأرض؛ فلم يتجاهل الناحية الفلكلورية أو الاقتصادية أو الإثنوغرافية!! (الإثنوغرافيا هو علم في وصف السلالات البشرية وعادات وأخلاق الشعوب)..

    والحق أن هذه الطريقة التي سار عليها الإصطخري هي ذات الطريقة التي ينتهجها العلماء المعاصرون في مثل هذا النوع من الدراسات؛ وهو ألا تقتصر الدراسات الجغرافية على الجوانب الطبيعية فقط، دون التفات إلى الأبعاد الاقتصادية والثقافية والسلالية وغيرها مما يخص البشر الذين يحيون في هذه البقعة من الأرض.

    كما يُحسَب للإصطخري أنه ركَّز على المدلول الجغرافي والسياسي والإداري، وتجنب النظريات التقليدية التي تنُصُّ على تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم، وأخذ كل إقليم بذاته كوحدة جغرافية مستقلة.

    لقد فهم الإصطخري منهج علماء المسلمين في مجال علم الجغرافيا فهمًا جيدًا مُحكمًا، وطبَّقه في مؤلفاته بدقة واستنباط ذكي؛ وبهذا عَرَفَ أصول المنهج العلمي التجريبي القائم على القياس والاستقراء، والمستند إلى المشاهدة والتجربة والتمثيل.

    وإضافةً إلى كل هذا فقد اشتهر أبو إسحاق الإصطخري بالإنصاف لمن سبقوه من علماء الجغرافيا، كما اتَّصف بالصدق والأمانة العلمية وتقوى الله، وهي صفات – كما ترى – نحن في أَمَسِّ الحاجة إليها في ميادين العلوم التجريبية وغيرها، وهي الصفات التي – كما رأينا من قبل كثيرًا – كانت تميِّز البحث العلمي في عصور الحضارة الإسلامية.. ولم تكن ثمار تلك الصفات مقصورة على الأمة الإسلامية، بل أفادت منها الإنسانية جمعاء.

    مؤلفات الإصطخري

    أما عن مؤلَّفات الإصطخري فإنه لم يكن صاحب مؤلفات كثيرة، وكل ما وصلنا من أعماله كتابان، هما: (صور الأقاليم)، والثاني (المسالك والممالك). ولعل تأثُّر الإصطخري واضح بعالم الجغرافيا السابق عليه ابن خرداذبة الذي ألَّف كتابًا بنفس العنوان (المسالك والممالك).

    كذلك اعتمد على كتاب البلخي (تقويم البلدان)؛ فماثل الإصطخري كتاب البلخي في مخططه، ولكن بتوسع ومراجعة وتصحيح لكثير مما جاء فيه، وهذان المؤلفان للإصطخري يعدان من المراجع الأمهات في علم الجغرافيا بالأخص.

    وقد كان اعتماده الأكبر في تصنيف مؤلَّفَيْهِ السابقَيْن على رحلاته العديدة في طلب العلم في شتى الآفاق الإسلامية؛ فجاء وصف تلك البلدان بإطناب، إضافة إلى تزيينه كتابه الأول (صور الأقاليم) بالخرائط والأشكال التوضيحية.

    أما مؤلَّفُه الأشهر (المسالك والممالك) فقد ظل في معظم مكتبات العالم كمخطوط حتى جاءت سنة (1287هـ – 1870م) وطبعه المستشرق (دي خويه) في ليدن بهولندا، وقد أُعِيدَ طبعه بالصور سنة (1346هـ – 1927م)، وقام بتحقيقه محمد جابر عبد العال الحسيني سنة (1381هـ – 1961م) ونشرته وزارة الثقافة المصرية بالقاهرة آنذاك؛ ولعل ذلك كان السبب في انتشار الكتاب وتداوله من قِبَل القراء في جميع أنحاء المعمورة، ومنه عُرفت مكانة الإصطخري في ميدان علم الجغرافيا الإقليمية.

    إنجازات الإصطخري

    والحقيقة أن إنجازات الإصطخري في علم الجغرافيا كانت أكبر بكثير من أن ينظر إليها على أساس مؤلفاته.. فالإصطخري يُعَدُّ من أوائل العلماء الذين جمعوا بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السكانية في كتبهم، وإذا كان قد اقتصر في مؤلفيه على وصف العالم الإسلامي، فقد قسَّمَهُ إلى عشرين إقليمًا، وكان يتحدث عن الإقليم لا بوصفه نطاقًا يضم عددًا من درجات خطوط العرض، ولكن بوصفه منطقة جغرافية واسعة، لها خصائصها الطبيعية والسكانية والثقافية والاقتصادية التي تُميِّزها.

    وقد تحدث في البداية عن الرُّبع المعمور من الأرض وأبعاده.. ثم تحدَّث عن البحار.. ثم بدأ بوصف جزيرة العرب والخليج العربي مع المحيط الهندي.. ثم السند والهند وأنهار سجستان.. ثم المغرب مع الأندلس وصقلية.. ومصر مع بلاد الشام وبحر الروم والجزيرة.. وإيران الجنوبية والوسطي والشمالية مع أرمينيا وأذربيجان وبحر الخزر (قزوين).. ومدن برطس في تخوم البحر المذكور وأعمالها وكورها وجبالها وأنهارها وعمائرها.. ثم يختم بحثه أخيرًا بوصف بلاد ما وراء النهر (التركستان).

    ويذكر الإصطخري عن كل قطر معلومات تتعلق بالحدود والمدن والمسافات وطرق الموأصلاًت، ويذكر تفاصيل متفرقة عن المحاصيل والتجارة والصناعة، وعن أجناس السكان، ولكن معظم التفاصيل تتعلق بالأقطار التي زارها.

    وقد أولى الإصطخري عناية خاصة لموضوع المد والجزر؛ فله نظريات جزئية في هذا المضمار؛ مما يدل على طول باعه في علم الأنواء، والمعروف بين العلماء في الماضي أن علم الأنواء جزء لا يتجزأ من علم الجغرافيا.

    ولا ننسى في حديثنا عن إنجازات الإصطخري أنه حاول بكل ما يملك أن يصحح الأخطاء الجغرافية التي وقع فيها علماء الجغرافيا السابقون له، واتخذ من الخرائط التي زخرت بها مؤلفاته وسيلة لشرح وإبراز الأفكار الجغرافية التصحيحية.. ومن أبرز تلك الخرائط (خريطة بحر قزوين) التي شهد المستشرقون بدقتها، كما ركز على طريقة المقارنة بين المدن.

    إلى غير ذلك من الإنجازات المبدعة التي تحملك على الاعتقاد بأنك أمام سيرةٍ وإنجازات لعالِمٍ من القرن العشرين الميلادي (الخامس عشر الهجري)، إلا أنه كان يعيش بين علماء القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي)!!.

    وقد عرف قدره المقدسي (ت 380هـ/ 990م) حين أُتيح له أن يرى بعض كتبه؛ فأكثر النقل عنه في (أخبار السند)، وقال يثني عليه: .. ورأيت ببخارى مترجَمًا لإبراهيم بن محمد الفارسي (يعني الإصطخري)، ثم يُعلِّق عليه بقوله: ..وهو كتاب قد أجاد أشكاله…

    كما يُذكَر أن أبا إسحاق الإصطخري ساح العالم الإسلامي؛ لذا استفاد من رحلاته في تصنيف كتابه (المسالك والممالك) الذي يكتسب أهمية بالغة؛ إذ يعتبر رائدًا للكتب الإقليمية التي أُلِّفَتْ بعده في منهجه ومعلوماته وتبويبه.

    فرحم الله عالمنا العظيم الإصطخري، ونسأل الله أن يهبنا أمثاله من العلماء الذين غيروا بجهودهم وعقولهم حركة التاريخ ومسيرة البشرية.

    #1437327

    الألباني

    مولده ونشأته

    * ولد الشيخ محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني عام 1333 ه الموافق 1914 م في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا – حينئذ – عن أسرة فقيرة متدينة يغلب عليها الطابع العلمي، فكان والده مرجعاً للناس يعلمهم و يرشدهم.

    * هاجر صاحب الترجمة بصحبة والده إلى دمشق الشام للإقامة الدائمة فيها بعد أن انحرف أحمد زاغو (ملك ألبانيا) ببلاده نحو الحضارة الغربية العلمانية.

    * أتم العلامة الألباني دراسته الإبتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري في دمشق بتفوق.

    * نظراً لرأي والده الخاص في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال الدراسة النظامية ووضع له منهجاً علمياً مركزاً قام من خلاله بتعليمه القرآن الكريم، و التجويد، و النحو و الصرف، و فقه المذهب الحنفي، و قد ختم الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي و بعض كتب اللغة و البلاغة، هذا في الوقت الذي حرص فيه على حضور دروس و ندوات العلامه بهجة البيطار.

    * أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهره فيها، و أخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنه وقتاً جيداً للمطالعة و الدراسة، و هيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية و الاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية.

    تعلمه الحديث

    توجهه إلى علم الحديث و اهتمامه به :

    على الرغم من توجيه والد الألباني المنهجي له بتقليد المذهب الحنفي و تحذيره الشديد من الاشتغال بعلم الحديث، فقد أخذ الألباني بالتوجه نحو علم الحديث و علومه، فتعلم الحديث في نحو العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا (رحمه الله) و كان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للحافظ العراقي (رحمه الله) مع التعليق عليه.

    كان ذلك العمل فاتحة خير كبير على الشيخ الألباني حيث أصبح الاهتمام بالحديث و علومه شغله الشاغل، فأصبح معروفاً بذلك في الأوساط العلمية بدمشق، حتى إن إدارة المكتبة الظاهرية بدمشق خصصت غرفة خاصة له ليقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة، بالإضافة إلى منحه نسخة من مفتاح المكتبة حيث يدخلها وقت ما شاء، أما عن التأليف و التصنيف، فقد ابتدأهما في العقد الثاني من عمره، و كان أول مؤلفاته الفقهية المبنية على معرفة الدليل و الفقه المقارن كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد و هو مطبوع مراراً، و من أوائل تخاريجه الحديثية المنهجية أيضاً كتاب الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير و لا يزال مخطوطاً.

    كان لإشتغال الشيخ الألباني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أثره البالغ في التوجه السلفي للشيخ، و قد زاد تشبثه و ثباته على هذا المنهج مطالعته لكتب شيخ الإسلام ابن تيميه و تلميذه ابن القيم و غيرهما من أعلام المدرسة السلفية.

    حمل الشيخ الألباني راية الدعوة إلى التوحيد و السنة في سوريا حيث زار الكثير من مشايخ دمشق و جرت بينه و بينهم مناقشات حول مسائل التوحيد و الإتباع و التعصب المذهبي و البدع، فلقي الشيخ لذلك المعارضة الشديدة من كثير من متعصبي المذاهب و مشايخ الصوفية و الخرافيين و المبتدعة، فكانوا يثيرون عليه العامة و الغوغاء و يشيعون عنه بأنه وهابي ضال و يحذرون الناس منه، هذا في الوقت الذي وافقه على دعوته أفاضل العلماء المعروفين بالعلم و الدين في دمشق، و الذين حضوه على الاستمرار قدماً في دعوته و منهم، العلامة بهجت البيطار، الشيخ عبد الفتاح الإمام رئيس جمعية الشبان المسلمين في سوريا، الشيخ توفيق البزرة، و غيرهم من أهل الفضل و الصلاح (رحمهم الله).

    نشاط الشيخ الألباني الدعوي

    نشط الشيخ في دعوته من خلال:

    أ) دروسه العلمية التي كان يعقدها مرتين كل أسبوع حيث يحضرها طلبة العلم و بعض أساتذة الجامعات و من الكتب التي كان يدرسها في حلقات علمية:

    – فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.

    – الروضة الندية شرح الدرر البهية للشوكاني شرح صديق حسن خان.

    – أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف.

    – الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير شرح احمد شاكر.

    – منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد.

    – فقه السنه لسيد سابق.

    ب) رحلاته الشهريه المنتظمة التي بدأت بأسبوع واحد من كل شهر ثم زادت مدتها حيث كان يقوم فيها بزيارة المحافظات السورية المختلفه، بالإضافة إلى بعض المناطق في المملكة الأردنية قبل استقراره فيها مؤخراً، هذا الأمر دفع بعض المناوئين لدعوة الألباني إلى الوشاية به عند الحاكم مما أدى إلى سجنه.

    صبره على الأذى … و هجرته

    في أوائل 1960م كان الشيخ يقع تحت مرصد الحكومة السوريه، مع العلم أنه كان بعيداً عن السياسة، و قد سبب ذلك نوعاً من الإعاقة له. فقد تعرض للإعتقال مرتين، الأولى كانت قبل 67 حيث اعتقل لمدة شهر في قلعة دمشق وهي نفس القلعة التي اعتقل فيها شيخ الاسلام (ابن تيمية)، وعندما قامت حرب 67 رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين.

    لكن بعدما اشتدت الحرب عاد الشيخ إلى المعتقل مرة ثانية، و لكن هذه المرة ليس في سجن القلعة، بل في سجن الحسكة شمال شرق دمشق، و قد قضى فيه الشيخ ثمانية أشهر، و خلال هذه الفترة حقق مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري و اجتمع مع شخصيات كبيرة في المعتقل.

    أعماله وانجازاته

    لقد كان للشيخ جهود علمية و خدمات عديدة منها:

    1) كان شيخنا -رحمه الله- يحضر ندوات العلامة الشيخ محمد بهجت البيطار -رحمه الله- مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق، منهم عز الدين التنوحي – رحمه الله- إذ كانوا يقرؤن الحماسة لأبي تمام.

    2) اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955 م.

    3) اختير عضواً في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر و سوريا، للإشراف على نشر كتب السنة و تحقيقها.

    4) طلبت إليه الجامعة السلفية في بنارس الهند أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل و الأولاد بسبب الحرب بين الهند و باكستان آنذاك.

    5) طلب إليه معالي وزير المعارف في المملكة العربية السعودية الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ عام 1388 ه ، أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون تحقيق ذلك.

    6) اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395 ه إلى 1398 ه.

    7) لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في أسبانيا، و ألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان الحديث حجة بنفسه في العقائد و الأحكام .

    8) زار قطر و ألقى فيها محاضرة بعنوان منزلة السنة في الإسلام.

    9) انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس إدارة البحوث العلمية و الإفتاء للدعوة في مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى التوحيد و الاعتصام بالكتاب و السنة و المنهج الإسلامي الحق.

    10) دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها و اعتذر عن كثير بسبب أنشغالاته العلمية الكثيرة.

    11) زار الكويت و الإمارات و ألقى فيهما محاضرات عديدة، وزار أيضا عدداً من دول أوروبا، و التقى فيها بالجاليات الإسلامية و الطلبة المسلمين، و ألقى دروساً علمية مفيدة.

    12) للشيخ مؤلفات عظيمة و تحقيقات قيمة، ربت على المئة، و ترجم كثير منها إلى لغات مختلفة، و طبع أكثرها طبعات متعددة و من أبرزها، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وسلسلة الأحاديث الصحيحة و شيء من فقهها و فوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و أثرها السيئ في الأمة، وصفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها.

    13) و لقد كانت قررت لجنة الإختيار لجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية من منح الجائزة عام 1419ه / 1999م ، و موضوعها الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً و تخريجاً و دراسة لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديراً لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجاً و تحقيقاً ودراسة و ذلك في كتبه التي تربو على المئة.

    ثناء العلماء عليه

    قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

    (ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني)

    وسئل سماحته عن حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم-: ان الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها فسئل من مجدد هذا القرن، فقال -رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم.

    وقال الفقيه العلامة الإمام محمد صالح العثيمين:

    فالذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل، أنه حريص جداً على العمل بالسنة، و محاربة البدعة، سواء كان في العقيدة أم في العمل، أما من خلال قراءتي لمؤلفاته فقد عرفت عنه ذلك، و أنه ذو علم جم في الحديث، رواية و دراية، و أن الله تعالى قد نفع فيما كتبه كثيراً من الناس، من حيث العلم و من حيث المنهاج و الاتجاه إلى علم الحديث، و هذه ثمرة كبيرة للمسلمين و لله الحمد، أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به.

    العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي

    قول الشيخ عبد العزيز الهده : ان العلامه الشنقيطي يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه ماراً وهو في درسه في الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له.

    وقال الشيخ مقبل الوادعي:

    والذي أعتقده وأدين الله به أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) [إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها]

    وفاته

    توفي العلامة الألباني قبيل يوم السبت في الثاني و العشرين من جمادى الآخرة 1420ه، الموافق الثاني من أكتوبر 1999م، و دفن بعد صلاة العشاء.

    و قد عجل بدفن الشيخ لأمرين أثنين:

    الأول: تنفيذ وصيته كما أمر.

    الثاني: الأيام التي مر بها موت الشيخ رحمه الله و التي تلت هذه الأيام كانت شديدة الحرارة، فخشي أنه لو تأخر بدفنه أن يقع بعض الأضرار أو المفاسد على الناس الذين يأتون لتشييع جنازته رحمه الله فلذلك أوثر أن يكون دفنه سريعاً.

    بالرغم من عدم إعلام أحد عن وفاة الشيخ إلا المقربين منهم حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافه إلى قصر الفترة ما بين وفاة الشيخ ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته حيث تداعى الناس بأن يعلم كل منهم أخاه.

    #1437386

    سيبويه

    نسبه وحياته :

    هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قِنْبَر، وسِيبَوَيْهِ هو لقبه الذي به اشتهر حتى غطى على اسمه وكنيته، كانت أمه تحب أن تراقصه به وتدلـله في الصغر، وهي كلمة فارسية مركبة وتعني رائحة التفاح. وهو إمام النحاة الذي إليه ينتهون، وعلم النحو الشامخ الذي إليه يتطلعون، وصاحب كتاب العربية الأشهر ودستورها الخالد. فارسي الأصل ولد في حدود عام (140هـ / 756 م ) على أرجح الأقوال في مدينة البيضاء ببلاد فارس، وهي أكبر مدينة في إصطخر على بعد ثمانية فراسخ من شيراز.

    ولكن إلى متى ظل في البيضاء ؟ وكم كان عمره يوم رحيله إلى البصرة؟

    جاء سيبويه إلى البصرة وهو غلام صغير؛ لينشأ بها قريبًا من مراكز السلطة والعلم، بعد أن فسحت الدولة العباسية المجال للفرس كيما يتولوا أرفع المناصب وأسناها، هذا ما ترجحه المصادر التي بين أيدينا، ولكن على ما يبدو هناك رأي آخر يتبناه أحد الباحثين( )؛ حيث يرى أن سيبويه وفد إلى البصرة بعد سن الرابعة عشرة، وهذا الرأي هو ما نرجحه ونميل إليه؛ لأن الناظر في كتاب سيبويه يوقن أن صاحبه كان على دراية كبيرة باللغة الفارسية وكأنها لغته الأم.

    سيبويه يخطئ في الحديث!

    كان سيبويه وقتها ما زال فتى صغيرًا يدرج مع أقرانه يتلقى في ربوع البصرة ـ حاضرة العلم حينذاك ـ الفقه والحديث، وذات يوم ذهب إلى شيخه حماد البصري ليتلقى منه الحديث ويستملي منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء…

    ولكن سيبويه لقدر قدره الله له، يقرأ الحديث على هذا النحو: ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت ليس أبو الدرداء …

    فصاح به شيخه حماد : لَحَنْتَ يا سيبويه، إنما هذا استثناء؛ فقال سيبويه: والله لأطلبن علمًا لا يلحنني معه أحد، ثم مضى ولزم الخليل وغيره. ومن هنا كانت البداية.

    شـيوخه:

    تتلمذ سيبويه على عديد من الشيوخ والعلماء، نخص منهم أربعة من علماء اللغة، أولهم: عبقري العربية وإمامها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو أكثرهم تأثيرًا فيه، فقد روى عنه سيبويه في الكتاب 522 مرة، وهو قدر لم يروِ مثله ولا قريبًا منه عن أحد من أساتذته، وهو ما يجسد خصوصية الأستاذية التي تفرد بها الخليل بن أحمد رحمه الله، دون سائر أساتذة سيبويه، وثانيهم: أبو الخطاب الأخفش، وثالثهم: عيسى بن عمرو، ورابعهم: أبو زيد النحوي. ومات سيبويه رحمه الله وجل شيوخه على قيد الحياة!

    مؤامرة تحاك:

    الأشجار التي تثمر هي وحدها التي تُلقى بالأحجار، يبدو أن هذا القانون يمتد أيضًا إلى دنيا البشر، فكثيرًا ما يتعرض العلماء لجهالة الجهلاء وللأحقاد والأضغان، ولكن الغريب حقًّا أن يتزعم المؤامرة عالم له ثِقْله وقيمته في دنيا اللغة، ولكن هكذا اقتضت حكمة الله أن الكمال لله وحده، وأن لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة.

    تحدثنا المصادر أن سيبويه بقي في البصرة منذ دخلها إلى أن صار فيها الإمام المقدم، وأن شهرته قد لاحت في الآفاق، وأنه دعي إلى بغداد حاضرة الخلافة آنذاك من قبل البارزين فيها والعلماء، وهناك أعدت مناظرة بين كبيري النحاة: سيبويه ممثلاً لمذهب البصريين والكسائي عن الكوفيين، وأُعلن نبأ المناظرة، وسمع عنها القريب والبعيد، ولكن الأمر كان قد دُبِّر بليل، فجاء الكسائي وفي صحبته جماعة من الأعراب، فقال لصاحبه سيبويه: تسألني أو أسألك؟

    فقال سيبويه: بل تسألني أنت.

    قال الكسائي: كيف تقول في: قد كنت أحسب أن العقرب أشد لسعة من الزُّنْبُور(الدبور)، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها بعينها؟ ثم سأله عن مسائل أخرى من نفس القبيل نحو: خرجت فإذا عبد الله القائمُ أو القائمَ؟

    فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع، وأجاز الكسائي الرفع والنصب، فأنكر سيبويه قوله؛ فقال يحيى بن خالد، وقد كان وزيرًا للرشيد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟

    وهنا انبرى الكسائي منتهزًا الفرصة: الأعراب، وهاهم أولاء بالباب؛ فأمر يحيى فأدخل منهم من كان حاضرًا، وهنا تظهر خيوط المؤامرة وتأتي بثمارها؛ فقالوا بقول الكسائي؛ فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة التي مُني بها إمام البصريين. كان سيبويه لا يتصور بفطرته النقية أن يمتد الشر مدنسًا محراب العلم والعلماء؛ فحزن حزنًا شديدًا وقرر وقتها أن يرحل عن هذا المكان إلى أي مكان آخر ليس فيه حقد ولا أضغان؛ فأزمع الرحيل إلى خراسان. وكأنما كان يسير إلى نهايته؛ فقد أصابه المرض في طريق خراسان، ولقي ربه وهو ما زال في ريعان الشباب، لم يتجاوز عمره الأربعين، وذلك سنة (180هـ/ 796م) على أرجح الأقوال.

    ولكن سيبويه لم يمت فسرعان ما بُعث حيًّا يخاطب الأجيال بهذا الكتاب الذي ضمنه أفكاره وآراءه وآراء معاصريه، فكان بحق أخلد كتاب في نحو اللغة وصرفها وأصواتها، يعتمد عليه الدارسون، مهما اختلف بهم الزمان والمكان.

    تلاميذ سيبويه:

    من الصعوبة بمكان أن نحصي تلاميذ سيبويه، خاصة لو وضعنا في اعتبارنا أن كل النحاة الذين جاءوا بعده غاصوا في بحور لغتنا الجميلة عبر كتابه، ولكن لو تعرضنا للتلاميذ بالمعنى الحرفي فإننا نقول: برز من بين تلاميذ سيبويه عالمان جليلان هما: الأخفش الأوسط (أبو الحسن سعيد بن مسعدة) وقطرب (أبو محمد بن المستنير المصري).

    ثانيا: الكتاب

    بلا عنوان:

    درج كل العلماء والباحثين والمصنفين على أن يضعوا أسماء لمؤلفاتهم ومصنفاتهم، إلا أن الوضع معنا يختلف؛ فسيبويه لم يضع لكتابه اسمًا أو حتى مقدمة أو خاتمة، ولكن لماذا لم يضع سيبويه عنوانًا لكتابه أو مقدمة أو خاتمة؟

    أغلب الظن أن القدر لم يمهله ليفعل ذلك؛ فمات سيبويه في ريعان شبابه، قبل أن يخرج الكتاب إلى النور؛ فأخرجه تلميذه أبو الحسن الأخفش إلى الوجود دون اسم؛ عرفانًا بفضل أستاذه وعلمه وخدمةً للغة القرآن التي عاش من أجلها أستاذه؛ فأطلق عليه العلماء اسم الكتاب، فإذا ذُكر الكتاب مجردًا من أي وصف فإنما يقصد به كتاب سيبويه.

    أهمية الكتاب:

    الكتاب بمثابة خزانة للكتب، احتواها بالقوة في ضميره وتمخض عنها الزمن بالفعل من بعد وفاة سيبويه، فإذا الأئمة كلهم تلاميذ في مدرسته، وإذا المؤلفون جميعًا لا يجدون إلا أن يناقشوه ويفسروه ويعلقوا عليه ويصوبوه ويخطئوه، ولكنهم مع ذلك يدورون في فلكه، حتى أصبح هو المصدر الفريد لعلمي النحو والصرف بالإضافة إلى علم الأصوات.

    منهج الكتاب:

    كثيرًا ما يوضح الكتاب مناهجهم في بداية كتبهم، ولكن الوضع معنا يختلف؛ فسيبويه لم يتمكن من وضع مقدمة لكتابه، يوضح فيها المنهج الذي سلكه في ترتيبه؛ ولذلك بقي منهج الكتاب لغزًا عصيًّا على الإدراك، حتى مضى بعض الباحثين إلى أن سيبويه لم يكن يعرف المنهج، وإنما هو قد أورد مسائل الكتاب متتابعة دون أي نظام أو رباط يربط بينها. ولو كان مؤلف الكتاب شخصًا آخر غير سيبويه، لجاز أن يسلم بهذا الرأي على ضعفه، أمَا والمؤلف سيبويه فمن الواجب أن ننزهه عن هذا.

    وهنا ينبري شيخنا علي النجدي يحدثنا عن منهج سيبويه، فيقول: نهج سيبويه في دراسة النحو منهج الفطرة والطبع، يدرس أساليب الكلام في الأمثلة والنصوص؛ ليكشف عن الرأي فيها صحة وخطأ، أو حسنًا وقبحًا، أو كثرة وقلة، لا يكاد يلتزم بتعريف المصطلحات، ولا ترديدها بلفظ واحد، أو يفرع فروعًا، أو يشترط شروطًا، على نحو ما نرى في الكتب التي صنفت في عهد ازدهار الفلسفة واستبحار العلوم.

    فهو في جملة الأمر يقدم مادة النحو الأولى موفورة العناصر، كاملة المشخصات، لا يكاد يعوزها إلا استخلاص الضوابط، وتصنيع الأصول على ما تقتضي الفلسفة المدروسة والمنطق الموضوع، وفرق ما بينه وبين الكتب التي جاءت بعد عصره كفرق ما بين كتاب في الفتوى وكتاب في القانون، ذاك يجمع جزئيات يدرسها ويصنفها ويصدر أحكامًا فيها، والآخر يجمع كليات ينصفها ويشققها لتطبق على الجزئيات.

    ويمكن أن يقال على الإجمال: إنه كان في تصنيف الكتاب يتجه إلى فكرة الباب كما تتمثل له، فيستحضرها ويضع المعالم لها، ثم يعرضها جملة أو آحادًا، وينظر فيها تصعيدًا وتصويبًا، يحلل التراكيب، ويؤول الألفاظ، ويقدر المحذوف، ويستخلص المعنى المراد، وفي خلال ذلك يوازن ويقيس، ويذكر ويعد، ويستفتي الذوق، ويستشهد ويلتمس العلل، ويروي القراءات، وأقوال العلماء، إما لمجرد النص والاستيعاب وإما للمناقشة وإعلان الرأي، وربما طاب له الحديث وأغراه البحث، فمضى ممعنًا متدفقًا يستكثر من الأمثلة والنصوص. واللغة عنده وحدة متماسكة، يفسر بعضها بعضًا، ويقاس بعضها على بعض، وهو في كل هذا يتكئ في ترتيب أبواب الكتاب على فكرة العامل أولاً وأخيرًا.

    #1437389
    الجاحظ

    نسبه:

    أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري (159-255 هـ) أديب عربي كان من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها. تعود أصوله لزنج. لقد كان جده من عبيد شرق أفريقيا.

    كان ثمة نتوء واضحٌ في حدقتيه فلقب بالحدقي ولكنَّ اللقب الذي التصق به أكثر وبه طارت شهرته في الآفاق هو الجاحظ، عمّر الجاحظ نحو تسعين عاماً وترك كتباً كثيرة يصعب حصرها، وإن كان البيان والتبيين وكتاب الحيوان والبخلاء أشهر هذه الكتب، كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء وغيرها.

    قال ابن خلدون عند الكلام على علم الأدب: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة كتب هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، كتاب الكامل للمبرد، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الأمالي لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها».

    المولد والنشأة:

    ولد في مدينة البصرة نشأ فقيرا، وكان دميما قبيحا جاحظ العينين عرف عنه خفة الروح وميله إلى الهزل والفكاهة، ومن ثم كانت كتاباته على اختلاف مواضيعها لا تخلو من الهزل والتهكم. طلب العلم في سن مبكّرة، فقرأ القرآن ومبادئ اللغة على شيوخ بلده، ولكن اليتم والفقر حال دون تفرغه لطلب العلم، فصار يبيع السمك والخبز في النهار، ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل فكان يقرأ منها ما يستطيع قراءته.

    كانت ولادة الجاحظ في خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين ووفاته في خلافة المهتدي بالله سنة 255 هجرية، فعاصر بذلك 12 خليفة عباسياً هم: المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي بالله، وعاش القرن الذي كانت فيه الثقافة العربية في ذروة ازدهارها.

    أخذ علم اللغة العربية وآدابها على أبي عبيدة صاحب عيون الأخبار، والأصمعي الراوية المشهور صاحب الأصمعيات وأبي زيد الأنصاري، ودرس النحو على الأخفش، وعلم الكلام على يد إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري.

    كان متصلا -بالإضافة لاتصاله للثقافة العربية- بالثقافات غير العربية كالفارسية واليونانية والهندية، عن طريق قراءة أعمال مترجمة أو مناقشة المترجمين أنفسهم، كحنين بن إسحق وسلمويه.

    توجه إلى بغداد، وفيها تميز وبرز، وتصدّر للتدريس، وتولّى ديوان الرسائل للخليفة المأمون.

    ثقافته:

    كان للجاحظ منذ نعومة أظفاره ميلٌ واضحٌ ونزوعٌ عارمٌ إلى القراءة والمطالعة حَتَّى ضَجِرَتْ أُمُّهُ وتبرَّمت به. وظلَّ هذا الميل ملازماً لـه طيلة عمره، حتَّى إنَّه فيما اشتُهِرَ عنه لم يكن يقنع أو يكتفي بقراءة الكتاب والكتابين في اليوم الواحد، بل كان يكتري دكاكين الورَّاقين ويبيت فيها للقراءة والنَّظر ويورد ياقوت الحموي قولاً لأبي هفَّان ـ وهو من معاصريه ومعاش ـ يدلُّ على مدى نَهَمِ الجاحظ بالكتب، يقول فيه: «لم أر قطُّ ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قَطُّ إلا استوفى قراءته كائناً ما كان ولا عَجَبَ إذ ذاك في أن يُفْرِد الصَّفحات الطِّوال مرَّات عدَّة في كتبه، للحديث عن فوائد الكتب وفضائلها ومحاسنها. والحقُّ أنَّه «كان أشبه بآلة مصوِّرةٍ، فليس هناك شيءٌ يقرؤه إلاَّ ويرتسم في ذهنه، ويظلُّ في ذاكرته آماداً متطاوله.‏

    ولكن الجاحظ لم يقصر مصادر فكره ومعارفه على الكتب، وخاصَّةً أنَّ ذلك عادةٌ مذمومةٌ فيما أخبرنا هو ذاته وأخبرنا كثيرون غيره، إذ العلم الحقُّ لا يؤخذ إلا عن معلم، فتتلمذ على أيدي كثيرٍ من المعلمين العلماء واغتنى فكره من اتصاله بهم، وهو وإن لم يتَّفق مع بعضهم أو لم يرض عن فكرهم فإنَّهُ أقرَّ بفضل الجميع ونقل عنهم وذكرهم مراراً بين طيات كتبه.‏

    لقد تكوَّنَتْ لدى الجاحظ ثقافةٌ هائلةٌ ومعارفُ طائلةٌ عن طريق التحاقه بحلقات العلم المسجديَّة التي كانت تجتمع لمناقشة عددٍ كبيرٍ وواسعٍ من الأسئلة، وبمتابعة محاضرات أكثر الرِّجال علماً في تلك الأيَّام، في فقه اللغة وفقه النَّحو والشِّعر، وسرعان ما حصَّل الأستاذيَّة الحقيقيَّة في اللغة العربيَّة بوصفها ثقافةً تقليديَّة، وقد مَكنَّهُ ذكاؤُه الحادُّ من ولوج حلقات المعتزلة حيث المناقشات الأكثر بريقاً، والمهتمَّة بالمشكلات الَّتي تواجه المسلمين، وبالوعي الإسلامي في ذلك الوقت».‏

    ونظراً لسعة علمه وكثرة معارفه وَصَفَهُ ابن يزداد بقوله: هو نسيج وَحْدِهِ في جميع العلوم؛ علم الكلام، والأخبار، والفتيا، والعربيَّة، وتأويل القرآن، وأيَّام العرب، مع ما فيه من الفصاحة.‏

    وإن كان معاصرو الجاحظ من العلماء، على موسوعيَّة ثقافتهم، أقرب إلى التَّخصص الظنحاني بالمعنى المعاصر، فإن «تردُّد الجاحظ على حلقات التَّدريس المختلفة قد نجَّاه من عيب معاصريه ذوي الاختصاص الضَّيِّقِ. فهو بدرسه العلوم النقليَّة قد ارتفع فوق مستوى الكُتَّاب ذوي الثَّقافة الأجنبيَّة في أساسها القليلة النَّصيب من العربيَّة وغير الإسلاميَّة البتَّة»، ولذلك «لم يكتف بالتردُّد على أوساطٍ معيَّنةٍ بغية التَّعمق في مادَّة اختارها بل لازمَ كلَّ المجامع، وحضر جميع الدُّروس، واشترك في مناقشات العلماء المسجديين، وأطال الوقوف في المربد ليستمع إلى كلام الأعراب، ونضيف إلى جانب هذا التكوين، الذي لم يعد لـه طابع مدرسي محدود، المحادثات التي جرت بينه وبين معاصريه وأساتيذه في مختلف المواضيع» وكان من أفضل الكتاب في ذلك الوقت.

    مؤلفاته:

    البيان والتبيين في أربعة أجزاء،

    كتاب الحيوان في ثمانية أجزاء

    البخلاء

    المحاسن والأضداد

    العديد من الرسائل التي حقق بعضا منها الدكتور عبد السلام هارون وطبعت تحت عنوان(رسائل الجاحظ)

    البرصان والعرجان

    التاج في أخلاق الملوك

    الآمل والمأمول

    التبصرة في التجارة

    البغال

    فضل السودان على البيضان

    كتاب البخلاء:

    كتاب البخلاء، وهو كتاب ادب وعلم وفكاهة. وهو من أنفس الكتب التي يتنافس فيها الادباء والمؤرخون. فلا نعرف كتابا يقوقه للجاحظ، ظهرت فيه روحه الخفيفة تهز الارواح، وتجتذب النفوس. ولا نعرف كتابا يفوقه للجاحظ، تجلى فيه أسلوبه الفياض، وبيانه الجزل الرصين، وقدرته النادرة، على صياغة النادرة، في اوضح بيان، وادق تعبير، وابرع وصف. ولا نعرف كتابا غيره للجاحظ أو لغيره، وصف الحياة الاجتماعية في صدر الدولة العباسية كما وصف: فقد اطلعنا على اسرار الاسر، ودخائل المنازل، واسمعنا حديث القوم في شؤونهم الخاصة والعامة، وكشف لنا عن كثير من عاداتهم وصفاتهم وأحوالهم.

    وقد كان الذي يغلب على الظن ان يكون الجاحظ قد كتب (كتاب البخلاء) وهو في سن الشباب، وابان الفتوة، لان هذه السن في الغالب سن العبث والسخرية، والتندر والدعابة، والتفكه بعيوب الناس. ولكنا نقرأ في كتاب البخلاء من الأخبار ما يحملنا على انه كتب الكتاب أو جمعه وهو هرم، يحمل فوق كتفيه اعباء السنين.

    والجاحظ يشير في طليعة كتاب البخلاء انه قدمه إلى عظيم من عظماء الدولة، ولكنه لم يبح باسمه. واننا نرجح ان يكون الكتاب كتب لواحد من ثلاثة، هم: محمد ابن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم والواثق، لما كان بينه وبين الجاحظ من وثيق الصلة، والفتح بن خاقان وزير المتوكل، لما اثر عن الفتح من الاعجاب بكتب الجاحظ، وحثه على التأليف في مختلف الشؤون، وابن المدبر، وقد كان للجاحظ صديقا حميما.

    و قد صور الجاحظ في كتابه البخلاء الذين قابلهم وتعرفهم في بيئته الخاصة خاصة في بلدة مرو عاصمة خراسان، وقد صور الجاحظ البخلاء تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً، فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم واطلعنا على مختلف أحاديثهم، وأرانا نفسياتهم وأحوالهم جميعاً، ولكنه لا يكرهنا بهم لأنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا.

    ـ وقصص الكتاب مواقف هزلية تربوية قصيرة.

    ـ والكتاب دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس وهم البخلاء.

    ولكتاب البخلاء أهمية علمية حيث يكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم علاوة على احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين وكذلك أسماء البلدان والأماكن وصفات أهلها والعديد من أبيات الشعر والأحاديث والآثار فالكتاب موسوعة علمية أدبية اجتماعية جغرافية تاريخية

    وفاته:

    ويتحدّث كتّاب السير عن نهايته في عام 868 م الموافق لسنة(255) هـ وقد نيف على التسعين سنة. وله مقالة في أصول الدين وإليه تنسب الجاحظية. وقد هدّه شلل أقعده وشيخوخة صالحة، عندما كان جالسا في مكتبته يطالع بعض الكتب المحببة إليه، فوقع عليه صف من الكتب اردته ميتاً، لقد مات الجاحظ مدفونا بالكتب, مخلفاً وراءه كتباً ومقالات وافكاراً ما زالت خالدةً حتى الآن.

    #1437394

    ابــــــــــن الـــــــــــــــرومــــــــــــــي

    نسبه:

    أبو الحسن علي بن عباس بن جريح مولى عبيد الله بن عيسى بن جعفر البغدادي الشهير بابن الرومي.

    مفخرة من مفاخر الشيعة، وعبقري من عباقرة الأمة، وشعره الذهبي الكثير الطافح برونق البلاغة قد أربى على سبائك التبر حسنا وبهائا، وعلى كثر النجوم عددا ونورا، برع في المديح والهجاء والوصف والغزل من فنون الشعر فقصر عن مداه الطامحون، وشخصت إليه الأبصار، فجل عن الند كما قصر عن مزاياه العد.

    وله في مودة ذوي القربى من آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم أشواط بعيدة، واختصاصه بهم ومدائحه لهم ودفاعه عنهم من أظهر الحقايق الجلية، من شعراء الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه.

    وكان مجموع شعره غير مرتب على الحروف ، جمع شعره أبو الطيب وراق بن عبدوس فعده بنحو ألف بيت. قد أدرك ابن الرومي في حياته ثمانية خلفاءهم : الواثق. المتوكل. المنتصر. المستعين. المعتز. المهتدي. المعتمد. المعتضد المتوفى بعد ابن الرومي.

    أثنى عليه العميدي و ابن رشيق فقالوا :

    أكثر المولدين اختراعا وتوليدا هما أبو تمام وابن الرومي.

    كان ابن الرومي مولى لعبد الله بن عيسى ولا يشك أنه رومي الأصل فإنه يذكره ويؤكده في مواضع من ديوانه واسم جده مع هذا : جريح. أو : جرجيس. اسم يوناني لا شبهة فيه، فلا ينبغي الالتفات إلى من قال : إنه سمي بابن الرومي لجماله في صباه.

    وكان أبوه صديقا لبعض العلماء والأدباء منهم : محمد بن حبيب الرواية الضليع في اللغة والأنساب، فكان الشاعر يختلف إليه لهذه الصداقة، وكان محمد بن حبيب يخصه لما يراه من ذكاءه .

    وقد علمنا أن أمه كانت فارسية من قوله : الفرس خؤلي والروم أعمامي.
    وقوله : فلم يلدني أبو السواس ساسان.

    بعد أن رفع نسبه إلى يونان من جهة أبيه، وربما كانت أمه من أصل فارسي ولم تكن فارسية قحا لأبيها وأمها وهذا هو الأرجح لأن علمه بالفارسية لم يكن علم رجل نشأ في حجر أم تتكلم هذه اللغة ولا تحسن الكلام بغيرها .
    أمه حسنة بنت عبد الله السجزي وسجز بلدة من بلاد الفرس من أرباض خراسان فهي فارسية قح.

    أخوه وشقيقه محمد المكنى بأبي جعفر وهو أكبر من المترجم وتوفي قبله وكان تتفجع بذكراه ورثاه .

    أولاده:

    رزق ابن الرومي ثلاثة أبناء وهم : هبة الله. محمد. وثالث لم يذكر اسمه في ديوانه. ماتوا جميعا في طفولتهم ورثاهم بأبلغ وأفجع ما رثى به والد أبناءه، وقد سبق الموت إلى أوسطهم محمد فرثاه بدالية مشهورة يقول فيها :
    توخى حمام الموت أوسط صبيتي * فللــه كيف أختار واسطة العــقد؟!
    على حين شمت الخير في لمحـاته * وآنســـت مـــــن أفعاله آية الرشد

    تعـــــلـــيـــمـــه :

    كان يختلف إلى محمد بن حبيب الراوية النسابة الكبير كان يرجع إليه في بعض مفرداته اللغوية فيذكر شرحها في ديوانه معتمدا عليه
    ، وابي العباس ثعلب ، وابو رجاء قتيبة بن سعيد المحدث العالم المشهور
    فهؤلاء ثلاثة من أساتذة ابن الرومي

    وندر في قصائده المطولة أو الموجزة قصيدة تقرأها ولا تخرج منها وأنت موقن باستبحار ناظمها في اللغة وإحاطته الواسعة بغريب مفرداتها وأوزان اشتقاقها وتصريفها وموقع أمثالها وأسماء مشاهرها، وما يصحب ذلك من أحكام في الدين ومقتبسات من أدب القرآن، فليس في شعر العربية من تبدو هذه الشواهد في شعره .

    وكانوا لشهرته باللغة وعلم أسرارها ولطيف نكاتها يختلقون له الكلمات النافرة يسألونه عنها ليعبثوا به أو يعجزوه وقد كان يفحمهم .
    وكان ملم بالفلسفة والقياس المنطقي والنجوم .

    عقيدته :

    كانت الحالة الدينية في القرن الثالث للهجرة عصرا كثرت فيه النحل والمذاهب وقل فيه من لا يرى في العقايد رأيا يفسر به إسلامه و ويخلصه بين جماعة الدارسين وقراء العلوم الحديثة.

    فابن الرومي واحد من هؤلاء القراء لا ننتظر أن تمر به هذه المباحث التي كان يدرسها ويحضر مجالسها ويسمع من أهلها بغير أثر محسوس في تفسير العقيدة، وكان شيعيا معتزليا قدريا يقول بالطبيعتين .

    ويلوح لنا أن ابن الرومي ورث التشيع وراثة من أمه وأبوه لأن أمه كانت فارسية الأصل فهي أقرب إلى مذهب قومها الفرس في نصرة العلويين، ولأن أباه سماه عليا وهو من أسماء الشيعة المحبوبة .

    هجاؤه :

    أخرج القرن الثالث للهجرة شاعرين هجائين هما أشهر الهجائين في أدب العصور الإسلامية عامة هما :

    1. ابن الرومي 2. دعبل
    أما ابن الرومي لم يكن مطبوعا على النفرة من الناس، ولم يكن قاطع طريق على المجتمع في عالم الأدب، ولكنه كان فنانا بارعا أوتي ملكة التصوير ولطف التخيل والتوليد وبراعة اللعب بالمعاني والأشكال، فإذا قصد شخصا أو شيئا بهجاء صوب إليه (مصورته) الواعية .

    وابن الرومي يسلب مهجوه الفطنة والكياسة والعلم ويلصق به كل عيوب الحضارة التي يجمعها التبذل والتهالك على اللذات، فإذا حذفت من هجوه كل ما أوجبته الحضارة والخلاعة الفاشية في تلك الحضارة فقد حذفت منه شر ما فيه ولم يبق منه إلا ما هو من قبيل الفكاهة والتصوير.

    وكان له فنا واحدا من الهجاء لا ترتاب في أنه كان يختاره ويكثر منه وهو التصوير الهزلي والعبث بالإشكال المضحكة والمناظرة الفكاهية والمشابهات الدقيقة .

    هو وشعراء عصره وتأثيرهم عليه :
    عاصر ابن الرومي في بيئته كثير من الشعراء أشهرهم في عالم الشعر الحسين بن الضحاك، ودعبل الخزاعي، والبحتري، وعلي بن الجهم، وابن المعتز، وأبو عثمان الناجم.

    وليس لهؤلاء ولا لغيرهم ممن عاصروه وعرفوه أو لم يعرفوه أثر يذكر في تكوينه غير اثنين فيما نظن هما : الحسين بن الضحاك، ودعبل الخزاعي

    تاريخ وفاته :

    عاش ابن الرومي حياته كلها في بغداد لا يفارقها قليلا حتى يعود سريعا وقد نازعه إليها الشوق وغلبه نحوها حنين ، و كان صاحب صنيعة ومالك دارين وثراء وتحف وتوفي فيها

    قال ابن خلكان: توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادي الأولى سنة ثلاث و
    ثمانين. وقيل : وسبعين ومأتين ودفن في مقبرة باب البستان.
    مات ابن الرومي بالسم وأن الذي سمه هو القاسم بن عبيد الله أو أبوه.

    من شعره :

    يقول في مقدمته الغزلية :

    يا هـــــند لم أعشق ومثلي لا يرى * عــشق النســـــاء ديانـــة وتحرجا
    لكـــــن حـــــبي للوصي مخـــــيـــم * في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
    يقول في رثاء أمه :
    أقــــول : وقــــد قالوا : أتبــــكي لفاقد * رضاعا وأين الكهل من راضع الحلم؟!
    هــــي الأم يــــا للناس جــــزعت فقدها * ومــــن يــــبك أمّــــاً لــــم تذم قط لا يذم

    #1438011

    ابن المقفع

    نسبه :

    ابن المقفع (724 م ـ 759 م) هو أبو محمد عبد الله مؤلف وكاتب من البصرة، تقول بعض المصادر إن والده كان من أصل فارسي مجوسي لقب أبوه بالمقفع لأنه سرق مبلغا من المال من خزانة كان مئتمنا عليه فعاقبه الحجاج بن يوسف بأن ضربه على يده بعصا من الحديد إلى أن تقفعت يداه أي تورمت وإنتفخت . رافق الأزمات السياسية في زمن الدولتين الأموية والعباسية.

    درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد. نقل من البهلوية إلى العربية كليلة ودمنة. وله في الكتب المنقولة التي وصلت إلينا الأدب الكبير والصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به والأدب الصغير حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة ومن أعماله أيضاً مقدمة كليلة ودمنة.

    اسمه هو عبد الله بن المقفع، فارسي الأصل، كان اسمه روزبة، وكنيته أبا عمرو، فلما أسلم تسمى بعبدالله وتكنى بأبى محمد ولقب أبوه بالمقفع لأن الحجاج بن يوسف الثقفى عاقبه فضربه على يديه حتى تقفعتا (أى تورمتا واعوجت أصابعهما ثم شلتا)0

    صفاته

    اشتهر (ابن المقفع) بذكائه وكرمه وأخلاقه الحميدة ونستطيع أن نعرف عنه صدقه من خلال كتاباته وحبه للأصدقاء حتى قال:ابذل لصديقك دمك ومالك وذات مرة سُئل ابن المقفّع من أدّبك؟ فقال: إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته. وقد اتهمه حساده بفساد دينه، وربما كان الاتهام واحد من أسباب مقتله، ولا نجد في شيء من كتبه ما يؤكد هذا الاتهام.

    ابن المقفّع بين فكّي التاريخ

    يحاول البعض يغربلون ابن المقفّع كقولهم إن مذهبه مجوسي من أتباع زرادشت، وانه لم يسلم إلا للمحافظة على روحه وللتقرب إلى العباسيين، ويتّهمونه كذلك بالزندقة.

    ولكنّ الحقيقة انه صاحب نفس شريفة، يقدّر الصداقة حق قدرها. وقد رأى بالأصدقاء عماد الحياة ومرآة النفس، لذا نصح بالدقة في اختيار الأصدقاء.

    وكان ابن المقفّع صاحب علم واسع، وعرف الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية. وإذا كان ابن المقفّع اظهر عيوب النُّظُم الإدارية في عصره وفضّل النظم الإدارية الفارسية، فالحقيقة إن العرب كانوا بعيدين عن النظم الإدارية. فبعد قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسولصلى الله عليه واله وسلم، أخذ الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الكثير من النظم الإدارية عن الفرس، واستطاع بهذا بناء دولة قوية. وكان لهذا أثره الكبير في تطوّر الدولة العربية.

    قتل ابن المقفّع وهو في مقتبل العمر، ولم يتجاوز السادسة والثلاثين عند موته. إلا انه خلّف لنا من الآثار الكثيرة ما يشهد على سعة عقله وعبقريته، وانه صاحب المدرسة الرائدة في النثر.

    مؤلفاته

    بعض مؤلفات ابن المقفّع نقل من الفارسية واليونانية والهندية. ومن مؤلفاته:

    – الدرة الثمينة والجوهرة المكنونة.

    – مزدك.

    – باري ترمينياس.

    – أنالوطيقا ـ تحليل القياس.7418415411

    – أيين نامة ـ في عادات الفرس.

    – التاج ـ في سيرة أنو شروان.

    – أيساغوجي ـ المدخل.

    -ميلية سامي ووشتاتي حسام وعمراني نوفل

    – الأدب الصغير.

    – رسالة الصحابة.

    – كليلة ودمنة ـ نقله عن الهندية.

    بقي ابن المقفّع وبقيت الكتب التي كتبها أو نقلها عن الفارسية أو الهندية والبنغالية أو اليونانية مرجعا لأنّ الكتب الأصلية ضاعت.

    وقد ترك لنا ابن المقفّع الكثير من الكنوز رغم أنه لم يعمّر طويلا… لكنّ أدبه عمّر وسيعمِّر.

    ابن المقفع وسفيان بن معاوية

    روي عن ابن المقفع أن سبب حقد سفيان بن معاوية انه عندما دخل ابن المقفع قال له وهو ساخط عليه:السلام عليكما-وكان سفيان عظيم الأنف حياه هو وأنفه.
    فقال سفيان:ماندمت على سكوتي قبل الآن.
    فقال ابن المقفع:ألخرس زين لك الأتعلم ذلك؟ وكان هذا هو سبب توليه لقتله.
    توفي سنة 759م

    سبب مقتله

    في ظل الدولة العباسية اتصل ابن المقفّع بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور.

    والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور. وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين (عبد الله بن علي والمنصور) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته، مما أغاظ المنصور فقال: أما من أحد يكفينيه؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر قيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور….الخ

    #1438018

    جابر بن حيان

    نسبه

    أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي، ولد على أشهر الروايات في سنة 101 هـ/721 م وقيل أيضاً 117 هـ / 737 م عالم عربي وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الجزيرة على الفرات شرق سوريا، ومنهم من يقول أن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين في سوريا. ولعل هذا الانتساب ناتج عن تشابه في الأسماء فجابر المنسوب إلى الأندلس هو العالم الفلكي العربي جابر بن أفلح الذي ولد في إشبيلية وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي. ويذهب البعض إلى أنه ولد في مدينة طوس من أعمال خراسان في إيران.

    وقد وصف بأنه كان طويل القامة، كثيف اللحية، مشتهرا بالإيمان والورع وقد أطلق عليه العديد من الألقاب ومن هذه الألقاب الأستاذ الكبير وشيخ الكيميائيين المسلمين وأبو الكيمياء والقديس السامي التصوف وملك الهند.

    و جابر بن حيان شخصية بارزة، ومن أعظم علماء القرون الوسطى. وهو أبو موسى جابر بن حيان الأزدي. ويلقب أحياناً بالحراني والصوفي. وعرف عند الأوربيين في القرون الوسطى باسم Geber. ويقال إنه كان من الصابئة ومن ثم جاء لقبه الحراني.، ويذكر الأب جورج قنواتي أن جابراً أرسل إلى الجزيرة العربية بعد وفاة والده، وهو صغير حيث درس القرآن والرياضيات، وذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن الناس اختلفوا في نسبة جابر إلى جهة معينة كالشيعة والبرامكة والفلاسفة، بل هناك من أنكر وجوده أصلاً، لذلك يجب التحفظ بشأن نسبته إلى الصابئة. وإن كان أصله من خراسان فقد عاش معظم حياته في الكوفة. ولد جابر في طوس حوالي 721/102م، وتوفي حوالي 199 هـ موافق سنة 815م على اختلاف بين المؤرخين.

    مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد. وبعد نكبة البرامكة سجن في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته.

    إسهاماته العلمية

    كانت أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء، فهو الذي أدخل المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي (Alkali)، وماء الفضة. وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر، وماء الذهب، والبوتاس، ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن، وتحضير الفولاذ، وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود، وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.

    وقد قسم جابر المواد حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع مختلفة، وهي : 1. الأغوال، أي تلك المواد التي تتبخر عند تسخينها مثل الكافور، وكلوريد الألمنيوم؛ 2. المعادن مثل الذهب، والفضة، والرصاص، والحديد؛ 3. المركبات، وهي التي يمكن تحويلها إلى مساحيق. وخلاصة القول، حسب سارطون، إنه لا يمكن معرفة القيمة الحقيقية لما قام به جابر إلا إذا تم تحقيق وتحرير جميع مؤلفاته ونشرها.

    نشأته

    هاجر والده حيان بن عبد الله الأزدي من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر بني أمية، وعمل في الكوفة صيدلانياً وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة (ولعل مهنة والده كانت سبباً في بدايات جابر في الكيمياء وذلك لارتباط سافر إلى حران افي اعالي بلاد ما بين النهرين ويقال خراسان، وفي حران ولد النابغة جابر بن حيان المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء. تعود إلى قبيلة الأزد، رجعت عائلة جابر بن حيان إلى الكوفة. وتعلم هناك وتوفي جابر وقد جاوز التسعين من عمره في الكوفة بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة وذلك سنـة 197هـ (813م) وقيل أيضا 195 هـ/810 م.

    تعليمه

    انضم إلى حلقات الإمام جعفر الصادق ولذا نجد أن جابر بن حيان تلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يد الإمام جعفر الصادق. وذكر أنه درس أيضا على يد الحميري. ومعظم مؤرخي العلوم يعتبرون جابر بن حيان تلقى علومه من أستاذه الحقيقي الإمام جعفر الصادق،[1]. وان كان من الثابت انه عربى مولود في جنوب العراق بناءا على المصادر الموثوق بها مثل دائرة المعارف البريطانية والموسوعة الإسلامية وغيرها ولم يذكر تاريخيا مذهب ما للكوفى حيث كانت المذاهب في ذلك الوقت ليست الا موقفا سياسيا من الخلافة هذا بالإضافة إلى ان التصنيف المذهبى لايستخدم في تدوين شخصيات الأديان الأخرى

    الكيمياء في عصره

    بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديث والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر.

    وقد تأثر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان. لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية. فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية، لذا إلى علماء المسلمين يرجع الفضل في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل: التقطير والتسامي والترشيحوالتبلور والملغمة والتكسيد. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء.

    بعض منجزات ابن حيان

    هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات جابر بن حيان في علوم الكيمياء:

    إكتشف الصودا الكاوية أو القطرون (NaOH).

    أول من إستحضر ماء الذهب.

    أول من أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحلّ بواسطة الأحماض. وهي الطريقة السائدة إلى يومنا هذا.

    أول من أكتشف حمض النتريك.

    أول من إكتشف حمض الهيدروكلوريك.

    إعتقد بالتولد الذاتي.

    أضاف جوهرين إلى عناصر اليونان الأربعة وهما (الكبريت الزئبق) وأضاف العرب جوهرا ثالثا وهو (الملح).

    أول من اكتشف حمض الكبريتيك وقام بتسميته بزيت الزاج.

    أدخل تحسينات على طرق التبخير والتصفية والانصهار والتبلور والتقطير.

    استطاع إعداد الكثير من المواد الكيميائية كسلفيد الزئبق وأكسيد الارسين (arsenious oxide).

    نجح في وضع أول طريقة للتقطير في العالم.فقد اخترع جهاز تقطير ويستخدم فيه جهاز زجاجي له قمع طويل لا يزال يعرف حتى اليوم في الغرب باسم Alembic من الأمبيق باللغة العربية. وقد تمكن جابر بن حيان من تحسين نوعية زجاج هذه الأداة بمزجه بثاني أكسيد المنجنيز.

    كتبه

    أسرار الكيمياء.

    نهاية الاتقان.

    أصول الكيمياء.

    علم الهيئة.

    الرحمة .

    المكتسب .

    الخمائر الصغيرة.

    صندوق الحكمة

    كتاب الملك

    = كتاب الخواص الكبير = كتاب المجردات = كتاب الخالص = كتاب السبعين

    كتب أخرى

    الخواص

    السموم ودفع مضارها.

    مؤلفاته

    تعود شهرة جابر بن حيان إلى مؤلفاته العديدة، ومنها كتاب الرسائل السبعين، ترجمه إلى اللاتينية جيرار الكريموني سنة 1187م وتضاف إلى هذه الكتب تصانيف أخرى عديدة تتناول، إلى جانب الكيمياء، شروحاً لكتب أرسطو وأفلاطون ؛ ورسائل في الفلسفة، والتنجيم، والرياضيات، الطب، والموسيقى. وجاء في الأعلام للزركلي أن جابراً له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين (232) وخمسمائة (500) كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678. وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون، وقد كان لها أثر كبير في تطوير الكيمياء الحديثة. وفي هذا يقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية.

    وفاته

    توفي في عام 815 م في الكوفة بالعراق وهو في الخامسة والتسعين من عمره.

    #1438021

    الخوارزمي

    نسبه

    أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي عالم رياضيات وفلك وجغرافيا ، ولد في خوارزم سنة 780 ، اتصل بالخليفة العباسي المأمون وعمل في بيت الحكمة في بغداد وكسب ثقة الخليفة إذ ولاه المأمون بيت الحكمة كما عهد إليه برسم خارطة للأرض عمل فيها أكثر 70 جغرافيا، وقبل وفاته في 850م/232 هـ كان الخوازرمي قد ترك العديد من المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا من أهمها كتاب الجبر والمقابلة الذي يعد أهم كتبه وقد ترجم الكتاب إلى اللغة اللاتينية في سنة 1135م وقد دخلت على إثر ذلك كلمات مثل الجبر Algebra والصفر Zero إلى اللغات اللاتينية.

    كما ضمت مؤلفات الخوارزمي كتاب الجمع والتفريق في الحساب الهندي، وكتاب رسم الربع المعمور، وكتاب تقويم البلدان، وكتاب العمل بالأسطرلاب، وكتاب صورة الأرض الذي اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات، وأعاد كتابة كتاب الفلك الهندي المعروف باسم السند هند الكبير الذي ترجم إلى العربية زمن الخليفة المنصور قأعاد الخوارزمي كتابته وأضاف إليه وسمي كتابه السند هند الصغير.

    وقد عرض في كتابه (حساب الجبر والمقابلة) أو (الجبر) أول حل منهجي للمعادلات الخطية والتربيعية. ويعتبر مؤسس علم الجبر، اللقب الذي يتقاسمه مع ديوفانتس. في القرن الثاني عشر، قدمت ترجمات اللاتينية عن حسابه على الأرقام الهندية، النظام العشري إلى العالم الغربي. نقح الخوارزمي كتاب الجغرافيا لكلاوديوس بطليموس وكتب في علم الفلك والتنجيم.

    كان لاسهاماته تأثير كبير على اللغة. فالجبر، هو أحد من اثنين من العمليات التي استخدمهم في حل المعادلات التربيعية. في الإنجليزية كلمة Algorism و algorithm تنبعان من Algoritmi، الشكل اللاتيني لاسمه. واسمه هو أصل الكلمة أسبانية guarismo والبرتغالية algarismo وهما الاثنان بمعنى رقم.

    حياته

    تفاصيل قليلة هي المعروفة بدقة عن الحياة الخوارزمي، وحتى مسقط رأسه غير معروف. اسمه يدل على أنه قد جاء من خوارزم، وهي الآن مقاطعة خوارزم في أوزبكستان، قدم إلى بغداد عاصمة العباسيين وعاصر الخليفة المأمون وعمل في بيت الحكمة،

    في كتاب الفهرس لابن النديم ‘ نجد سيرة ذاتية قصيرة للخوارزمي، مع قائمة الكتب التي كتبها. قام الخوارزمي بعمل معظم أعماله في الفترة ما بين 813 و 833. بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، أصبحت بغداد مركز الدراسات العلمية والتجارية، وأتى إليها العديد من التجار والعلماء من مناطق بعيدة مثل الصين والهند، كما فعل الخوارزمي. كان يعمل في بغداد، وهو باحث في بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة المأمون، حيث درس العلوم والرياضيات، والتي تضمنت ترجمة المخطوطات اليونانية والسنسكريتية العلمية.

    إسهاماته

    ساهم الخوارزمي في الرياضيات، الجغرافيا، علم الفلك، وعلم رسم الخرائط، وأرسى الأساس للابتكار في الجبر وعلم المثلثات. له أسلوب منهجي في حل المعادلات الخطية والتربيعية أدى إلى الجبر، وهي كلمة مشتقة من عنوان كتابه حول هذا الموضوع، (المختصر في حساب الجبر والمقابلة).

    كتاب الجمع والتفريق بحساب الهند سنة 825م ، كان مسؤولا بشكل أساسي عن نشر نظام ترقيم الهندي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا. وترجم اللاتينية إلى Algoritmi de numero Indorum. من الخوارزمي، أتت الكلمة اللاتينية Algoritmi ،التي أدت إلى مصطلح الخوارزمية.

    أعتمدت بعض أعماله على علم الفلك الفارسي والبابلي، والأرقام الهندية، والرياضيات اليونانية.

    نظم الخوارزمي وصحح بيانات بطليموس عن أفريقيا والشرق الاوسط. من كتبه الرئيسية كتاب صورة الأرض، الذي يقدم فيه إحداثيات الأماكن التي تستند على جغرافية بطليموس ولكن مع تحسن القيم للبحر الأبيض المتوسط وآسيا وافريقيا. كما كتب أيضا عن الأجهزة الميكانيكية مثل الأسطرلاب، ومزولة.

    وساعد في مشروع لتحديد محيط الأرض، وفي عمل خريطة للعالم للخليفة للمأمون، وأشرف على 70 جغرافي.

    في القرن الثاني عشر أنتشرت أعماله في أوروبا، من خلال الترجمات اللاتينية، التي كان لها تأثير كبير على تقدم الرياضيات في أوروبا.

    مؤلفاته

    العديد من المخطوطات العربية في برلين وإسطنبول وطشقند والقاهرة وباريس تحتوى على المواد أكيدة أو محتمله للخوارزمي. تتضمن مخطوطة إسطنبول ورقة عن الساعات الشمسية، التي ورد ذكرها في كتاب الفهرس. أوراق أخرى، مثل واحدة عن تحديد اتجاه مكة المكرمة، عن علم الفلك الكروي.

    تناول نصين اهتماما بحساب مسافة عرض الصباح وهم (معرفة ساعة المشرق في كل بلد)، و(معرفة السمت من قبل الارتفاعʿ).، كما ألف أيضا كتابين عن بناء واستخدام الأسطرلاب. ذكرهم ابن النديم في كتابه (فهرس الكتب العربية) وهم (كتاب المزولات) و(كتاب التاريخ)، ولكن الكتابين فقدوا.

    تشكل الرياضيات لدينا يمكن أن يعود إلى الخوارزمي. فكتابه حساب الجبر والمقابلة ، غطي المعادلات الخطية والتربيعية، حل الخلل في التوازن التجاري والميراث والمسائل والمشكلات الناجمة عن مسح وتخصيص الأرضي. بصورة عابرة، كما أدخل استخدام النظام العددي الذي نستخدمه حاليا، والتي حل محل النظام الروماني القديم.

    #1438028

    أبو الريحان البيروني

    نسبه

    أبوالريحان محمد بن أحمد بيروني عالم مسلم ولد في ضاحية كاث عاصمة خوارزم (أوزبكستان) في شهر سبتمبر حوالي سنة (326هـ،973م رحل إلى جرجان في سن ال25 حوالي 388هـ 962 م حيث التحق ببلاط السلطان أبو الحسن قابوس بن وشمجير شمس المعالي ونشر هناك أولى كتبه وهو الآثار الباقية عن القرون الخالية وحين عاد إلى موطنه الحق بحاشية الأمير ابي العباس مأمون بن مأمون خوارزمشاه الذي عهد إليه ببعض المهام السياسية نظرا لطلاقة لسانه وعند سقوط الإمارة بيد محمود بن سبكتكين حاكم عزنةعام407هـ الحقه مع طائفة من العلماء إلى بلاطه ونشر ثاني مؤلفته الكبرى تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة كما كتب مؤلفين آخرين كبيرين هما القانون المسعودي التفهيم لأوائل صناعة التنجيم توفي سنة 440هـ،1048م) وأطلق عليه المستشرقون تسمية بطليموس العرب.

    علوم البيروني

    كان عالم رياضيات وفيزياء وكان له أيضا اهتمامات في مجال الصيدلة والكتابة الموسوعية والفلك والتاريخ. سميت فوهة بركانية على سطح القمر باسمه إلى جانب 300 اسم لامعا تم اختياره لتسمية الفوهات البركانية على القمر ومنهم الخوارزمي وأرسطو وابن سينا [1]. ولد في خوارزم التابعة حاليا لأوزبكستان والتي كانت في عهده تابعة لسلالة السامانيين في بلاد فارس درس الرياضيات على يد العالم منصور بن عراق (970 – 1036) وعاصر ابن سينا (980 – 1037) وابن مسكوويه (932 – 1030) الفيلسوفين من مدينة الري الواقعة في محافظة طهران. تعلم اللغة اليونانية والسنسكريتية خلال رحلاته وكتب باللغة العربية والفارسية. البيروني بلغة خوارزم تعني الغريب أو الآتي من خارج البلدة، كتب البيروني العديد من المؤلفات في مسائل علمية وتاريخية وفلكية وله مساهمات في حساب المثلثات والدائرة وخطوط الطول والعرض، ودوران الأرض والفرق بين سرعة الضوء وسرعة الصوت،هذا بالإضافة إلى ما كتبه في تاريخ الهند [2].اشتهر أيضا بكتاباته عن الصيدلة والأدوية كتب في أواخر حياته كتاباً أسماه الصيدلة في الطب وكان الكتاب عن ماهيات الأدوية ومعرفة أسمائها. ربما كان البيروني أول من أشار إلى وجود الجاذبية حين قال

    «إن الأجسام تسقط على الأرض بسبب قوى الجذب المتمركزة فيها»

    وهذا التعبير فتح الآفاق لنيوتن ليعطيه معنى أكثر شمولية بقوله:

    «كل جسم في الكون يؤثر بقوة جذب على جسم آخر ومقدار هذه القوة يتناسب طردياً مع صاحب جذب الكتلتين وعكسياً مع مربع المسافة بينهما»

    أهم كتبه

    تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة .

    الاستيعاب في تسطيح الكرة

    التعليل بإجالة الوهم في معاني النظم

    التفهيم لأوائل صناعة التنجيم على طيق المدخل وهو علم يبحث عن التدرج من أعم الموضوعات إلى اخصها ليحصل بذلك موضوع العلوم المندرجة تحت ذلك الأعم ولما كان أعم العلوم موضوعا العلم الإلهي جعل تقسيم العلوم من فروعه ويمكن التدرج فيه من الأخص إلى الأعم على عكس ما ذكر لكن الأول أسهل وايسر وموضوع هذا العلم وغايته ظاهر .

    تجريد الشعاعات والأنوار

    الجماهر في معرفة الجواهر

    قام البيروني في هذا الكتاب بوصغ الجواهر والفلزات وهو من أوائل من وضع الوزن النوعي لبعض الفلزات والأحجار الكريمة وذكر أن الكثير من الجواهر الثمينة متشابهات في اللون وقد وصف الأحجار الكريمة مثل الياقوت واللؤلؤ والزمرد والألماس والفيروز والعقيق والمرجان والجست وهو الكوارتز وغيرها من الأحجار الكريمة وذكر أيضا الفلزات مثل الزئبق والذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص.

    التنبيه في صناعة التمويه

    الآثار الباقية عن القرون الخالية في النجوم

    #1438042
    أبو الفرج الأصفهاني

    نسبه

    أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصبهاني يرجع نسبه لبني أمية (284هـ/897م – 14 ذو الحجة 356 هـ/20 نوفمبر 967م) من أدباء العرب، صاحب كتاب الأغاني، وجده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية؛ وهو أصبهاني المولد بغدادي المنشأ، كان من أعيان أدبائها ومصنفيها، وروى عن كثير من العلماء، وكان عالِماً بأيام الناس والأنساب والسير، وله أشعار كثيرة.

    حياته

    أخذ العلم عن علماء بغداد والكوفة ومنهم أبي بكر بن دريد وأبي بكر بن الأنباري ومحمد بن عبد الله الحضرمي والحسين بن عمر بن أبي الأحوص الثقفي وعلي بن العباس المقانعي والفضل بن الحباب الجمحي وعلي بن سليمان الأخفش ونفطويه ومحمد بن جعفر القتات وغيرهم.

    قال عنه الخطيب البغدادي: (حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طباطبا العلوي، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن الحسين النوبختي يقول: كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس، كان يشتري شيئاً كثيراً من الصحف: ثم تكون روايتهُ منها).

    قال التنوخي: «ومن المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصبهاني، كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر منها اللغة والنحو والخرافات والسير والمغازي، ومن آلة المنادمة شيئاً كثيراً، مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك، وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء الشعراء».

    قال عنه العلامة ابن الجوزي البغدادي: (… ومثلهُ لا يوثق بروايتهِ، يصرح في كتبهِ بما يوجب عليهِ الفسق، ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه ومن تأمل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر).

    وذكر ابن شاكر الكتبي أن الشيخ الذهبي قال: (رأيت شيخنا تقي الدين ابن تيمية يضعفه، ويتهمه في نقلهِ ويستهول ما يأتي بهِ، وما علمت فيه جرحاً إلا قول أبي الفوارس: خلط قبل موته).

    مصنفاته

    وله المصنفات المستملحة منها: كتاب الأغاني الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله، يقال إنه جمعه في خمسين سنة، وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. وحكي عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملاً من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه، استغناء به عنها. ومنها: كتاب القيان وكتاب الإماء الشواعر وكتاب الديارات وكتاب دعوة التجار وكتاب مجرد الأغاني وكتاب أخبار جحظة البرمكي ومقاتل الطالبيين وكتاب الحانات وآداب الغرباء.

    وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس يوم ذاك وسيرها إليهم سراً وجاءه الإنعام منهم سراً، فمن ذلك كتاب نسب بني عبد شمس وكتاب أيام العرب ألف وسبعمائة يوم، وكتاب التعديل والانتصاف في مآثر العرب ومثالبها، وكتاب جمهرة النسب وكتاب نسب بني شيبان وكتاب نسب المهالبة وكتاب نسب بني تغلب ونسب بني كلاب وكتاب الغلمان المغنين ذلك.

    وكان منقطعاً إلى الوزير المهلبي وصديقاً لهُ قبل أن يلي الوزارة وبعد أن وليها وكان نديماً له، يؤنسه ويسليه ويمتعهٌ بأخباره ونوادره وحكاياته، حتى أرتفعت الحشمة بينهما، وكان يسمع المهلبي ما قاله فيه من الهجاء البذيء، وكان المهلبي يطلب ذلك ويشاركه فيها، وله فيه مدائح، فمن ذلك قوله فيه:

    ولما انتجعنا لائذين بظـلـه أعان وعنى ومن وما منـا
    وردنا عليه مقترين فراشنا وردنا نداه مجدبين فأخصبنا

    وله فيه من قصيدة تهنئة بمولود جاءه من سرية رومية:

    اسعد بمولودٍ أتاك مباركا كالبدر أشرق جنح ليلٍ مقمر
    سعد لوقت سعادةٍ جاءت به أمٌ حصانٌ من بنات الأصفر

    ولأبي الفرج شعر بذئ فيه فحش ودناءة، وقد ذكر له الثعالبي في يتيمة الدهر بعض المقطوعات من شعره. وكتب إلى بعض الرؤساء وكان مريضاً:

    أبا محمد المحمود يا حسن الإحسان والجود يا بحر الندى الطامي
    حاشاك من عود عواد إليك ومن دواء داء ومن إلمام آلام

    وعلى الرغم من الترف الواضح لدى الوزراء، ورغم تلك الصلة المتينة بينه وبين الوزير المهلبي فيبدو إن المهلبي لم يكن سخياً في العطاء مع الأصفهاني، فقد ناشدهُ بقصيدة وهو أقرب الناس لهُ يستجديه كساء الشتاء بقوله:

    فداؤك نفسي هذا الشتاء علينا بسلطانه قد هجم
    ولم يبق من نشبي درهم ولا من ثيابي إلا الرمم
    يؤثر فيها نسيم الهواء وتخرقها خافيات الوهم
    وانت العماد ونحن العفاة وأنت الرئيس ونحن الخدم

    وذكرت هذه القصيدة في كتاب يتيمة الدهر.

    ثم صار الأصفهاني كاتباً في ديوان ركن الدولة البويهي، ونال عنده حظوة ومكانة عالية، وكان الأصفهاني يتطلع إلى أن ينال رعاية الوزير ابن العميد، ولكنهُ أخفق في ذلك، ولم ينلها، وكذلك فعل أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو وهجاه بقصيدة فأختلطت على الرواة ونسبوها إلى أبي الفرج الأصفهاني.

    وكانت بين الأصفهاني والوزير أبي عبد الله البريدي جفوة وسوء علاقة ولقد هجاه الأصفهاني بقصيدة طويلة ذكرها ياقوت الحموي في معجم الأدباء.

    مؤلفاته

    مناجيب الخصيان.

    مقاتل الطالبين.

    كتاب الأغاني.

    كتاب التعديل والأنتصاف.

    أخبار القيان.

    الإماء الشواعر.

    المماليك الشعراء.

    أدب الغرباء.

    الأخبار النوادر.

    أدب السماع.

    أخبار الطفيليين.

    الخمارين والخمارات.

    أخبار جحظة.

    وفاته

    توفي الأصفهاني سنة 356 هـ وقيل بعد ذلك.

مشاهدة 15 مشاركة - 61 إلى 75 (من مجموع 107)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد