الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان مســــــــــــــــيرة عـــــــــــــــــالـــــــــــــــم

مشاهدة 15 مشاركة - 76 إلى 90 (من مجموع 107)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #1438044

    ياقوت الحموي

    نسبه

    شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي أديب ومؤلف موسوعات وخطّاط اشتغل بالعلم وأكثر من دراسة الأدب، وقد سمى نفسه (عبد الرحمن). وأهم مؤلفات ياقوت الحموي كتابهُ المعروف (معجم البلدان) الذي ترجم وطبع عدة مرات.

    نشأته

    وهو رحالة جغرافي وأديب وشاعر وخطاط ولغويسوري ولد في مدينة حماة عام 574هـ / 1178م، ويلقب بالحموي نسبة لمدينته حماة وقد أسر الروم والدهُ في غارة لهم على مدينة حماة، ولم يستطع الحمدانيون فداءه مثل غيره من العرب فبقي أسيراً بها وتزوج من فتاة رومية فقيرة أنجبت ياقوتا ولهذا لقب بالرومي. أنتقل ياقوت كثير بين البلدان, وفي صغره وكان واليهِ التاجر عسكر بن أبي نصر البغدادي، وعاملهُ عسكر معاملة الابن، وقد حفظ القرآن الكريم في مسجد متواضع هو المسجد الزيدي بدرب دينار الصغير على يد مقرئ جيد وتعلم القراءة والكتابة والحساب، وحين أتقن ياقوت القراءة والكتابة راح يتردد على مكتبة مسجد الزيدي يقرأ بها الكتب وكان إمام الجامع يشجعه ويعيره الكتب ليقرأها.

    سافر معه إلى عدة بلاد وكانت أولى أسفاره إلى جزيرة كيش في جنوب الخليج العربي، وكانت جزيرة شهيرة في وقتها بالتجارة. وتوالت أسفار ياقوت إلى بلاد فارس وكافة أرجاء الشام والجزيرة العربية ومصر، وحين اطمأن عسكر لخبرته بالتجارة وكان ياقوت يسافر بمفرده وكان أثناء رحلاته يدون ملاحظاته الخاصة عن الأماكن والبلدان والمساجد والقصور والآثار القديمة والحديثة والحكايات والأساطير والغرائب والطرائف.

    في عام 597هـ/1200م ترك ياقوت الرومي تجارة عسكر وفتح دكاناً متواضعاً بحي الكرخ في بغداد ينسخ فيه الكتب لمن يقصده من طلاب العلم، وجعل جدران الدكان رفوفاً يضع بها ما لديه من الكتب. وكان في الليل يفرغ للقراءة، وأدرك ياقوت أهمية التمكن من اللغة والأدب والتاريخ والشعر فنظم لنفسهِ أوقاتاً لدراسة اللغة على يد ابن يعيش النحوي، والأدب على يد الأديب اللغوي العُكْبُري.

    معجم البلدان

    في حلب وجد ياقوت الكثير من الاهتمام والترحيب وكان في رعاية واليها الوزير والعالم المؤرخ الطبيب القفطي الذي رحب به في مدينة حلب وجعل له راتباً من بيت المال وقد كان ياقوت معجباً بالوالي لعلمه وقد شجعة واكرمه، وقضى ياقوت في حلب خمس سنوات أنهى فيها الكتابة الأولى لمعجم البلدان وكان قد بلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً.

    يروى أن سبب تأليف ياقوت لهذا المعجم أن سائلاً قد سأله عن موضع سوق حُباشة بالضم ولكنه نطقها بالفتح وأصر على صحة نطقه وتحقق ياقوت من صحة نطق الاسم فتأكد من صواب نطقه هو للاسم فقرر أن يضع معجماً للبلدان.

    عاود ياقوت السفر مرة أخرى إلى أنحاء سورية وفلسطين ومصر وكان يودع دائما المعلومات الجديدة التي يجمعها في معجمهِ فظل يصحح فيه ويضبطه إلى أن حان أجله عام 623هـ/1225م وقد طلب من صديقهِ المؤرخ ابن الأثير أن يضع نسخة من كتابهِ في الجامع الذي شهد أولى مراحلهُ التعليمية. وفي حلب طلب القفطي منه أن يختصر المعجم لكنه كان له رأي اخر لاعتقاده أن الاختصار يشوه الكتب ويفقدها الكثير من قيمتها العلمية.

    مؤلفاته

    المشترك وضعاً من أسماء البلدان والمختلف صقعاً من الأقاليم.

    معجم الأدباء.

    المقتضب في النسب.

    أنساب العرب.

    أخبار المتنبي.

    معجم البلدان.

    وفاته

    هناك عدة روايات عن وفاته ان وفاته كانت في 623 هجري في حلب وهي على الارجح حيث كان قد استقر في حلب وسافر في البلدان وعاد مرة ثانية إلى حلب وتوفى هناك وروايات انه توفى في مدينته حماة ومنها المؤرخ وليد الأعظمي في كتابهِ أعيان الزمان وجيران النعمان : ((كان أبو الدر ياقوت الحموي وسكن في دار بدرب دينار الصغير، ووجد ميتاً في منزلهِ يوم الأربعاء 12 جمادى الأولى عام 622هـ/1225م، وكان قد توفي قبل ذلك بأيام، ولم يشعر بهِ أحد، ثم دفن في مقبرة الخيزران وقيل في روايات أخرى غير ذلك مع اختلاف مكان الوفاه وسنة الوفاة.
    ورد في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: «ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي شهاب الدين أبو الدر‏:‏ كان من خدام بعض التجار ببغداد يعرف بعسكر الحموي وياقوت هذا هو صاحب التصانيف والخط أيضاً ووفاته سنة ست وعشرين وستمائة.»
    وقال المؤرخ ابن كثير في كتابهِ البداية والنهاية في التاريخ: ((توفي في رجب سنة 623هـ في حلب)).

    #1438046

    الفارابي

    نسبه

    أبو نصر محمد الفارابي (ولد عام 260 هـ/874 م في فاراب وهي مدينة في بلاد ما وراء النهر وهي جزء مما يعرف اليوم بكازاخستان وتوفي عام 339 هـ/950 م) فيلسوف مسلم أتقن العلوم الحكمية، وبرع في العلوم الرياضية، زكي النفس، قوي الذكاء، متجنباً عن الدنيا، مقتنعاً منها بما يقوم بأوده، يسير سيرة الفلاسفة المتقدمين، وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها، ولم يباشر أعمالها، ولا حاول جزئياتها.

    اسمه الكامل هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، من مدينته فاراب، وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان وكان أبوه قائد جيش، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى سوريا وتجول بين البلدان وعاد إلى مدينة دمشق واستقر بها إلى حين وفاته. يعود الفضل اليه في ادخال مفهوم الفراغ إلى علم الفيزياء.

    مؤلفاته

    من أشهر كتبه:

    كتاب الموسيقى الكبير

    آراء أهل المدينة الفاضلة

    الجمع بين رأي الحكيمين — حاول فيه التوفيق بين أفلاطون وأرسطو

    التوطئة في المنطق

    السياسة المدنية

    إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها

    جوامع السياسة

    نبذة عن الفارابي

    الفارابي ينتمي إلى فاراب وهي بلدة تركمانية ولد سنة 257هـ. وتوفي 339هـ، تنقل في أنحاء البلاد وفي سوريا قصد حلب وأقام في بلاط سيف الدولة الحمداني فترة ثم ذهب ل دمشق واقام فيها حتى وفاته عن عمر يناهزالـ 80 عاما ودفن في دمشق، ووضع عدة مصنفات وكان أشهرها كتاب حصر فيه أنواع وأصناف العلوم ويحمل هذا الكتاب إحصاء العلوم. سمي الفارابي المعلم الثاني نسبة للمعلم الأول أرسطو والإطلاق بسبب اهتمامه بالمنطق لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية.

    العلاقة بين الفيلسوف والنبي

    التمييز الذي قام به الفارابي بين النبي من ناحية والفيلسوف من ناحية: المعرفة تكون بتجريد المعاني الكلية من المحسوسات، النبي والفيلسوف كلاهما يتلقى حقائق وينقلها للآخرين. يقول الفارابي أن معرفة الحقائق القصوى كلها مصدرها الله لكن فرق بين حقائق النبي وحقائق الفيلسوف فالفيلسوف يتلقى الحقائق بواسطة العقل الفعال فتكون طبيعتها عقليه وليس حسية، الرسول تأتيه المعارف منزلة من عند الله بتوسط الملك جبريل ويتلقى الوحي بالمخيلة ثم يتم تحويل الصور المتخيلة إلى صور ومعاني تنقل للناس. المعارف النبوية هي معارف المخيلة أساس فيها.

    #1438055
    أبو بكر الرازي

    نسبه

    بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي عالم وطبيب فارسي. (ح. 250 هـ/864 م – 5 شعبان 311هـ/19 نوفمبر 923 م)، ولد في مدينة الري في خراسان ببلاد فارس. وهو أحد أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق كما وصفته زجريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب حيث ألف كتاب الحاوي في الطب كان يضم كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق حتى عام 925م وظل المرجع الرئيس في أوروبا لمدة 400 عام بعد ذلك التاريخ [1]

    درس الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب.

    في الري اشتهر الرازي وجاب البلاد وعمل رئيسا لمشفی له الكثير من الرسائل في شتى مجالات الأمراض وكتب في كل فروع الطب والمعرفة في ذلك العصر، وقد ترجم بعضها إلى اللاتينية لتستمر المراجع الرئيسية في الطب حتى القرن السابع عشر، ومن أعظم كتبه تاريخ الطب وكتاب المنصور في الطب وكتاب الأدوية المفردة الذي يتضمن الوصف الدقيق لتشريح أعضاء الجسم. هو أول من ابتكر خيوط الجراحة، وصنع المراهم، وله مؤلفات في الصيدلة ساهمت في تقدم علم العقاقير.وله 200 كتاب ومقال في مختلف جوانب العلوم.

    حياته ونشأته

    لقد سجل مؤرخوا الطب والعلوم في العصور الوسطى آراء توووت ومتضاربة عن حياة العالم العربي أبي بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، ذلك الطبيب الفيلسوف الذي تمتاز مؤلفاته وكلها باللغة العربية، بأصالة البحث وسلامة التفكير. وكان مولده في مدينة الري، بالقرب من مدينة طهران الحديثة. وعلى الأرجح أنه ولد في سنة 251 هـ / 865 م. وكان من رأي الرازي أن يتعلم الطلاب صناعة الطب في المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان، حيث يكثر المرضى ويزاول المهرة من الأطباء مهنتهم. ولذلك أمضى ريعان شبابه في مدينة السلام، فدرس الطب في بغداد. وقد أخطأ المؤرخون في ظنهم أن الرازي تعلم الطب بعد أن كبر في السن. وتوصلت إلى معرفة هذه الحقيقة من نص في مخطوط بخزانة بودليانا بأكسفورد، وعنوانه تجارب مما كتبه محمد بن ببغداد في حداثته ، ونشر هذا النص مرفقا بمقتطفات في نفس الموضوع، اقتبستها من كتب الرازي التي ألفها بعد أن كملت خبرته، وفيها يشهد أسلوبه بالاعتداد برأيه الخاص.

    بعد إتمام دراساته الطبية في بغداد، عاد الرازي إلى مدينة الري بدعوة من حاكمها، منصور بن إسحاق، ليتولى إدارة مستشفى الري. وقد ألف الرازي لهذا الحاكم كتابه المنصوري في الطب ثم الطب الروحاني وكلاهما متمم للآخر، فيختص الأول بأمراض الجسم، والثاني بأمراض النفس. واشتهر الرازي في مدينة الري، ثم انتقل منها ثانيه إلى بغداد ليتولى رئاسة المعتضدي الجديد، الذي أنشأها الخليفة المعتضد بالله (279- 289 م /892- 902 م). وعلى ذلك فقد أخطأ ابن أبي أصيبعة في قوله أن الرازي كان ساعورا مستشفى العضدي الذي أنشأه عضد الدولة (توفى في 372 هـ/973 م)، ثم صحح ابن أبي أصيبهة خطأه بقوله والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة ولم يذكر ابن أبي أصيبعة البيمارستان المعتضدي إطلاقا في مقاله المطول في الرازي. شغل مناصب مرموقة في الري وسافر ولكنه أمضى الشطر الأخير من حياته بمدينة الري، وكان قد أصابه الماء الأزرق في عينيه، ثم فقد بصره وتوفى في مسقط رأسه إما في سنة 313هـ /923م، وإما في سنة 320 هـ/ 932 م.

    يتضح لنا تواضع الرازي وتقشفه في مجرى حياته من كلماته في كتاب السيرة الفلسفية حيث يقول: ولا ظهر مني على شره في جمع المال وسرف فيه ولا على منازعات الناس ومخاصماتهم وظلمهم، بل المعلوم مني ضد ذلك كله والتجافي عن كثير من حقوقي. وأما حالتي في مطعمي ومشربي ولهوي فقد يعلم من يكثر مشاهدة ذلك مني أني لم أتعد إلى طرف الإفراط وكذلك في سائر أحوالي مما يشاهده هذا من ملبس أو مركوب أو خادم أو جارية وفي الفصل الأول من كتابه الطب الروحاني، في فضل العقل ومدحه، يؤكد الرازي أن العقل هو المرجع الأعلى الذي نرجع إليه، ولا نجعله، وهو الحاكم، محكوما عليه، ولا هو الزمام، مزموما ولا، وهو المتبوع، تابعا، بل نرجع في الأمور إليه ونعتبرها به ونعتمد فيها عليه..

    كان الطبيب في عصر الرازي فيلسوفا، وكانت الفلسفة ميزانا توزن به الأمور والنظريات العلمية التي سجلها الأطباء في المخطوطات القديمة عبر السنين وكان الرازي مؤمنا بفلسفة سقراط الحكيم (469 ق. م- 399 ق. م)، فيقول، أن الفارق بينهما في الكم وليس في الكيف. ويدافع عن سيرة سقراط الفلسفية، فيقول: أن العلماء إنما يذكرون الفترة الأولى من حياة سقراط، حينما كان زاهدا وسلك طريق النساك. ثم يضيف أنه كان قد وهب نفسه للعلم في بدء حياته لأنه أحب الفلسفة حبا صادقا، ولكنه عاش بعد ذلك معيشة طبيعية.

    كان الرازي مؤمنا باستمرار التقدم في البحوث الطبية، ولا يتم ذلك، على حد قوله، إلا بدراسة كتب الأوائل، فيذكر في كتابه المنصوري في الطب ما هذا نصه: هذه صناعة لا تمكن الإنسان الواحد إذا لم يحتذ فيها على مثال من تقدمه أن يلحق فيها كثير شيء ولو أفنى جميع عمره فيها لأن مقدارها أطول من مقدار عمر الإنسان بكثير. وليست هذه الصناعة فقط بل جل الصناعات كذلك. وإنما أدرك من أدرك من هذه الصناعة إلى هذه الغاية في ألوف من السنين ألوف، من الرجال. فإذا اقتدى المقتدي أثرهم صار أدركهم كلهم له في زمان قصير. وصار كمن عمر تلك السنين وعنى بتلك العنايات. وإن هو لم ينظر في إدراكهم، فكم عساه يمكنه أن يشاهد في عمره. وكم مقدار ما تبلغ تجربته واستخراجه ولو كان أذكى الناس وأشدهم عناية بهذا الباب. على أن من لم ينظر في الكتب ولم يفهم صورة العلل في نفسه قبل مشاهدتها، فهو وإن شاهدها مرات كثيرة، أغفلها ومر بها صفحا ولم يعرفها البتة ويقول في كتابه في محنة الطبيب وتعيينه، نقلا عن جالينوس وليس يمنع من عني في أي زمان كان أن يصير أفضل من أبوقراط .

    كتب الرازي الطبية

    يذكر كل من ابن النديم والقفطي أن الرازي كان قد دون أسماء مؤلفاته في فهرست وضعه لذلك الغرض. ومن المعروف أن النسخ المخطوطة لهذه المقالة قد ضاعت مع مؤلفات الرازي المفقودة. ويزيد عدد كتب الرازي على المائتي كتاب في الطب والفلسفة والكيمياء وفروع المعرفة الأخرى. ويتراوح حجمها بين الموسوعات الضخمة والمقالات القصيرة ويجدر بنا أن نوضح هنا الإبهام الشديد الذي يشوب كلا من الحاوي في الطب والجامع الكبير. وقد أخطأ مؤرخو الطب القدامى والمحدثون في اعتبار ذلك العنوانين كأنهما لكتاب واحد فقط، وذلك لترادف معنى كلمتي الحاوي والجامع.

    تمت ترجمة كتب الرازي إلى اللغة اللاتينية ولا سيما في الطب والفيزياء والكيمياء كما ترجم القسم الأخير منها إلى اللغات الأوروبية الحديثة ودرست في الجامعات الأوروبية لا سيما في هولندا حيث كانت كتب الرازي من المراجع الرئيسية في جامعات هولندا حتى القرن السابع عشر. وهنالك قصة شهيرة تدل علي ذكاء الرازي هي (امره احد الخلفاء ببناء مستشفي في مكان مناسب في بغداد وفكر ووضع قطع لحم في عمود خشبي في أماكن كثيييرة في بغداد وكان يمر عليها لكي يري اي القطع فسدت وعندما عرف اخر قطعة فسدت امر ببناء المستشفي في هذا المكان لان جوه نقي خالي من الدخان والتراب لان المرضي يحتاجون الي هواء نقي خالي من الملوثات ومن ذلك الحدث اشتهر الرازي شهرة كبيرة بذكائة ومن المعروف انه كان يحب الشعر والموسيقي في صغرة وفي كبرة احب الطب

    #1438073
    ابن خلدون

    مؤسس علم الاجتماع ومؤرخ أمازيغي مسلم من إفريقية في عهد الحفصيين وهي تونس حالياً ترك تراثاً ما زال تأثيره ممتداً حتى اليوم. ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م (732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته، وكان أبوه هو معلمه الأول , شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري، وتوجهوا إلى تونس، وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين.

    حياته

    قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة، مصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم [ ابن خلدون، موقع كول بيدجس]وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيهاً متميزاً خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة وكان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله سالف الذكر المسمى سيد القبّة. توفي في القاهرة سنة 1406 م (808هـ). ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك.

    يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت.

    عدّدَ المؤرخون لابن خلدون عدداً من المصنفات في التاريخ والحساب والمنطق غير أن من أشهر كتبه كتاب بعنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وهو يقع في سبعة مجلدات وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاً بمقدمة ابن خلدون، وتشغل من هذا الكتاب ثلثه، وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل لآرائه في الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.

    ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة أبويه وكثير من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة 749هجرية (1323 م) وتفرغ لأربعة سنوات في البحث والتنقيب في العلوم الإنسانية معتزلاً الناس في سنوات عمره الأخيرة، ليكتب سفره الخالد أو ما عرف بمقدمة ابن خلدون ومؤسسا لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل في قصص التاريخ وحياة الإنسان. واستطاع بتلك التجربة القاسية أن يمتلك صرامة موضوعية في البحث والتفكير.

    فلسفة ابن خلدون

    امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام، أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.

    بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي الحكيم، أُرسل أكثر من مرة لحل نزاعات دولية، فقد عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيراً إلى أمير قشتالة لعقد الصلح. وبعد ذلك بأعوام، استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم المغولي تيمور لنك، والتقوا بالفعل.

    الغرب وابن خلدون

    كثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ، وهو له تقدير كبير عندهم. ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته وتجاربه ودعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.

    كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاث أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين (1196 – 1464)، غرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود (1236 – 1556)، تونس وشرق الجزائر وبرقة تحت سيطرة الحفصيين (1228 – 1574). التصارع بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر.وكان المشرق العربي في أحلك الظروف آنذاك يمزقه التتار والتدهور.

    وظائف تولاها

    كان ابن خلدون دبلوماسياً حكيماً أيضاً. وقد أُرسل في أكثر من وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول: مثلاً، عينه السلطان محمد بن الاحمر سفيراً له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما وكان صديقاً مقرباً لوزيره لسان الدين ابن الخطيب.كان وزيراً لدى أبي عبد الله الحفصي سلطان بجاية، وكان مقرباً من السلطان أبي عنان المرينىقبل أن يسعى بينهما الوشاة. وبعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمورلنك، وتم اللقاء بينهما. وصف ابن خلدون اللقاء في مذكراته. إذ يصف ما رآه من طباع الطاغية، ووحشيته في التعامل مع المدن التي يفتحها، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك المغرب الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون، أسلوبه الحكيم في التعامل مع تيمور لنك مثلاً، وذكائه وكرمه، وغيرها من الصفات التي أدت في نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الإسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة. ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.

    ساهم في الدعوة للسلطان أبى حمو الزيانى سلطان تلمسان بين القبائل بعد سقوط بجاية في يد سلطان قسنطينة أبى العباس الحفصى وأرسل أخاه يحيى بن خلدون ليكون وزيراً لدى أبى حمو.

    وفاته

    توفي في مصر عام 1406 م، ودفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة. وقبره غير معروف. والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد 34 بتونس العاصمة بالمدينة العتيقة.

    له قصيدة في الحنين لموطنه تونس

    أحن إلى ألفي وقد حال دونهم مهامه فيح دونهن سباسب

    ويبقى ابن خلدون اليوم شاهدا على عظمة الفكر الإسلامي المتميز بالدقة والجدية العلمية والقدرة على التجديد لاثراء الفكر الإنساني.

    كتبه ومؤلفاته

    تاريخ ابن خلدون, واسمه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.

    شفاء السائل لتهذيب المسائل، نشره وعلق عليه أغناطيوس عبده اليسوعي.

    مقدمة ابن خلدون

    التعريف بابن خلدون ورحلاته شرقا وغربا (مذكراته).

    #1438084

    ابن الهيثم

    نسبه

    الحسن بن الحسن بن الهيثم أبو علي 965-1039. ابن الهيثم هو عالم عربي في الرياضيات والبصريات والهندسة له العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث.

    هو أول من بين حقيقة الرؤية أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين, وليس العكس كما كان يعتقد العلماء حتى عصره. وإليه ينسب إختراع الكاميرا كمبدأ عمل. وهو أول من شرح العين تشريحا كاملاً ووضح وظائف اعضائها. وأول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار.

    مولده ونشأته

    ولد ابن الهيثم في ولاية البصرة سنة 354هـ-965 ميلادية، في عصر كان يشهد ازدهارا في مختلف العلوم من رياضيات وفلك وفيزياء وطب وغيرها، هناك انكب على دراسة الهندسة والبصريات وقراءة كتب من سبقوه من علماء اليونان والعالم الأندلسي الزهراوي وغيرهم في هذا المجال،[بحاجة لمصدر] كتب عدة رسائل وكتب في تلك العلوم وساهم على وضع القواعد الرئيسية لها، وأكمل ما كان قد بدأه العالم الكبير الزهراوي.

    وكان في كل أحواله زاهدًا في الدنيا؛ درس في بغداد الطب، واجتاز امتحانًا مقررًا لكل من يريد العمل بالمهنة، وتخصص في طب الكحالة (طب العيون)، كان أهل بغداد يقصدونه للسؤال في عدة علوم، برغم أن المدينة كانت زاخرة بصفوة من كبار علماء العصر.

    رحلته إلى مصر

    جاء في كتاب أخبار الحكماء للقفطي على لسان ابن الهيثم:

    « لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان.»
    فوصل قوله هذا إلى الحاكم بأمر الله الفاطمي، فأرسل إليه بعض الأموال سرًا، وطلب منه الحضور إلى مصر. وأمده بما يريد للقيام بهذا المشروع، ولكن ابن الهيثم بعد أن حدد مكان إقامة وباشر دراسة النهر على طول مجراه، ولما وصل إلى قرب أسوان وجد مياه النيل تنحدر منه من كافة جوانبه، أدرك أنه كان واهمًا متسرعًا في ما ادعى المقدرة عليه وهو بناء سد يحجز ماء الفيضان، وأنه عاجز على البرّ بوعده بإمكانات عصره.حينئذ عاد إلى الحاكم بأمر بالله معتذراً، فقبل عذره وولاه أحد المناصب.غير أن ابن الهيثم خاف غضب الحاكم عليه، فخشي أن يكيد له، وتظاهر بالجنون، وظل على التظاهر به حتى وفاة الحاكم الفاطمي.وبعد وفاته عاد عن التظاهر بالجنون، وسكن قبة على باب الجامع الأزهر، واتخذ نسخ بعض الكتب العالمية موردًا لرزقه، هذا بخلاف التأليف والترجمة؛ حيث كان متمكنًا من عدة لغات، وتفرغ في سائر وقته للتأليف والتجربة، وذلك حتى وفاته في عام 1039 م، وقد وصل ما كتبه إلى 237 مخطوطة ورسالة في مختلف فروع العلم والمعرفة، وقد اختفى جزء كبير من هذه المؤلفات لكنها وجدت مرة أخرى تحت فراشه،.

    مؤسس علم الضوء

    صاحب السبق فيه هو ابن الهيثم، وقد وضع أسس هذا العلم في كتابه المناظر. وقد ألف هذا الكتاب عام 411هـ/ 1021م، وفيه استثمر خبرته الطبية، وتجاربه العلمية، فتوصل فيه إلى نتائج وضعته على قمة عالية في المجال العلمي، وصار بها أحد المؤسسين لعلوم غيّرت من نظرة العلماء لأمور كثيرة في هذا المجال حتى لقبه العلماء (أمير النور).

    مؤلفاته

    ذكر أن لابن الهيثم ما يقرب من مئتي كتاب، خلا رسائل كثيرة، فقد ألف في الهندسة والطبيعيات، والفلك، والحساب والجبر والطب والمنطق والأخلاق، بلغ منها ما يتعلق بالرياضيات والعلوم التعليمية، خمسة وعشرين، وما يتعلق منها بالفلسفة والفيزياء، ثلاثة وأربعين، أما ما كتبه في الطب فقد بلغ ثلاثين جزءاً، وهو كتاب في الصناعات الطبية نظمه من جمل وجوامع ما رآه مناسباً من كتب غالينوس، وهو ثلاثون كتاباً:

    الأول في البرهان، والثاني في فرق الطب، والثالث في الصناعة الصغيرة، والرابع في التشريح، والخامس في القوى الطبيعية، والسادس في منافع الأعضاء، والسابع في آراء أبقراط وأفلاطون، والثامن في المني، والتاسع في الصوت، والعاشر في العلل والأعراض، والحادي عشر في أصناف الحميات، والثاني عشر في البحران، والثالث عشر في النبض الكبير، والرابع عشر في الأسطقسات على رأي أبقراط، والخامس عشر في المزاج والسادس عشر في قوى الأدوية المفردة والسابع عشر في قوى الأدوية المركبة، والثامن عشر في موضوعات الأعضاء الآلمة، والتاسع عشر في حيلة البرء، والعشرون في حفظ الصحة، والحادي والعشرون في جودة الكيموس ورداءته، والثاني والعشرون في أمراض العين، والثالث والعشرون في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن، والرابع والعشرون في سوء المزاج المختلف، والخامس والعشرون في أيام البحران، والسادس والعشرون في الكثرة، والسابع والعشرون في استعمال الفصد لشفاء الأمراض، والثامن والعشرون في الذبول، والتاسع والعشرون في أفضل هيئات البدن، والثلاثون جمع حنين ابن إسحاق من كلام غالينوس وكلام أبقراط في الأغذية·

    وتبين من تعداد هذه المصنفات أنه ألف في شؤون طبية هامة نقل معظمها عن غالينوس، ولكنه علق عليها وزاد فيها، وألف كتباً أخرى، ذات صلة بالطب والمعالجة، كرسالته في تأثير اللحون الموسيقية، في النفوس الحيوانية، وذلك في وقت لم تكن فيه معالجة بعض الأمراض النفسية، بالألحان الموسيقية قد وجدت طريقها أو احتلت مكانها في دنيا المعالجات النفسية·

    الكتب التي قام بتأليفها

    كتاب المناظر:الذي يعد ثورة في عالم البصريات، فقد رفض فيه عددًا من نظريات بطليموس في علم الضوء، بعدما توصل إلى نظريات جديدة غدت نواة علم البصريات الحديث.

    #1438091

    ابن البيطار

    نسبه

    ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي. لقب بالمالقي لأنه ولد في قرية بينالمدينا التي تقع في مدينة مالقة في الأندلس. اشتهر بإبن البيطار مشتق من ابن البيطري لأن والده كان طبيباً بيطرياً ماهراً. ولد حوالي سنة 1197م وتوفي في دمشق سنة 1248.

    يعتبر ابن البيطار خبيرا في علم النباتات والصيدلة، وأعظم عالم نباتي ظهر في القرون الوسطى، وساهم إسهامات عظيمة في مجالات الصيدلة الطب..ابن البيطار خبير في علم النباتات والصيدلة، وكتب موسوعة عن إعداد وتركيب الدواء والغذاء، ذكر ابن البيطار 1400 نوع من النباتات في أسبانيا وشمال إفريقيا وسوريا، يمكن استخدامها لأهداف طبية، وذكر أيضا اسم 300 نوع من النباتات التي لم يتعرف إليها طبيب قبله، كما ذكر هذا العالم طريقة تركيب الدواء لبعض الأمراض، والجرعة المطلوب تناولها للعلاج.

    وصفه

    من صفات ابن البيطار، كما جاء على لسان ابن أبي أصيبعة، أنه كان صاحب أخلاق سامية، ومروءة كاملة، وعلم غزير. وكان لابن البيطار قوة ذاكرة عجيبة، أعانته ذاكرته القوية على تصنيف الأدوية التي قرأ عنها، واستخلص من النباتات العقاقير المتنوعة فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا طبقها، بعد تحقيقات طويلة.

    ابن البيطار وعلم النبات

    إن علم النبات قد ازدهر كثيراً عند العرب منذ القرن الرابع للهجرة، وما زالت بعض الأسماء تشعُّ في تاريخ الأدب الطبي، منهم: ابن جلجل، والشريف الإدريسي، وابن الصوري، وأبو العباس النباتي وغيرهم، فكانوا رواداً بحق، برعوا في معرفة الأدوية النباتية والحيوانية والمعدنية، وافتتحوا الصيدليات العامة في زمن المنصور، كما ألحقوا الصيدليات الخاصة بالبيمارستانات (المستشفيات)، وكان للصيدلية رئيس يسمى شيخ صيدلانيي البيمارستان وجعلوا على الصيادلة رئيساً سمي (رئيس العشابين أي نقيب الصيادلة) ووضعوا كتباً خاصة بتركيب الأدوية أطلقوا عليها اسم الأقرباذين.

    نجد وصفاً معبِّراً كتبه أبو العباس القلقشندي (المتوفى سنة 812 هجرية) عن الصيدلية الملحقة بالبيمارستان، فيقول: كان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة، والمربيات الفاخرة، وأصناف الأدوية، والعطور الفائقة التي لا توجد إلا فيها، وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصينية من الزبادي والبراني، ما لا يقدر عليه سوى الملوك، ويقف الصيدلي بباب الصيدلية لابساً ثيابه البيضاء يصرف الدواء ومن ورائه الرفوف الممتلئة بالأدوية والقوارير .

    يتبين لنا من خلال هذا العجالة السريعة ومن خلال المؤلفات التي تركها العلماء العرب المجهودات المضنية التي بذلوها في تنظيم فن الصيدلة، إذ أن هذا العلم يدين لهم بالشيء الكثير إن لم يكن من اختراعهم، وما ساعدهم على ذلك كون علمائهم كانوا كيميائيين وأطباء في الوقت ذاته، وفنّ الصيدلة علم له علاقة وثيقة بعلمَي النبات والكيمياء، لذلك نجد أن الوصفات الطبية التي دوَّنها ابن البيطار في كتبه أثبتت نجاحاً عظيماً في الشرق والغرب، وأعتمدت كأساس لعلم العقاقير، وكتابه الجامع كان قد استعمل في تكوين أول صيدلية إنكليزية أعدتها كلية الطب في عهد جيمس الأول.

    ترحاله

    بدأ حياته العلمية في الأندلس، ثم انتقل إلى المغرب، ولما بلغ العشرين من عمره زار مراكش والجزائر وتونس كباحث ومحاور للباحثين بعلم النبات، ثم انتقل إلى آسيا الصغرى مارًا ب سوريا ومدنها ومنها دمشق وأنطاكية ومنها إلى الحجاز وغزة والقدس وبيروت ومصر ثم انتقل إلى بلاد اليونان ووصل إلى أقصى بلاد الروم وعاد اخيرا واستقر في دمشق.

    في دمشق اكرمه الملك الصالح الأيوبي وهناك قام بأبحاثه ودرس النباتات وكتب مدوناته ونتائج ابحاثة التي توصل اليها، ومنها انتقل إلى آسيا الصغرى واليونان مواصلا بحوثه فيها وهو بأسفاره هذه عالم طبيعي ميداني يدرس الأشياء في مواضعها ويتحقق منها بنفسه وإلى جانب ذلك كان لابن البيطار اطلاع واسع مفصل على مؤلفات من سبقوه في هذا الموضوع ديقوريدس وجالينوس والإدريسي وعاد إلى دمشق وأصبح من علمائها الكبار في علوم الصيدلة والاعشاب

    مؤلفاته

    الجامع لمفردات الأدوية والأغذية

    المغني في الأدوية المفردة

    كتاب الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام.

    مقالة في الليمون.

    كتاب في الطب.

    الأفعال الغريبة والخواص العجيبة.

    ميزان الطبيب.

    رسالة في التداوي بالسموم.

    وفاته

    توفي ابن البيطار في دمشق بسوريا سنة 1248 وهو في التاسعة والأربعين من عمره وهو يقوم بأبحاثه وتجاربه على النباتات، وتسرب اليه السم أثناء اختباره لنبتة حاول صنع دواء منها.

    #1438094

    ابن الأثير الجزري

    نسبه

    عز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري (555-630 هـ) المعروف بـ ابن الأثير الجزري، مؤرخ إسلامي كبير، عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي.

    المولد والنشأة

    ولد عز الدين ابي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الاثير الجزري والمعروف بعز الدين بن الاثير في 4 جمادى الآخرة سنة 555 هـ بالجزيرة المسماة في المصادر العربية الإسلامية بجزيرة ابن عمر. وهي داخلة ضمن حدود الدولة التركية حالياً في أعالي الجزيرة السورية، وقد عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، رحل إلى الموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، فسمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي. ورحل إلى دمشق وتعلم من شيوخها وعلمائها واستمع إلى كبار فقهاء الشام واستمر فترة من الزمن، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف.

    ثقافته

    في رحلته الطويلة لطلب العلم وملاقاة الشيوخ، والأخذ منهم، درس ابن الأثير الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات؛ لأن هذه العلوم كان يجيدها الأساتذة المبرزون ممن لقيهم ابن الأثير، غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما هما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيرا بأنساب العرب وأيامهم وأحبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة.

    وعن طريق هذين العلمين بنى ابن الأثير شهرته في عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ عليه حتى كادت تحجب ما سواها. والعلاقة بين التخصصين وثيقة جدا؛ فمنذ أن بدأ التدوين ومعظم المحدثين العظام مؤرخون كبار، خذ مثلا الإمام الطبري، فهو يجمع بين التفسير والفقه والتاريخ، والإمام الذهبي كان حافظا متقنا، وفي الوقت نفسه كان مؤرخا عظيما، وكذلك كان الحافظ ابن عساكر بين هاتين الصفتين… والأمثلة كثيرة يصعب حصرها.

    مؤلفاته

    وقد توافرت لابن الأثير المادة التاريخية التي استعان بها في مصنفاته، بفضل صلته الوثيقة بحكام الموصل، وأسفاره العديدة في طلب العلم، وقيامه ببعض المهام السياسية الرسمية من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدين في غزواته -وهو ما يسر له وصف المعارك كما شاهدها- ومدارسته الكتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصيل، ثم عكف على تلك المادة الهائلة التي تجمعت لديه يصيغها ويهذبها ويرتب أحداثها حتى انتظمت في أربعة مؤلفات، جعلت منه أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري وهذه المؤلفات هي:

    الكامل في التاريخ.

    التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، وهو في تاريخ الدول، ويقصد بالدولة الأتابكية.

    أسد الغابة في معرفة الصحابة، وهو في تراجم الصحابة.

    اللباب في تهذيب الأنساب، وهو في الأنساب.

    وفاته

    ظل ابن الأثير بعد رحلاته مقيما بالموصل، منصرفا إلى التأليف، عازفا عن المناصب الحكومية، متمتعا بثروته التي جعلته يحيا حياة كريمة، جاعلا من داره ملتقى للطلاب والزائرين حتى توفي في شعبان 630هـ.

    #1438212

    الإدريسي

    نسبه

    أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إدريس الشريفي أو الشريف الإدريسي عالم مسلم من آل البيت . أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومؤسسين علم الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ والأدب والشعر والنبات ودرس الفلسفة والطب والنجوم في قرطبة.

    ولد في مدينة سبتة في المغرب عام 493 هـ (1100 ميلادية) ومات عام 559هـ 1166م. تعلم في البيلق وطاف البلاد فزار الحجاز ومصر. وصل سواحل فرنسا وإنكلترا. سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. عاش فترة في صقلية ونزل فيها ضيفا على ملكها رجار الثاني، تركها في أواخر أيامه، ليعود إلى بلدته سبتة حيث توفي.

    استخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوربية. حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات، وضمنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية بالإضافة إلى حدود الدول.

    اختار الإدريسي الانتقال إلى صقلية بعد سقوط الحكومة الإسلامية، لأن الملك النورماني في ذلك الوقت رجار الثاني كان محباً للمعرفة. شرح الإدريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض، شبه الإدريسي الأرض بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرَّات.

    أمر الملك الصقلي رجار الثاني له بالمال لينقش عمله خارطة العالم والمعروف باسم لوح الترسيم على دائرة من الفضة. في إحدى المرات قدم وصفًا عن وضع السودان، وعن حالة مدن مثل المواقع بدقة متناهية تماماً، كما هي على أرض الواقع، مع أنها كانت فقط من خلال الاستماع إلى بعض القصص والكلمات. استخدم الإدريسي خطوط العرض أو الخطوط الأفقية على الخريطة والكرة الأرضية التي صنعها، استخدمت خطوط الطول من قبله إلا أن الإدريسي أعاد تدقيقها لشرح اختلاف الفصول بين الدول. دُمِّرت تلك الكرة خلال اضطرابات مدنية في صقلية بعد وفاة الملك رجار الثاني .

    حدد الادريسي مصدر نهر النيل، ففي موقع معين وضع نقطة تقاطع نهر النيل تحت خط الاستواء، وهذا هو موقعه الصحيح. قبل دخول مصر تلتقي روافد نهر النيل في الخرطوم عاصمة السودان، يتشكَّل نهر النيل من نهرين هما النيل الأبيض والنيل الأزرق، يجري هذان النهران عبر أراضي السودان ويلتقيان في الخرطوم التي تقع تحت خط الاستواء. إن تحديد موقع نهر النيل يُلغي نظرية بطليموس أن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر.

    ألقابه

    اسمه الكامل (كما جاء في الوافي بالوفيات) هو: محمد بن محمد بن عبد الله (لا عبد الرحمن) بن إدريس بن يحيى بن علي بن حمود (صاحب غرناطة في وقته) بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب. لقب بالشريف لنسبه برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام.

    ولقب بالصقلي لانه اتخذ جزيرة صقلية مكاناً له بعد سقوط الدولة الإسلامية.

    ولقب بسطرابون العرب نسبة للجغرافي الإغريقي الكبير سطرابون. ومصطفى الادريسي

    مؤلفاته

    ألف الإدريسي كتابه المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) والمسمى أيضاً (كتاب رجار) أو (الكتاب الرجاري) وذلك لأن الملك رجار ملك صقلية هو الذي طلب منه تأليفه كما طلب منه صنع كرة من الفضة منقوش عليها صورة الأقاليم السبعة، ويقال أن الدائرة الفضية تحطمت في ثورة كانت في صقلية، بعد الفراغ منها بمدة قصيرة، وأما الكتاب فقد غدا من أشهر الآثار الجغرافية العربية، أفاد منه الأوروبيون معلومات جمة عن بلاد المشرق، كما أفاد منه الشرقيون، فأخذ عنه الفريقان ونقلوا خرائطه، وترجموا بعض أقسامه إلى مختلف لغاتهم.

    في السنة التي وضع فيها الإدريسي كتابه المعروف، توفي الملك رجار فخلفه غليام أو غليوم الأول، وظل الإدريسي على مركزه في البلاط، فألف للملك كتاباً آخر في الجغرافيا سمّاه (روض الأنس ونزهة النفس) أو (كتاب الممالك والمسالك)، لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود في مكتبة حكيم أوغلو علي باشا بإسطنبول. وذكر للإدريسي كذلك كتاب في المفردات سماه (الجامع لصفات أشتات النبات)، كما ذكر له كتاب آخر بعنوان (انس المهج وروض الفرج). وقد نشر من هذا الكتاب الأخير قسم شمال أفريقيا وبلاد السودان

    #1438218
    عبد الله بن عباس

    نسبه

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير، ولد ببني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم دائم الدعاء لابن عباس فدعا أن يملأ الله جوفه علما وأن يجعله صالحا. وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.

    توفي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعمر ابن عباس لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة، وقد روي له 1660 حديثا. كان عبد الله بن عباس مقدما عند عثمان بن عفان، وأبو بكر الصديق(م)، ثم جعله علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) واليا على البصرة وكان عمره يوم وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم 14 عاماً.

    لغزارة علم ابن عباس رضي الله عنه ‎، لقب بالبحر إذ أنه لم يتعود أن يسكت عن أمر سُئل عنه، فإن كان الأمر في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن كان من سيرة أحد الصحابة أخبر به، فإن لم يكن في شيء من هؤلاء قدم رأيه فيه، ومن شدة اتقانه فقد قرأ سورة البقرة وفسرها آية آية وحرفا حرفا. لشدة ايمانه أنه لما وقع في عينه الماء أراد أن يتعالج منه فقيل له: إنك تمكث كذا وكذا يوما لا تصلي إلا مضطجعا فكره ذلك.

    وقد قال رضي الله عنه‎: سلوني عن التفسير فإن ربي وهب لي لسانا سؤولا وقلبا عقولا.

    مولده

    ولد والنبي – صلى الله عليه وسلم- بالشعب فأتى به النبي – صلى الله عليه وسلم- فحنكه بريقه وذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات.
    لازم النبي – صلى الله عليه وسلم – في صغره لقرابته منه، وتوفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وله من العمر 13سنة وقيل 15سنة.

    حياته

    وكان عمر يُجلسه في مجلسه مع كبار الصحابة ويدنيه منه ويقول: « ذاكم فتى الكهول، إن له لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً ».

    وقال فيه ابن مسعود: « نعم ترجمان القرآن ابن عباس ».

    وقال عنه عطاء: ما رأيت أكرم من مجلس ابن عباس، أصحاب القرآن عنده، وأصحاب الفقه عنده، وأصحاب السير عنده يصدرهم كلهم من واد واسع ».

    قال عبد الله بن عتبة: « كان ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما- قد فات الناس بخصال:
    بعلم ما سبق، وفقه فيما احتيج إليه، وحلمٍ ونسب، وتأويل، وما رأيت أحداً كان أعلم بما سبق من حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – منه ولا بأقضية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي منه ».

    قيل لطاووس لزمت هذا الغلام – يعني ابن عباس – وتركت الأكابر قال: إني رأيت سبعين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- إذا تدارءوا أمراً صاروا إلى قول ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما-.

    قرأ القرآن على أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وقرأ عليه مجاهد وسعيد وطائفة.

    وروى عنه علي ابنه، وأخوه عكرمة مولاه، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو أمامة، وابن أبي مليحة وغيرهم كثير،بلغ عددهم مئتى نفس كما ذُكر ذلك في التهذيب.

    ولابن عباس – رضي الله تعالى عنهما- تفسير رواه عنه مجاهد وروى هذا التفسير عن مجاهد حميد بن قيس.

    قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: جمعت المحكم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبض وأنا ابن عشر حجج.
    وقال أيضاً -رضي الله تعالى عنهما-: كل القرآن أعلمه إلا ثلاثا الرقيم، غسلين، حناناً.

    عن ابن أبي مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة فكان إذا نزل قام شطر الليل فسأله أيوب: كيف كانت قراءته؟ قال: قرأ ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ …. ﴾ [ق: 19 ]، فجعل يرتل ويكثر – في ذلك- النشيج.

    وقال طاووس: ما رأيت أحداً أشد تعظيماً لحرمات الله من ابن عباس.
    وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: لما توفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنهم اليوم كثير فقال: واعجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – من ترى؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله ألا أرسلت إلي فآتيك فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي فقال: هذا الفتى أعقل مني.

    قال عمر لابن عباس: لقد علمت علماً ما علمناه.
    وقال عمر: لا يلومني أحد على حب ابن عباس.

    وقال الأعمش: حدثنا أبو وائل قال خطبنا ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما- وهو أمير على الموصل فافتتح سورة النور فجعل يقرأ ويفسر فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثل هذا، لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت.

    قال تلميذه مجاهد: إنه إذا فسر الشيء رأيت عليه النور.

    قال علي: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.

    قال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: ابن عباس أعلم أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

    وفاته

    توفي حَبر هذه الأمة الصحابي عبد الله بن عباس سنة 68 هـ بالطائف، وقد نزل في قبره وتولى دفنه علي بن عبد الله ومحمد بن الحنفية، والعباس بن محمد بن عبد الله بن العباس

    #1438224

    عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

    نسبه

    عبد الله بن مسعود– هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمس بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارس بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، الإمام الحبر، فقيه الأمة، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بني زهرة. صحابي جليل أحد أوائل المهاجرين حيث هاجر الهجرتين وصلى على القبلتين، وأول من جهر بقراءة القرآن. تولي قضاء الكوفة وبيت المال في خلافة عمر وصدر من خلافة عثمان.

    فضله وصفاته

    كان من السابقين الأولين، وشهد بدراً، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النقل، روى علما كثيرا. كان عبد الله رجلاً نحيفاً أحمش الساقين – (رفيع الساقين) – قصيراً شديد الأدمة وكان لا يغير شيبه. كان عبد الله لطيفاً فطناً. وكان معدوداً في أذكياء العلماء. وكان عبد الله من أجود الناس ثوباً أبيض، وأطيب الناس رِيحاً. كان متواضع مع علمه وروعه وتقواه.

    أمه: أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة فكان يعرف بابن أم عبد.

    قربه من رسول الله

    ما كاد ابن مسعود يعلن إسلامه حتي بدأ عهدا مع نفسه وهو القرب من رسول الله فكان كما قال أبو موسى الأشعري لقد رأيت رسول الله وما أرى ابن مسعود إلا من أهله – وقال القاسم بن عبد الرحمن: كان ابن مسعود يلبس رسول الله – نعليه ثم يمشي أمامه بالعصا حتي إذا أتي مجلسه نزع نعليه فأدخلها في ذراعيه وأعطاه العصا – فإذا أراد رسول الله أن يقوم إليه نعليه ثم مشي بالعصا أمامه حتي يدخل الحجرة قبل رسول الله – وكان يوقظ رسول الله إذا نام ويستره إذا اغتسل وكان صاحب سواكه ووسادته ونعليه.

    مكانته عند الله عز وجل

    عن سعد قال كنا مع رسول الله ونحن ستة فقال المشركون إطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود وغيرنا. فوقع في نفس النبي – ما شاء الله وحدث به نفسه فأنزل الله تعالي ‏‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‏}. الأنعام. 52.

    كما قال عنه رسول الله أن قدمه في الميزان أثقل من جبل أحد، يوم استهزأ الصحابة من دقة ساقه.

    علمه

    أخذ ابن مسعود من فيّ رسول الله سبعين سورة، كما لقب بحبر الأمة لحرصه علي العلم، وكان كثير الشغف بالقرآن حتي عرف بأنه أول جهر بالقرآن. وقال : (من أحب أن يسمع القرآن غضا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد).

    لقد قال فيه علي : (لقد قرأ القرآن فأحل حلاله وحرم حرامه فقيه في الدين عالم بالسنة). وقد روى الشيخان في صحيحيهما والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو إنه قال لما ذكر عنده ابن مسعود فقال ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله يقول (استقرئوا القرآن من أربعة – ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل) ولم يكن حبر الأمة عالما فحسب بل كان مع العلم العبادة فهو القائل القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن وهو القائل ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية.

    جهاده في سبيل الله

    جثا عبد الله يوم بدر علي صدر أبي جهل بعد أن أثبته ابنا عفراء فقال رسول الله من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه إبنا عفراء غير أنه لم يمت فقال له أنت أبو جهل ؟ ثم حز رأسه وأعلم رسول الله الخبر فحمد الله تعالي.

    قال ابن عباس: ما بقي مع رسول الله يوم أحد إلا أربعة: أحدهم ابن مسعود.

    وفاته

    توفي بالمدينة سنة 32 هـ، وأوصي الي الزبير ‎ ودفن بالبقيع وصلي عليه عثمان وقيل صلي عليه الزبير ودفنه ليلا وكان قد أوصى بذلك وقيل لم يعلم عثمان ‎ عنه بدفنه فعاتب الزبير علي ذلك وكان عمر عبد الله بن مسعود يوم توفي بضعا وستين سنة، وقيل بل توفي سنة ثلاث وثلاثين والأول كثر – ولما مات ابن مسعود نعي الي أبي الدرداء فقال ما ترك بعده مثله – أخرجه الثلاثة.

    #1438226

    أبو الدرداء الأنصاري رضي الله عنه

    نسبه

    أبو الدرداء الانصاري هو عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي، صحابي من الأنصار يلقب بحكيم الأمة، أسلم يوم بدر، كان تاجرا في المدينة المنورة وهو أحد الذين جمعوا القرآن على عهد النبي. ولاه معاوية بن أبي سفيان قضاء دمشق بأمر من عمر بن الخطاب. توفي في الشام قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سنة 32 هـ وهو ابن 72 عاما.

    إسلامه

    أسلم في غزوة بدر، وقيل إنه آخر مَنْ أسلم من الأنصار.ومما يروى في قصة إسلامه، أنه كان عنده صنم في داره، وذات يوم دخل عليه عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة، فشاهدا الصنم فكسراه إلى قطع صغيرة، فبدأ أبو الدرداء يجمع القطع المتناثرة من أحجار الصنم، وهو يقول للصنم: ويحك! هلا امتنعت ألا دافعت عن نفسك؟ فقالت زوجته أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد لدفع عن نفسه ونفعها.

    فقال أبو الدرداء أعدي لي ماءً في المغتسل، ثم قام فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي، فنظر إليه ابن رواحة مُقبلا، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا. فأخبره رسول الله أن أبا الدرداء إنما جاء ليسلم، وأن الله وعد رسوله بأن يسلم أبو الدرداء، وبالفعل أعلن أبو الدرداء إسلامه، فكان من خيرة الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم.

    حياته بعد إسلامه

    وشهد أبو الدرداء مع رسول الله غزوة أحد وغيرها من المشاهد، وعرف بالعفو والسماحة، ويحكى أن رجلا قال له ذات مرة قولاً جارحًا، فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه، فعلم بذلك عمر بن الخطاب، فغضب وذهب إلى أبي الدرداء وسأله عما حدث فقال: اللهم غفرانًا، أوكل ما سمعنا منهم نأخذهم به (أي نعاقبهم ونحاسبهم عليه)؟!

    وكان أبو الدرداء تاجرًا مشهورًا، فلما أسلم تفرغ للعلم والعبادة، ويقول عن إسلامه رضوان الله عليه أسلمت مع النبى وأنا تاجر، وأردت ان تجتمع لى العبادة والتجارة فلم يجتمعا، فتركت التجارة وأقبلت على العباده، وما يسرنى اليوم أن أبيع وأشترى فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار، حتى لو يكون حانوتى على باب المسجد، ألا إنى لا أقول لكم: ان الله حرم البيع، ولكنى أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. وصف بالشجاعة، حتى قيل عنه: نعم الفارس عويمر. وكان ينطق بالحكمة، فقيل عنه: حكيم الأمة عويمر.

    وكان لأبي الدرداء ثلاثمائة وستون صديقًا، فكان يدعو لهم في الصلاة، ولما سئل عن ذلك قال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به مَلَكيْن يقولان، ولك بمثل، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة؟!

    حفظ أبو الدرداء القرآن في حياة الرسول، وكان ابن عمر يقول لأصحابه: حدثونا عن العاقلين: معاذ بن جبل وأبي الدرداء.

    وكان من العابدين الزاهدين، وقد زاره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في بيته فلم ير فيه غير فراش من جلد، وكساء رقيق لا يحميه من البرد، فقال له: رحمك الله، ألم أوسع عليك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثًا حدثناه رسول الله ؟ قال عمر: أي حديث؟ قال: (ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب) الترمذي. قال: نعم، قال أبو الدرداء: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ حرص أبو الدرداء على العلم، وكان حرصه على العمل بما يعلم أقوى وأشد، وكان ملازمًا للنبي حتى قال عنه الصحابة: أتْبَعُنَا للعلم والعمل أبو الدرداء.

    وكان يقول: لن تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولن تكون متعلمًا حتى تكون بما علمت عاملاً، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت؟، وقال: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.

    وكان يعلِّم الناس القرآن الكريم وسنة رسول الله ،ويحثهم على طلب العلم، ويأخذ بأيديهم إلى الصواب، فيقول لهم: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهَّالكم لا يتعلمون؟! تعلموا فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر.

    وذات يوم مرَّ أبو الدرداء على أناس يضربون رجلاً ويسبونه، فقال لهم: ماذا فعل؟ فقالوا: أذنب ذنبًا، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في بئر أكنتم تستخرجونه منها؟ قالوا: نعم نستخرجه، قال: فلا تسبوا أخاكم، وأحمدوا الله الذي عافاكم، فقالوا له: ألا تبغضه وتكرهه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.

    ويروى أنه كان مع المسلمين في قبرص، ففتحها الله على المسلمين، وغنموا خيرًا كثيرًا، وكان أبو الدرداء واقفًا مع جبير بن نفير، فمرَّ عليه السبي والأسرى، فبكى أبو الدرداء، فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟! فقال أبو الدرداء: يا جبير، بينما هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله فلقوا ما ترى! ما أهون العباد على الله إذ هم عصوا!

    ويحكى أن يزيد بن معاوية تقدم ليخطب ابنة أبي الدرداء فردَّه، فأعاد يزيد طلبه، فرفض أبو الدرداء مرة ثانية، ثم تقدم لخطبتها رجل فقير عرف بالتقوى والصلاح، فزوجها أبو الدرداء منه، فتعجب الناس من صنيعه، فكان رده عليهم: ما ظنَّكم بابنة أبي الدرداء إذا قام على رأسها الخدم والعبيد وبهرها زخرف القصور، أين دينها يومئذ؟! وكان يقول: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك، وأن تبارى (تنافس) الناس في عبادة الله.

    من دعائه اللهم انى أعوذ بك من شتات القلب سئل: وما شتات القلب يا أبا الدرداء؟ فأجاب: أن يكون لى في كل واد مال.

    وقال رضى الله عنه: من لم يكن غنيا عن الدنيا، فلا دنيا له وقال أيضا: لا تأكل الا طيبا ولا تكسب الا طيبا ولا تدخل بيتك الا طيبا.

    حفظه للقرآن

    كان من القلائل الذين استطاعوا أن يحفظوا القرآن كاملاً في صدورهم. عَنْ أَنَسٍ: مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَإذٌ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ.

    عَنِ الشَّعْبِيِّ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ سِتَّةٌ، وَهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَإذٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَأُبَيٌّ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ.

    كَانَتِ الصَّحَابَةُ يَقُوْلُوْنَ: أَرْحَمُنَا بِنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَنْطَقُنَا بِالحَقِّ عُمَرُ، وَأَمِيْنُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَعْلَمُنَا بِالحَرَامِ وَالحَلاَلِ مُعَإذٌ، وَأَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَرَجُلٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَتَبِعَهُم عُوَيْمِرُ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِالعَقْلِ.

    قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَو أُنْسِيْتُ آيَةً لَمْ أَجِدْ أَحَداً يُذَكِّرُنِيْهَا إِلاَّ رَجُلاً بِبَرْكِ الغَمَادِ، رَحَلْتُ إِلَيْهِ.

    وفاته

    عاش أبو الدرداء حياة بسيطة يملؤها الزهد والتواضع حتى جاءته ساعة الموت، فقال عند احتضاره: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ وكان يقول: من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده. وقد توفي في الإسكندرية بمصر سنة 32 هـ في خلافة عثمان بن عفان.

    #1438233

    سعيد بن جبير رضي الله عنه

    نسبه وقبيلته

    هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم الكوفي، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله ووالبة هو ابن الحارث بن ثعلبة، عده أصحاب السير من الطبقة الثالثة من التابعين.

    روى له البخاري – مسلم – أبو داود – الترمذي – النسائي- ابن ماجه.

    بلد المعيشة والرحلات

    ذكره أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان فقال: دخل أصبهان وأقام بها مدة، ثم ارتحل منها إلى العراق وسكن قرية سنبلان.

    الصحابة الذين تعلم على أيديهم

    واتت الفرصة لسعيد بن جبير فتعلم على يد عدد من الصحابة ويروي عنهم، فأخذ عن حبر الأمة عبد الله بن عباس وروى عنه وأكثر، وكان أحد تلامذته، وسمع من عبد الله بن مغفل وعائشة أم المؤمنين وعدي بن حاتم وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأبي مسعود البدري وعن ابن عمر وابن الزبير والضحاك بن قيس وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري.

    من ملامح شخصيته

    عبادته

    مما عرف عن سعيد بن جبير أنه كان عابدًا قوامًا، فعن أصبغ بن زيد قال كان لسعيد بن جبير ديك كان يقوم من الليل بصياحة فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح فلم يصل سعيد تلك الليلة فشق عليه فقال: ما له قطع الله صوته فما سمع له صوت بعد فقالت له أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها. وقال القاسم بن أبي أيوب سمعت سعيدًا يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله. ويقول هلال بن خباب: خرجت مع سعيد بن جبير في رجب فأحرم من الكوفة بعمرة ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة وكان يحرم في كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة.

    حبه للقرآن

    كان لسعيد شأن وحال مع القرآن فروي أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين. وكان سعيد بن جبير يجيء فيما بين المغرب والعشاء فيقرأ القرآن في رمضان، وعن الصعب بن عثمان قال: قال سعيد بن جبير: ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيها القرآن إلا مريضًا أو مسافرًا.

    خوفه وورعه

    مما أثر عن سعيد بن جبير خوفه وخشيته وكان ذكر الموت لا يفارقه فيقول: لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي. وعنه قال: إنما الدنيا جمع من جمع الآخرة.

    تمنيه للشهادة

    ولما علم من فضل الشهادة تمناها وثبت للقتل ولم يكترث ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له رحمه الله تعالى، فعن داود بن أبي هند قال: لما أًخذ الحجاج سعيد بن جبير قال: ما أراني إلا مقتولاً وسأخبركم: إني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ثم سألنا الله الشهادة فكلا صاحبي رزقها وأنا أنتظرها قال: فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء.

    علمه

    كان سعيد بن جبير وعاء من أوعية العلم فعن خصيف قال: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير. ويقول ميمون بن مهران: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض رجل إلا يحتاج إلى سعيد.

    وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء يعني سعيد بن جبير.

    وعن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن فريضة فقال: ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني وهو يفرض منها ما أفرض.

    أثر الصحابة فيه

    لقد كان للصحابة أثر كبير في تعليم سعيد بن جبير فهم الذين أرشدوه إلى الخير وأمروه بأن يُحدث وهم حاضرون كما فعل معه ابن عباس فعن مجاهد قال: قال ابن عباس لسعيد بن جبير: حدث فقال: أحدث وأنت ها هنا قال: أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد فإن أصبت فذاك وإن أخطأت علمتك. وعن سعيد بن جبير قال: رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة فقال: يا غلام أو يا غليم، إنه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام فصل بعدها ركعتين وأطل القراءة.

    أثره في الآخرين

    ما كانت تأتي فرصة للدعوة أو للنصح أمام سعيد بن جبير إلا اغتنمها، فكان يراسل إخوانه وفي ذلك يقول عمرو بن ذر: كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابًا أوصاه بتقوى الله وقال: إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره.

    وعن هلال بن خباب أنه قال: خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا حتى بلغ، فلما جلس لم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا وكان كثير الذكر لله. وكان يقول: وددت الناس أخذوا ما عندي فإنه مما يهمني. وكان لا يدع أحدًا يغتاب عنده أحدًا إلا يقول إن أردت ذلك ففي وجهه.

    من كلماته

    قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان.

    وقال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك فلتلك الخشية، والذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن.

    وقال: أظهر اليأس مما في أيدي الناس فإنه عناء، وإياك وما يعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير.

    موقف وفاته

    يروي عون بن أبي شداد ما وقع بين سعيد والحجاج فيقول: بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدًا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته فسألوه عنه فقال: صفوه لي فوصفوه فدلهم عليه فانطلقوا فوجدوه ساجدًا يناجي بأعلى صوته فدنوا وسلموا، فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ثم رد عليهم السلام فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة، قالوا: لابد فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب فقال الراهب: يا معشر الفرسان، أصبتم صاحبكم قالوا: نعم فقال: اصعدوا فإن اللبوة والأسد يأويان حول الدير ففعلوا، وأبى سعيد أن يدخل فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا قال: لا ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدًا قالوا: فإنا لا ندعك فإن السباع تقتلك قال: لا ضير إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسًا تحرسني قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد قال: إني أعطي العظيم الذي لا شريك له لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله، فرضي الراهب بذلك فقال لهم: اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم، فلما صعدوا وأوتروا القسي إذا هم بلبوة قد أقبلت فلما دنت من سعيد تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه وأقبل الأسد يصنع كذلك فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا نزل إليه فسأله عن شرائع دينه وسنن رسوله ففسر له سعيد ذلك كله فأسلم، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون: يا سعيد حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت قال: امضوا لأمركم فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه فساروا حتى بلغو واسطًا فقال سعيد: قد تحرمت بكم وصحبتكم ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت واستعد لمنكر ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون فقال: بعضهم لا تريدون أثرًا بعد عين وقال بعضهم: قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير فلا تعجزوا عنه وقال بعضهم: يعطيكم ما أعطى الراهب، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه، وشعث رأسه، واغبر لونه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه، فقالوا: يا خير أهل الأرض، ليتنا لم نعرفك ولم نسرح إليك، الويل لنا ويلاً طويلاً، كيف ابتلينا بك؟ اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر، فإنه القاضي الأكبر، والعادل الذي لا يجور، قال: ما أعذرني لكم، وأرضاني لما سبق من علم الله في، فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة قال: كفيله أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك فإنا لن نلقى مثلك أبدًا ففعل ذلك، فخلوا سبيله فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله، ينادون بالويل واللهف، فلما انشق عمود الصبح جاءهم سعيد فقرع الباب، فنزلوا وبكوا معه وذهبوا به إلى الحجاج وآخر معه فدخلا فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير قالوا: نعم وعاينا منا العجب، فصرف بوجهه عنهم فقال: أدخلوه علي فخرج المتلمس فقال: لسعيد أستودعك الله وأقرأ عليك السلام فأدخل عليه:

    فقال: ما اسمك؟

    قال: سعيد بن جبير؟

    قال: أنت شقي بن كسير.

    قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك قال: شقيت أنت وشقيت أمك.

    قال: الغيب يعلمه غيرك.

    قال: لأبدلنك بالدنيا نار تلظى.

    قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.

    قال: فما قولك في محمد.

    قال: نبي الرحمة إمام الهدى.

    قال: فما قولك في علي في الجنة هو أم في النار؟

    قال: لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت.

    قال: فما قولك في الخلفاء؟

    قال: لست عليهم بوكيل.

    قال: فأيهم أعجب إليك؟

    قال: أرضاهم لخالقي.

    قال: فأيهم أرضى للخالق.

    قال: علم ذلك عنده.

    قال: أبيت أن تصدقني.

    قال: إني لم أحب أن أكذبك.

    قال: فما بالك لم تضحك.

    قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين والطين تأكله النار؟

    قال: فما بالنا نضحك؟

    قال: لم تستو القلوب.

    قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد وجمعه بن يدي سعيد.

    فقال: إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جُمع للدنيا إلا ما طاب وزكا.

    ثم دعا الحجاج بالعود والناي فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى.

    فقال: الحجاج ما يبكيك هو اللهو؟

    قال: بل هو الحزن أما النفخ فذكرني يوم نفخ الصور، وأما العود فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة.

    فقال: الحجاج ويلك يا سعيد.

    قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.

    قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك؟

    قال: اختر لنفسك يا حجاج فوالله ما تقتلني قتله إلا قتلتك قتلة في الآخرة؟

    قال: فتريد أن أعفوا عنك؟

    قال: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر؟

    قال: اذهبوا به فاقتلوه.

    فلما خرج من الباب ضحك فأخبر الحجاج بذلك فأمر برده.

    فقال: ما أضحكك؟

    قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلمه عنك فأمر بالنطع فبسط فقال: اقتلوه.

    فقال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.

    قال: شدوا به لغير القبلة.

    قال: فأينما تولوا فثم وجه الله.

    قال: منها خلقناكم وفيها نعيدكم.

    قال: اذبحوه.

    قال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة، ثم دعا الله سعيد وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي فذبح على النطع.

    وفاته

    كان قتل سعيد بن جبير سنة أربع وتسعين وكان يومئذ بن تسع وأربعين سنة.

    #1438452
    أنس بن مالك رضي الله عنه

    نسبه

    أنس بن مالك بن النَّضر الخزرجي الأنصاري هو صحابي جليل، ولد بالمدينة، وأسلم صغيراً وكناه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بأبي حمزة. خدم الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته وهو ابن 10 سنين. دعا له النبي : «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له ، وأدخله الجنة»، فعاش طويلا، ورزق من البنين والحفدة الكثير. وروى كثيرا من الأحاديث عن رسول الله .

    حياته مع الرسول

    يقول أنس –: «أخذت أمي بيدي وانطلقت بي إلى رسول الله—فقالت: «يا رسول الله إنه لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفتك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، فخذه فليخدمك ما بدا لك». فخدمت رسول الله—عشر سنين، فما ضربني ضربة، ولا سبني سبة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي, وروى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألّا صنعت. وروى الترمذي بسنده عن أنس قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته ولا لشيء تركته لِمَ تركته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا ولا مسست خزًا قطّ ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكًا قطّ ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الغزو

    خرج أنس مع النبي [[صلى الله عليه وسلم]] إلى بدر وهو غلام يخدمه ، وقد سأل اسحاق بن عثمان موسى بن أنس: (كم غزا رسول الله ؟)قال : ( سبع وعشرون غزوة ، ثمان غزوات يغيب فيها الأشهر، وتسع عشرة يغيب فيها الأيام )فقال : ( كم غزا أنس بن مالك ؟)

    الحديث عن الرسول

    كان أنس—قليل الحديث عن الرسول ، فكان إذا حدّث يقول حين يفرغ : أو كما قال رسول الله ، وقد حدّث مرة بحديثٍ عن رسول الله فقال رجلٍ : ( أنت سمعته من رسول الله ؟)فغضب غضباً شديداً وقال : ( والله ما كلُّ ما نحدِّثكم سمعناه من رسول الله ، ولكن كان يحدِّث بعضنا بعضاً ، ولا نتّهِمُ بعضنا )

    الرمي

    كان أنس بن مالك أحد الرماة المصيبين ، ويأمر ولده أن يرموا بين يديه ، وربّما رمى معهم فيغلبهم بكثرة إصابته

    عِلْمه

    لمّا مات أنس—قال مؤرق العجلي : ( ذهب اليوم نصف العِلْم )فقيل له : ( وكيف ذاك يا أبا المُغيرة ؟)قال : ( كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث عن رسول الله قلنا له : تعالَ إلى مَنْ سمعَهُ منه )يعني أنس بن مالك

    قال أنس بن مالك لبنيه : ( يا بنيَّ قَيّدوا العلمَ بالكتاب )

    فضله

    دخل ثابـت البُنَاني على أنس بن مالك -رضي اللـه عنه- فقال : ( رأتْ عيْناك رسـول اللـه ؟!)فقال : ( نعم )فقبّلهما ثم قال : ( فمشت رجلاك في حوائج رسـول اللـه ؟!)فقال : ( نعم )فقبّلهما ثم قال : ( فصببتَ الماء بيديك ؟!)قال : ( نعم )فقبّلهما ثم قال له أنس : ( يا ثابت ، صببتُ الماءَ بيدي على رسول الله لوضوئه فقال لي : ( يا غلام أسْبِغِ الوضوءَ يزدْ في عمرك ، وأفشِ السلام تكثر حسناتك ، وأكثر من قراءة القرآن تجيءْ يوم القيامة معي كهاتين )، وقال بأصبعيه هكذا السبابة والوسطى).

    الصلاة

    لقد قدم أنس بن مالك إلى دمشق في عهد معاوية، والوليد بن عبد الملك حين أستخلف سنة ست وثمانين، وفي أحد الأيام دخل الزهري عليه في دمشق وهو وحده، فوجده يبكي فقال له: ( ما يبكيك ؟) فقال: ( ما أعرف شيئاً مما أدركنا إلا هذه الصلاة).

    وفاته

    اختلف في سنة وفاته فقيل توفي سنة تسعين للهجرة وقيل أثنتين وتسعين أو ثلاث وتسعين للهجرة. وهو آخر من توفي من الصحابة، وكان موته بقصره بالطف، ودفن هناك على فرسخين من البصرة، وصلى عليه قطن بن مدرك الكلابي.

    #1438464
    سعيد بن زيد رضي الله عنه

    نسبه

    هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل بن عبد العُزّى بن رياح بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، القُرشي العَدَويُّ، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قبل أن يدخل الرسول دار الأرقم.

    أبوه: زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وزيد هذا هو ابن عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وكان على دين إبراهيم.

    أمه: فاطمة بنت نعجة بن مليح الخزاعية. وخزاعة هذا هو ابن ربيعة بن عمرو مزيقياء بن عامر بن حارثة بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن مالك بن كهلان بن قحطان.

    إسلام والده وإسلامه

    كَانَ وَالِدُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ القَيِّمِ، فَرَأَى المسيحيين وَاليهود، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إبراهيم، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ، فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ بِأَنَّهُ: يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ عمر بنِ الخطابِ، رأَى النَّبِيَّ وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى بُعِثَ.

    قَالَ سَعِيْدٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ، وَلَو أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ: (نَعَم، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ).

    أَسْلَمَ سَعِيْدٌ قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ دَارَ الأَرْقَمِ. وشهد المشاهد مع رسول الإسلام، وشهد حصار دمشق وفتحها، فولاّه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة.

    وامرأة سعيد هي ابنة عمه فاطمة أخت عمر بن الخطاب، وأخته عاتكة زوجة عمر. أسلم قبل دخول النبي دار الأرقم، وهاجر مع زوجته، وكانا من سادات الصحابة.

    لم يشهد معركة بدر لأنه قد كان بعثه رسول الله هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله بسهمهما وأجرهما، وشهد أحداً وغزوة الخندق وصلح الحديبية والمشاهد.

    تبشيره بالجنة

    وردت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة ومنها :

    عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة أخرجه أحمد والترمذي والبغوي

    فاتحة خير

    كان لسعيد بن زيد دور في إسلام عمر بن الخطاب، فعن أنس بن مالك قال: خرج عمر بن الخطاب متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً. قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً؟ قال عمر: ما أراك إلا وقد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه. فقال له: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك أي زوج أختك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه. فمشى عمر حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب. فلما سمع خباب صوت عمر توارى في البيت. فدخل عمر عليهما فقال: ما هذه الهيمنة التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرؤون (طه). فقالا: ما عدا حديثاً حدثناه بيننا.

    قال عمر: لعلكما قد صبوتما؟ فقال له زوج أخته: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عليه عمر فقيده ووطئه وطئاً شديداً. فجاءت أخته تدافع عن زوجها. فنفحها بيده نفحة فأدمي وجهها. فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله.

    فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتاب فقالت له أخته: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون. فقم فاغتسل أو توضأ. فقام عمر وتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ فيه: “طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكِرة لمن يخشى. تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى. الرحمن على العرش استوى. له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى. وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى. الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى. وهل أتاك حديث موسى. إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى. فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري”.

    ولما انتهى عمر إلى قول القرآن: “إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري” قال: دلوني على محمد. فلما سمع خُباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر. فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول لك ليلة الخميس إذ قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام. فانطلق عمر إلى الدار التي كان بها الرسول. وعلى باب الدار كان حمزة بن عبدالمطلب وطلحة بن عبيدالله ما وأناس آخرون من أصحاب رسول الله. فلما رأى حمزة وجل الناس من عمر قال: نعم. فهذا عمر. فإن يُرد الله بعمر خيراً يسلم ويتبع النبي. وإن يُرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً. وكان النبي بالداخل يوحى إليه. فخرج فأخذ بمجامع عمر وحمائل سيفه فقال: أما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب. اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب. فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

    أما البيت الذي شهد خروج عمر بن الخطاب من ظلام الكفر إلى نور الإسلام فهو بيت أخته فاطمة بنت الخطاب (أم جميل). وأما زوجها فهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وهو إلى كونه ختن عمر بن الخطاب ابن عمه. وهو أحد العشرة المبشرين الجنة. وأحد الذين تظلهم الآيات القرآنية التي تشيد بالمهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. ومن هذه الآيات قول القرآن: “الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم”.

    وقول القرآن: “والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين”.

    نشأته في كنف أبيه

    لم يكن غريباً أن يكون سعيد بن زيد من السابقين إلى الإسلام منذ البداية. فقد نشأ سعيد في حجر أبيه زيد بن عمرو بن نُفيل. وكان زيد من الذين نفروا من عبادة الأصنام والأوثان واتصل بأحبار اليهود وقساوسة الالمسيحيين بحثاً عن الدين الحق. واستقر على دين الحنيفية دين إبراهيم من قبل أن يُبعث النبي. وقد أخرج ابن سعد في طبقاته عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ما قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل يقول وهو مسند ظهره إلى الكعبة: يا معشر قريش ما منكم اليوم أحد على دين إبراهيم غيري.

    عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائماً مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش! والله ما فيكم أحدٌ على دين إبراهيم غيري. وكان يحي الموؤودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه! لا تقتلها. أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت، دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها.

    وكان زيد بن عمرو ينتظر ظهور النبي. عن عامر بن ربيعة قال: لقيت زيد بن عمرو وهو خارج من مكة يريد حراء. فقال: يا عامر. إني فارقت قومي واتبعت ملة إبراهيم وما كان يعبد إسماعيل من بعده. وأنا انتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من ولد عبدالمطلب. وما أراني أدركه. وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي. فإن طالت بك مدة فأقرئه مني السلام. ولما أسلمت أقرأت النبي منه السلام فرد عليه وترحم عليه وقال: رأيته في الجنة يسحب ذيولاً. ومن ثم فقد كان الصحابة يترحمون عليه عندما يرد ذكره. ولقد سأل سعيد بن زيد وعمر بن الخطاب النبي عن زيد بن عمرو فقال: “غفر الله لزيد بن عمرو ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم”.

    عن أسماء أن ورقة كان يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك، عبدتك به، ولكني لا أعلم، ثم يسجد على راحته.

    عن زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله وهو مردفي… في أيام الحر، حتى إذا كنا بأعلى الوادي، لقي زيد بن عمرو، فحيّى أحدهما الآخر، فقال له النبي : ما لي أرى قومك قد شنفوا لك، أي: أبغضوك ؟ قال: أما والله إن ذلك مني لغير نائرة كانت مني إليهم، ولكني أراهم على ضلالة، فخرجت أبتغي الدين، حتى قدمت على أحبار أيلة، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فدُللت على شيخ بالجزيرة، فقدمت عليه، فأخبرته، فقال: إن كل من رأيت في ضلالة، إنك لتسأل عن دين هو دين الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي، أو هو خارج، ارجع إليه واتبعه، فرجعت فلم أحس شيئاً … ثم تفرقا، ومات زيد قبل المبعث، فقال رسول الله : يأتي أمة وحده.

    في هذا البيت وتلك البيئة الإيمانية ولد ونشأ سعيد بن زيد فامتلأ قلبه بالإيمان. فلما بعث النبي كان سعيد من السابقين إلى الإسلام. وكان إسلامه وزوجته سبباً في إسلام عمر بن الخطاب على النحو الذي سبق ذكره. وكان سعيد من المهاجرين بدينهم. وشهد الوقائع كلها في عهد النبي عدا غزوة بدر. فقد كان النبي قد أرسله وطلحة بن عبيدالله إلى الشام ليأتياه بخبر عن قريش. فلما عادا من مهمتهما كان النبي قد خرج لملاقاة المشركين في بدر. فتوجها إليه فوجداه منصرفاً والمسلمون من بدر وقد نصرهم الله. فضرب النبي لهما بسهامهما كمن شهدوا بدراً.

    جهاده وزهده

    كان محبوباً من النبي. وظل يجاهد مع النبي حتى لحق النبي بالرفيق الأعلى فواصل جهاده مع الخلفاء الراشدين حتى وافته المنية في عهد معاوية بن أبي سفيان. وفي عهد عمر بن الخطاب شهد موقعة اليرموك وفتح دمشق وأبلى في المعارك بلاءً حسناً. وحين سأل عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح عن أحواله بعث إليه بكتاب جاء فيه: أما عن أخويك سعيد بن زيد ومعاذ بن جبل فكما عهدت. إلا أن السواد زادهما في الدنيا زهداً وفي الآخرة رغبة.

    ويصف سعيد بن زيد معركة اليرموك قائلاً: لما كان يوم اليرموك كنا أربعة وعشرين ألفاً ونحواً من ذلك. فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف. وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال تحركها أيد خفية. وسار أمامهم الأساقفة والبطاركة والقسيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات فيرددها الجيش من ورائهم وله هزيم كهزيم الرعد. فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم وخالط قلوبهم شيء من خوفهم. عند ذلك قام أبو عبيدة فخطب في الناس وحثهم على القتال. عند ذلك خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لأبي عبيدة: إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة. فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله؟ فقال أبو عبيدة: نعم. تقرئه مني ومن المسلمين السلام وتقول له: يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً.

    قال سعيد: فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه ويمضي إلى لقاء أعداء الله حتى اقتحمت إلى الأرض وجثوت على ركبتي وأشرعت رمحي وطعنت أول فارس أقبل علينا. ثم وثبت على العدو وقد انتزع الله كل ما في قلبي من الخوف. فثار الناس في وجوه الروم. وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب الله للمؤمنين النصر.

    ولما دانت دمشق بالولاء للمسلمين جعل أبو عبيدة بن الجراح قائد جيوش المسلمين والياً عليها. فكان أول من ولي إمرة دمشق من المسلمين. غير أنه كان زاهداً في الحكم كما هو زاهد في المال. فكتب إلى أبي عبيدة وهو في الأردن يعتذر عن عدم الاستمرار في المنصب ويطلب اللحاق به للجهاد. فلما بلغ الكتاب أبا عبيدة استجاب لرغبته.

    استجابة دعوته

    بسبب هذه السجايا الحميدة والفضائل النادرة والزهد في مطامع الدنيا والرغبة في الآخرة كان سعيد بن زيد مستجاب الدعوة. فيروى عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن أروى بنت أويس زعمت أن سعيد بن زيد قد غصب شيئاً من أرضها وضمها إلى أرضه. وجعلت تلوك ذلك في المدينة. ثم رفعت أمرها إلى مروان بن الحكم والي المدينة. فأرسل إليه مروان أناساً يكلمونه فتساءل سعيد في دهشة: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله يقول: “من ظلم شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين”.قال مروان : لا أسألك بينة بعد هذا، ثم دعا عليها فقال: “اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها. فإن كانت كاذبة فأعم بصرها وألقها في بئرها الذي تنازعني فيه. وأظهر من حقي نوراً يبين للمسلمين أني لم أظلمها”. وبعد قليل فاض وادي العقيق في المدينة بسيل عرم فكشف عن الحد الذي كانا يختلفان فيه. وظهر للمسلمين أنه كان صادقاً. ولم تلبث المرأة إلا شهراً حتى عميت. وبينما هي تطوف في أرضها تلك سقطت في بئرها فماتت فتحدث الناس في ذلك.

    وعندما توفي عمر بن الخطاب بكاه سعيد بن زيد بشدة فقيل له: ما يبكيك؟ قال: لا يبعد الحق وأهله. اليوم يهن أمر الإسلام. وأخرج ابن سعد في طبقاته قال: بكى سعيد بن زيد عند وفاة عمر فقال له قائل: يا أبا الأعور ما يبتليك؟ فقال: على الإسلام أبكي، وإن موت عمر ثلم ثلمة لا ترق إلى يوم القيامة.

    وقد ذكره النبي في العشرة المبشرين بالجنة في حديثه لأم المؤمنين عائشة ا إذ قال: “.. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة”.

    وفاته

    مات سعيد بن زيد بالعقيق، فغسله سعد بن أبي وقاص، وكفنه، وخرج معه. توفي سعيد سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، ودفن بالمدينة المنورة.

    #1438470

    عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها

    نسبها

    أبوها: أبو بكر بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

    أمها : أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

    زواج محمدعليه السلام منها

    تزوجها رسول الإسلام محمد بن عبد الله بعد وفاة زوجته الأولى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وزواجه من أم المؤمنين سودة بنت زمعة العامرية القرشية، وكان ذلك قبل الهجرة بسنتين، ورغم ورود ان عمرها كان ست سنين، حين تزوجها الرسول وتسع سنين حين بنى بها كما في البخاري ومسلم إلا أن هذا ورد على لسانها فقط بعد أن كبرت في السن ولم يرد على لسان الرسول ذلك ولذلك كان هذا موضع جدل لدى العلماء إذ قال بعضهم مثل الشيخ خالد الجندي بان زواجه تم وهي أكبر من ذلك خصوصا وان تواريخ الميلاد لم تكن تدون انذاك وسنها الحقيقى آنذاك أربعة عشر سنه تبعا لقياس عمرها بعمر أختها الكبري أسماء بنت أبي بكر، وقد عاشت مع الرسول ثمانية أعوام وخمسة أشهر.

    حادثة الإفك

    مرت عائشة في ملابسات حادثة الإفك وذكرها الله تعالى في القرآن الكريم ذكر القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾{النور-11} وقد برّءها الله وطهّرها وزكّاها، وقد حكم ابن عباس بالكفر على من اتهمها بالفاحشة بعد تبريء الله لها.

    موقعة الجمل

    في اليوم العاشر من جمادى الأول سنة 36 هجري بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بايع المسلمون علي بن أبي طالب طوعاً وكانت عائشة قد سألها الأحنف بن قيس عن من يُبايع بعد عثمان. فأمرته بمبايعة علي. لكن عائشة وطلحة والزبير بعد أن بايعوا علياً قصدوا البصرة مطالبين علياً بمعاقبة قتلة عثمان، فقصد الإمام علي بن أبي طالب البصرة في بِضع فرسان يدعوهم للتريّث حتى تهدأ الأمور فيتسنّى له القبض على القتلة وتنفيذ حُكم الله فيهم، فإن الأمر يحتاج إلى الصبر. فاقتنعوا بفكرة علي التي جائهم بها القعقاع بن عمرو التميمي، فاتفقوا على المُضِيّ على أمر أمير المؤمنين علي وباتوا بأهنأ ليلة، حتى إن عبد الله بن عباس -وكان ممن جاء مع علي- بات ليلته تلك في معسكر طلحة والزبير، وبات محمد بن طلحة بن عبيد الله -وكان جاء مع أبيه- في معسكر أمير المؤمنين علي أجمعين.

    بات تلك الليلة رؤوس الفتنة بشر حال، فاجتمعوا ورؤوا أن اصطلاح الفريقين ليس من صالحهم، فأرادوا اغتيال أمير المؤمنين علي فأشار بعضهم ألا يفعلوا، فإن وقعوا في أيدي المسلمين ذبحوهم فإنهم لم يهدأ حزنهم على عثمان فكيف بقتل خليفته. فقرر ذلك المؤتمر الآثم إشعال الحرب بين الفريقين. وقبل دخول الفجر أمروا بعض زبانيتهم بدخول معسكر الإمام علي وقتل بعض الجنود هناك، والبعض الآخر يدخل معسكر طلحة والزبير ويقتل بعض الجنود هناك. فيظن كلا الفريقين أن الآخر قد غدر به، وفعلاً ظن الفريقين ذلك. فقام الجنود إلى سلاحهم في ذعرٍ وذهول، فجاء علي إلى الزبير وذكره بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير أنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، فرجع الزبير على أعقابه فمنعه ابنه عبد الله وقال له بأنهم لم يأتوا لقتالٍ ولكن للإصلاح بين الناس، أي حتى هذه اللحظة لم يخطر ببال الصحابة أن ستنشُب الحرب. فلما سمع طلحة بن عبيد الله كلام أمير المؤمنين علي للزبير رجع هو الآخر أدباره، فرماه أحد رؤوس الفتنة بسهمٍ في عنقه فمات، لأنه ليس من مصلحة رؤوس الفتنة انتهاء الحرب. ودارت رحى المعركة وأمير المؤمنين علي يقول: يا عباد الله كُفّوا يا عباد الله كُفوا . فلما رأت عايشة ما يجري من قتال ناولت كعب بن سور الأزدي كان يُمسك بلجام ناقتها مصحفاً وأمرته أن يدعوا الناس للكف عن القتال قائلةً: خل يا كعب عن البعير، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه ، هنا تحرّك رؤوس الفتنة فرؤوا أنها مبادرة خطيرة لوقف الحرب فأرادوا أن يأدوها، فرموا كعباً بسهامهم فأردوه فتيلاً. في وسط المعركة دخل سهم طائش في هودج أم المؤمنين فأدمى يدها فأخذت بلعن قتلة عثمان فسمعها الجيش الذين معها فلعنوهم فسمعهم أمير المؤمنين علي وجيشه فلعنوهم. فاشتاط رؤوس الفتنة – قتلة عثمان – غضباً فقرروا اغتيال أم المؤمنين عائشة لأنها لن تكُفّ عن توحيد الفريقين بإظهار حبهم لعثمان وحقدهم على قتلته ولن تكف عن مبادرات إيقاف الحرب وتهدئة النفوس، فأخذوا يضربون هودجها بالسهام من كل مكان حتى صار كالقنفذ. ولكن كان قلب أمير المؤمنين خائفاً على سلامة أمه أم المؤمنين فأمر بعقر (أي قتل) البعير الذي عليه هودج أم المؤمنين لأنه مستهدف ما دام قائماً. فعُقِرَ البعير وانتهت المعركة التي لم تكن بحُسبان الصحابة والمؤمنين أنها ستقع فكلا الفريقين قصد البصرة على غير نية القتال، ولكن قدّر الله وما شاء الله فعل.

    إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم ينسَ قول النبي له ذات يوم: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر -أي أمر ظاهره الخلاف-، قال علي متعجباً ومصدّقاً: أنا يا رسول الله؟! ، فقال النبي: نعم ، قال علي: أنا أشقاهم يا رسول الله ، فقال : لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها . روى الحديث الإمام ابن حجر والإمام الهيثمي.

    فأمر أمير المؤمنين علي بتنحية هودج أم المؤمنين جانباً وأمر أحد قادة جنده وهو أخوها محمد بن أبي بكر بتفقّد حالها أن يكون أصابها مكروه، فرأها بخير وسُرّت هي برؤيته حياً بقولها: يا بأبي الحمد لله الذي عافاك . فأتاها أمير المؤمنين علي وقال برحمته المعهودة: كيف أنتِ يا أمه ؟ ، فقالت : بخيرٍ يغفر لله لك ، فقال: ولكِ . فأدخلها دار بني خلف فزارها بعد أيام فسلم عليها ورحبت هي به. وعند رحيلها من البصرة جهزها بكل ما تحتاج إليه من متاع وزاد في طريقها للمدينة المنورة وأرسل معها 40 امرأة من نساء البصرة المعروفات وسيّر معها ذلك اليوم أبنائه الحسن والحسين وابن الحنفية وأخوها محمد بن أبي بكر الصديق. فلما كان الساعة التي ارتحلت فيه جاء أمير المؤمنين علي فوقف على باب دار بني خلف -حيث أقامت أم المؤمنين- وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القِدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار ، فقال أمير المؤمنين علي: صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والاخرة وسار علي معها أميالاً مودّعاً لها حافظاً.

    مكانتها

    روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح الترمذي :

    يا رسول الله! من أحب الناس إليك ؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها

    كان الناس يعرفون حب الرسول لها لذا كانت أيامه الأخيرة في حجرها وتوفي ورأسه على صدرها.

    روي عن عروة بن الزبير في الجامع الصحيح :

    كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله أن يأمر الناس: أن يهدوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: (يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها).

    وفاتها ودفنها

    جاء عبد الله بن عباس يستأذن على عائشة عند وفاتها فجاء ابن أخيها عند رأسها -عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق-، فأكب عليها ابن أخيها عبد الله فقال: هذا عبد الله بن عباس يستأذن ، وهي تموت، فقالت: دعني من ابن عباس . فقال: يا أماه !! إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك ويودعك . فقالت: ائذن له إن شئت . قال: فأدخلته ، فلما جلس قال ابن عباس: أبشري . فقالت أم المؤمنين: بماذا؟ ، فقال: ما بينك وبين أن تلقي محمداً والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، وكنت أحب نساء رسول الله إليه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيباً. وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله وأصبح الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم، فكان ذلك في سببك، وما أنزل الله من الرخصة لهذه الأمة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار . فقالت: دعني منك يا ابن عباس، والذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً .

    توفيت ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان من السنة السابعة أو الثامنة أو التاسعة والخمسين للهجرة. صلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عمرها يومئذ سبعا وستين سنة.

مشاهدة 15 مشاركة - 76 إلى 90 (من مجموع 107)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد