الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان كيفا يشفع نبينا محمد صلي الله عليه و سلم لاهل المحشر

مشاهدة 6 مشاركات - 1 إلى 6 (من مجموع 6)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #655495
    انا سالي
    مشارك

    احلى واجمل تحية لمشرفنا الكريم..

    موضوع كتيييييييييييييييييير جميل..يسلمو والله يوفقك.

    #655545
    mobi
    مشارك

    مشكورة غاليتي على مرورك الكريم

    بارك الله فيك واثابك

    تحياتي الخاصة

    #817367

    شكرا جزيلا لك اخي الكريم موبي

    جعله الله في ميزان حسناتك

    #817478




    بارك الله فيك مشرفنا العام اخي الفاضل موبـــــي

    جعله الله في ميزان حسناتك

    احترامـــــــ وــ مــــــودتــــــــ ي ــ ـ

    #817498

    الشفاعة هي وساطة محمودة لمستحقيها المنكوبين أو وساطة مذمومة عندما تكون في حدٍّ من حدود الله، أو وساطة لمنح ما ليس بجائز للإنسان بواسطة غيره.. لذا يجب علينا في البداية أن نبيِّن الشفاعة على وجهها الحق فنقول…

    الفصل الأول

    حقيقـة الشـفـاعـة
    إن النفس البشرية بفطرتها مجبولة على تقدير الكمال لكن هذا التقدير والتعظيم يتطلَّب من النفس عيناً تستطيع أن ترى بها وتشاهد، إذ بعين الرأس نرى الأشياء الظاهرة بواسطة الأنوار المادية كنور الشمس والقمر والكهرباء ووسائط الإنارة.
    أما عين القلب، قلب النفس، فإنما ترى بنور الله ونور رسوله صلى الله عليه وسلم، نور دائمي أبدي متعاظم، ما هذه الأنوار المادية تجاهه إلا أنواراً بسيطة ضئيلة تكاد تجاهه لا تكون شيئاً مذكوراً، وهي أثر بسيط من أنوار الخالق العظيم جلَّت عظمته وعَظُم سلطانه وباهر لألاء سناء نوره المدسَّم بالغبطة الإلهية والشفاء النفسي العذب الطيِّب المذاق. فإذا أقبلت النفس على الله بالصلاة واصطبغت بالكمال وتحلَّت به، فقد أضحت لها هذه الإمكانية وتفتَّحت فيها تلك العين التي تُمكِّنها من رؤية الكمال ومشاهدته، وينظر هذا المؤمن فيمن حوله وتقع عينه على أهل الكمال ويرى ما هم فيه من مسايرة له في هذا الطريق السامي فيحبُّهم، وكلَّما رأى أحداً أكثر منه في الكمال سبْقاً كان أكثر له تقديراً وتعظيماً وأكثر له حبّاً وعشقاً، وحيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسبق المؤمنين كافة في هذا المضمار، وحيث إنه صلى الله عليه وسلم سيّد الكاملين قاطبةً وأعلاهم مقاماً وأقربهم إلى الله زلفى، لذا تجد هذا المؤمن بما اصطبغ به وبما اكتسبه من الكمال من ربِّه يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدِّره ويعزِّره ويوقِّره، فليس من مخلوق لديه أرفع منزلة ولا أسمى مقاماً ولا أجلّ شأناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سمع بذكره هاجت كوامن المحبّة في قلبه وسَرَتْ كوميض البرق نفسه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي مصاحبة له ومرافقة لنفسه الشريفة، وأحوال المحبِّين أعظم من أن تُشبَّه بشيء أو تُمثَّل به.
    وما يزال هذا المؤمن يتدرَّج في حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تزال صلته به صلى الله عليه وسلم وصلاته عليه في ازدياد وارتقاء، وما يزال مُتقدِّماً في طريق التقدير والتعظيم والإجلال، حتى يصل لحال تشتبك به النفسان برابطة التقدير والمحبّة والإجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك هي عين الشفاعة، ونفس رسول الله صلى الله عليه وسلم هي دوماً مستغرقة في حضرة الله عندها يكون هذا المستشفع أهلاً لأن يدخل بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله، وهنالك وفي مثل هذه اللحظة يرى بنور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت فقل بمن أرسله الله تعالى سراجاً منيراً ورحمةً للعالمين، نور الله الذي به يرى طرفاً من أسماء الله فيهيم بما رأى حبّاً ويخرّ في حضرة الله تعالى ساجداً ويفنى في رؤية الأسماء الإلهية فناءً كلِّياً، إنه يرى اسم الرحمن وقد غمر برحمته التي لا نهاية لها الكائنات جميعها، ويرى اسم الرؤوف وقد أحاطت رأفته بالمخلوقات كلّها، ويرى من أسمائه تعالى الحكيم والعليم والعلي الكبير، وغير ذلك من الأسماء ما تجعله يستغرق بها استغراقاً، ويستسلم لهذا الرب الرؤوف الرحيم استسلاماً كلِّياً، وتكون صلته برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته عليه قد أوصلته إلى هذا الفضل الإلهي العظيم والشهود العالي والغبطة الأبدية.
    فلعمري تلك هي الشفاعة الحقّة، إنها شفاعة حب وصحبة نفسية لتلك النفس العالية الكريمة مأخوذة من الشفع: وهو أن يقارن شيء شيئاً ويزاوجه ملازماً إياه، وإلى هذه الصلة النفسية برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى هذه الشفاعة الحقَّة وهذا الارتباط أشارت الآية الكريمة: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(1) صلُّوا عليه أي: صِلوا أنفسكم بنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم، ليعرج بكم للحضرة الإلهية ذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه ولا تتم إلاَّ بالوسيط صلى الله عليه وسلم، والآية { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ ..}(2) الصلاة لا كما يصلِّي الناس صلاة حركات فقط، الصلاة الصحيحة التي يكون فيها رسول الله في نفسك، تدخل بمعيته على الله. هذه هي الصلاة بحقيقتها. ولم يقل تعالى: “إذا كنت معهم”.. إذاً الصلاة الصحيحة تتم بالشفاعة برسول الله صلى الله عليه وسلم فبمعيته تحصل الصلة بالله. الصلاة يجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسك، إذ يتم الدخول على الله بصحبته وشفاعته صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ليردُّك إليه تعالى، يعلِّمك صلى الله عليه وسلم الصلاة بهذه الشفاعة بينك وبينه فيقول لك بعد ( بسم الله الرحمن الرحيم ) : { الْحَمْدُ لِلَّهِ }: يا أخي . {رَبِّ الْعَالَمِينَ } … هذه هي الصلاة عندما يُملي عليك أوامر الله فتركع طائعاً خاضعاً لله العظيم وتسجد طالباً المعونة من الله على طاعة الله.
    وأنه لولا تلك الصلة والصحبة النفسية برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا الصلاة عليه لما كان لهذا المؤمن هذا السمو والعروج ولما حصلت له هذه الرؤية والشهود ولما سلَّم لله تسليماً.
    ويرجع المؤمن من تلك الرحلة النفسية بالصلاة وقد أضاء في نفسه قبس من نور الله أوقده في قلبه حبّه لخالقه، بسبب ما رآه من كمال الله تعالى، وما شاهده من عطفه وحنانه ورأفته ورحمته بسائر عباده، والحق أن المحبة لا تكون إلا بعد الشهود والرؤية، ولكن أتدري ماذا يفيد المؤمن من هذا النور الإلهي الذي سطع في قلبه؟.
    إنه يرى بهذا النور الحقائق المستكنة من وراء الصور فإذا هو لا يغتر بمظاهر الأشياء ولا تخدعه صور الرجال، لقد تفتَّحت منه عين البصيرة وأضحى ينظر بنور الله، فإذا هو فاروق يفرِّق بين الخير والشر، ويميِّز الحق من الباطل، يرى الخير خيراً فيحبّه ويهواه ويميل إليه، والشر شرّاً فيعافه ويأنف منه ويزهد فيه، وتلك هي المنزلة السامية التي يجب أن يتبوَّأها كل إنسان وتلك هي التقوىبالشفاعة التي حث الله تعالى المؤمنين وحضَّهم عليها. قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(1).
    { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }(1) .
    وهكذا فالتقوى إنما هي استنارة بنور الله وأثر من آثار استشفاعك برسول الله ودخولك بمعيته صلى الله عليه وسلم في حضرة الله تعالى، لقد أضحت نفسك مستنيرة بنور الله وكان هذا النور الإلهي وقاية لك من السقوط في مهاوي الضلال والوقوع في المهالك والشرور، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
    الشفاعة: هي حال من الأحوال النفسية. فالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أقبل على ربِّه أعظم وأسمى إقبال، هذا الرسول الذي يتوارد عليه أعظم تجلٍّ من الله، وأشد نور وإمداد، إذا توجَّه بنفسه لأصحابه الذين أقبلوا عليه وصدَّقوا برسالته وبما جاءهم به عن الله، فهنالك يسري ذلك النور الإلهي، بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه والمؤمنين به، ويكون الرسول العظيم بهذا الحال وسيطاً بين الله وخلقه، ووسيلة تخفِّف من شدة ذلك التجلي، فتتمكن الأنفس من تقبُّله وتحمُّله. وهذه هي ( حقيقة الشفاعة ).
    قال تعالى: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ..}(2) . وليست الشفاعة للعصاة ولا لأهل الكبائر.
    ولو أن الله تعالى تجلَّى مباشرة على قلوب الناس، ومن دون وساطة الرسول صلى الله عليه وسلم، لتصدّعت نفوسهم، فلم تقوَ على تحمّل ذلك التجلي الإلهي، ولصُعِقوا وانجذبت عقولهم من ذلك النور.كما صُعِق صحب سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم الذين لم يقدِّروه صلى الله عليه وسلم بالميقات. وربُّك حكيم، ولذلك انتخب الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين كانوا أشد الناس حبّاً له، وأكثرهم تحمُّلاً لنوره، وسطاء بينه وبين عباده. ومن رحمة الله وحنانه على خلقه أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتَّجه بنفسه الشريفة إلى الذين آمنوا فيكون سبباً في سريان ذلك النور الإلهي إلى قلوبهم، ووسيطاً بينهم وبين ربّهم، وهنالك وبهذا النور تحصل لهم التزكية والمغفرة وينالون الشفاء النفسي، قال تعالى: {.. وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(1).

    الكـعبــة المشـرفــة والســراج المنيـر
    (منطلق الشفيع الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    قال تعالى: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ..}(1) .
    لقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاتجاه شطر المسجد الحرام لتكون نفسه مقبلة عليه تعالى من ذلك المكان لنستطيع نحن أن نولِّي وجهنا شطره حيثما كنا وفي أي زمان ومكان وُجدنا فنستشفع به صلى الله عليه وسلم ونجعله لنا في إقبالنا على الله إماماً وليكون لنفوسنا سراجاً مضيئاً، وذلك سر الأمر الإلهي ولُبابه. قال تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً }: بما في الكون من آيات تشهدها لهم. { وَمُبَشِّراً }: لمن فكَّر وشاهد. { وَنَذِيراً }: لمن لم يفكِّر وأعرض. { وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ }: لمن تولدت في نفسه ثقة يقبل بإذنه تعالى، حيث حصلت له الطهارة. { وَسِرَاجاً مُنِيراً }(2): بإقباله على الله يصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم له سراجاً، حيث اجتمعت نفسه مع شفيعها في الكعبة بكلِّيتها.. وبهذا السراج ترى الكمال الإلهي والحكمة من الأوامر وما فيها من خيرات.
    وهكذا فالاتجاه إلى الكعبة الشريفة واستقبال هذه القبلة ركن من أركان الصلاة وأُسٌّ من أسس الشفاعة العليا، ومن لم يصلِّ جامعاً نفسه بذلك المكان المقدَّس تشردت نفسه هنا وهناك.
    إن الله واسع ومحيط بكلِّ شيء، والنفس إذا اتَّجهت إلى هذا الامتداد الواسع فإنها لا تستطيع التركيز، بل الضياع.. فهي كالسراج الذي إن وضعته في فلاة فإن نوره يتبدَّد بلا شك، ولكن إذا ما حُصر نوره ضمن زجاجة فإن هذا النور يصبح أقوى “أما إذا لم تُحصر النفس في مكان معين ومحدَّد فإن تركيزها يتبدَّد ويدخل إليها الكثير من الخواطر والهواجس”.. إضافة إلى وجود روحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم السراج المنير والتي تعرج بنفس المصلِّي إلى الله تعالى متى استشفع المؤمن العالي برسوله صلى الله عليه وسلم بالصلاة. قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا..}(1) ، {.. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(2).
    وبناء على ذلك نحن في صلاتنا واستقبالنا للكعبة لا نعبد الكعبة ولا نتَّجه إلى الأحجار بل إنَّما نتجه من ذلك المسجد الحرام إلى الله ونحن لا نعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنما نتَّخذه لنا في صلاتنا إماماً وفي نفوسنا سراجاً منيراً، لتستشفع به نفوسنا متى أرادت الإقبال على الله من ذلك المكان فتجد شفيعها فتقتدي به وتقبل على الله بمعيَّته وهو لها نِعمَ الشفيع وخير رفيق. هذه هي الشفاعة الحقّة. هكذا استشفع الصحابة الكرام فاستناروا وأناروا الأمم.
    أقول: والاتجاه إلى الله تعالى من طريق الكعبة ما هو بالأمر الجديد الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن لسان حضرة الله، بل إنما جعلها الله تعالى قبلة العالمين من لدن سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاس لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ }(1) . فالكعبة إذن: هي الوسيلة في قيام وجهة الأنفس إلى خالقها في الصلاة، وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة بقوله تعالى: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ..}(2) .
    هذا وقد أمر تعالى سيدنا موسى وأخاه هارون عليهما الصلاة والسلام بقوله: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }(3) .
    ومشروعية ذلك كما بيَّنت الآية الكريمة أن يجتمع المؤمنون بسراجهم المنير مستشفعين به صلى الله عليه وسلم. { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ }: العبرة هي الارتباط بالإمام والاستشفاع به لكي يعرج بهم إلى الله.

    أمثلة عن الشفاعة في القرآن الكريم ونتائج ارتباط النفوس المؤمنة بنفوس رسل الله صلوات الله عليهم أجمعين
    قال تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ }(1) .
    لعلك تقول: ما هو هذا السجود الذي حصل للسحرة بعد ما أبطل سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم سحرهم؟. فنقول: السجود: هو الطلب المقرون بالخضوع النفسي والتقدير لمن يعظَّم شأنُه وعلمُه.
    فهؤلاء السحرة لما رأوا من سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم ما أبطل سحرهم على الرغم من كثرة عددهم وقوَّة كيدهم عظَّموا علم سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم النوراني وقدَّروه وأقبلت نفوسهم خاضعة لعلمه، وهنالك وبهذا الإقبال النفسي عليه اشتبكت نفوسهم مستشفعةً بنفسه السامية وهو بحضرة الله فغدوا أيضاً بمعيته بحضرة الله تعالى فتبدَّت لهم من وراء تلك النفس الصافية الطاهرة الحقائق بادية ظاهرة فشاهدوا أسماء الله تعالى الحسنى وهامت نفوسهم شغفاً وهياماً بخالق الجلال ومبدع كل جمال جلَّ سناه وعَظُمَ هُداه، فاشتقوا من حضرة الله نوراً فتَّح بصائرهم. فما أن أُلقوا ساجدين حتى: { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }(2) .
    ولمَّا هدَّدهم فرعون بالتعذيب والتنكيل والتصليب خاطبوه بما شهدت نفوسهم من الحق غير عابئين: { قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى، وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى }(1) .
    فيا ترى من أين جاء السحرة بهذا البيان الذي بيَّنوه وقد جيء بهم من المدائن المختلفة محضَرين وما سمعوا من سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم بياناً ولا دلالة؟. إنه التعظيم والتقدير لعلمه صلى الله عليه وسلم جعل نفوسهم ترتبط بنفسه مستشفعة به مقبلة على الله وهناك شاهدوا ما شاهدوا من حقائق فقالوا ما قالوا من كلمات اليقين والإيمان وذاك أثر من آثار شفاعتهم النفسية الحقَّة بنفس رسول الله سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم شأنهم في ذلك شأن ملكة سبأ لما عظَّمت مُلْك سيدنا سليمان صلى الله عليه وسلم إذ: { قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ..}.
    وهنالك استصغرت ملكها ووقفت موقف المقدِّر من ملك سيدنا سليمان صلى الله عليه وسلم وما هو عليه من شأن عظيم، وما أن نظرت فيه هذه النظرة حتى دخلت نفسها على الله من باب تلك النفس الزكية الطاهرة وحازت الشفاعة به صلى الله عليه وسلم فكان لسانها مترجماً عمَّا في نفسها، إذ: {.. قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(1).
    وما سجود إخوة سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم وأمه وأبيه له إلاَّ لتعظيمهم علمه وتقديرهم من بعد أن رأوا من سبقه إيَّاهم في العلم والإيمان.. وبهذا التعظيم والتقدير ارتبطت أنفسهم مستشفعة مقبلة معه على الله تعالى. وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة:
    { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَيَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً..}(2) .
    وهذا غيض من فيض مما بيَّنه فضيلة العلامة الكبير محمد أمين شيخو في مفهوم وحقيقة الشفاعة وارتباط الأنفس المستشفعة برسل الله صلوات الله عليهم أجمعين.
    فالشفاعة الحقيقية في الدنيا ليستنير المستشفع بنور رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغدو صاحب بصيرة ونور يرى به الخير خيراً فيغتنمه والشر شراً فيتجنَّبه، أي: يرى الحقائق بنور الله تعالى الذي أوصله إليه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم السراج المنير فيكسب الخيرات التي أعدَّها الله تعالى له ويلقى ربه بوجه أبيض بعمله الطيِّب ويدخل الجنة بصالح أعماله.
    {.. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(1) .
    ومن استشفع في الدنيا فهو بطبيعته في شفاعة بالآخرة. ومن لم يتَّخذ في الدنيا مع الرسول صلى الله عليه وسلم سبيلاً فلا شفاعة له في الآخرة إلاَّ الحسرات { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }(2) .. ولات ساعة مندم.
    محمد أمين شيخو

    الفصل الثاني
    « نــقـــــــــــد »
    الحُكْم العدل بين اختلاف الأمة
    « اختلاف أمتي لخير »

    الصفحة (16) من كتاب ( د. القرضاوي )
    من قرأ القرآن وجد أن هناك شفاعتين: شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة، وهذه غير تلك.
    فالشفاعة المنفية: هي ( الشفاعة الشركية ) التي كان يعتقدها الوثنيون المشركون أن آلهتهم ستشفع لهم عند الله، وأن الله سيستجيب لها حتماً، كما قال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ …} يونس (18). فهم يحسبون أن آلهتهم لها من السلطة والتأثير، ما يجعل الله تعالى يفسخ إرادته ويغير حكمه بالنسبة إليهم.
    ومثلهم اليهود والنصارى من محرِّفة أهل الكتاب الذين اعتقدوا أن لأنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم من التأثير على الإرادة الإلهية، مثل ما اعتقده المشركون في آلهتهم: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ …} المائدة (18).
    وهذه الشفاعة هي التي جاء فيها النفي في مثل قوله تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } البقرة (48).
    الـــــرد علـــــى ذلـــــك:
    أورد الدكتور قوله: “ومثل المشركين اليهود والنصارى من محرِّفة أهل الكتاب الذين اعتقدوا أن لأنبياءهم وأحبارهم ورهبانهم من التأثير على الإرادة الإلهية مثلما اعتقده المشركون”. وأن هذه شفاعة مرفوضة لأنها “شفاعة منفية”. أولم يكن لرسولنا بالشفاعة العظمى من التأثير على الإرادة الإلهية حين غضب الله غضباً لم يغضب مثله فما أثر به من الأنبياء جميعاً إلاَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهذه شفاعة منفية. فإذاً الشفاعة العظمى هي شفاعة منفية. ثم ذكرت الآية الكريمة {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}. أولم نكن بالشفاعة العظمى المزعومة، نحن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط أحباء الله حتى شفَّع بنا رسوله صلى الله عليه وسلم من دون الأمم؟. { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ }. وأنا أقول: لو صحَّ ذلك فلِمَ عذَّبنا بسيطرة الاستعمار علينا شرقاً وغرباً وتحكَّموا بنا بذنوبنا، بل الخلق كلهم عيال الله.

    الصفحة (18-19) من كتاب ( د. القرضاوي ):
    الشفاعة الثابتة في الآخرة: والشفاعة التي ثبتت بالنصوص المحكمة في الآخرة نوعان: الأولى: الشفاعة العظمى، لإراحة الخلق يوم القيامة من هول الموقف، وهذه جعلها الله لخاتم رسله وصفوة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه لا تأباها أصول المعتزلة. ولم أرَ من أنكرها قبل د. مصطفى محمود.
    والثانية: الشفاعة للعصاة والمذنبين من أهل التوحيد، الذين ماتوا على الإيمان، ولكنهم اقترفوا بعض الكبائر في الدنيا، ولم يتوبوا منها، وهذه الشفاعة جعلها الله تعالى للملائكة والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. وهي التي نازع فيها المعتزلة، وردوا ما صح فيها من أحاديث، وأوَّلوا ما جاء فيها من آيات بأنها للطائعين والتائبين: زيادة في المثوبات، ورفع الدرجات.
    الشفاعة العظمى ( المقام المحمود ): أما الشفاعة العظمى، فقد صحت بها الأحاديث عن عدد من الصحابة، كحديث أبي هريرة، وحديث أبي هريرة وحذيفة معاً، وحديث أبي بكر وسليمان وأنس وأُبي بن كعب وبريدة وابن مسعود وكعب بن مالك وأبي الدرداء وغيرهم، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره. ونعني بهذه الشفاعة العظمى: شفاعته صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله تعالى بها لإراحة الخلق من طول الانتظار يوم الهول العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، والفصل بينهم ليدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
    الـــــرد علـــــى ذلـــــك:
    لقد تفضَّل ( د. القرضاوي ) فتكلَّم عن الشفاعة الثابتة بالآخرة أوُلاها الشفاعة العظمى يوم القيامة بالذات والتي ادَّعى بأنها صحَّت بالأحاديث الكثيرة وقال: “نعني بها شفاعته صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله تعالى بها لإراحة الخلْق من طول الانتظار يوم الهول العظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين والفصل بينهم، ليدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار”. وهذا عكس ما يقوله الله تعالى في محكم كتابه، وبقبول ذلك يُنقض القرآن وآياته الصريحة نقضاً تاماً، فبهذا اليوم بالذات الذي يدَّعون فيه بالشفاعة العظمى، هو اليوم الذي ينفي تعالى الشفاعة فيه نفياً قاطعاً بقوله الكريم: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ ..}(1).
    { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }(2).
    { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }(3).
    { وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى }(4) .
    { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }(5) .
    { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ }(6) .
    { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}(7).
    فالذين يُدْخلهم الرسول صلى الله عليه وسلم من أمته من أبواب الجنة كيف تنطبق عليهم هذه الآية بأن يروا أعمالهم بالمثاقيل، وهم بموجب الشفاعة العظمى دخلوا الجنة بالشفاعة؟. وبطل بذلك أيضاً النصف الثاني من الآية الكريمة { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } لأنه دخل الجنة بالشفاعة فلن يرَ شرّاً ولا ناراً على زعمهم.
    { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }(1) .
    فبالشفاعة العظمى دخل الكل من أبواب الجنة وبقبولهم لهذه الشفاعة العظمى، أبطلوا كلام الله بآيات لا حصر لها أن {.. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(2) .
    { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(3) وعشرات الآيات التي تنفي دخول الجنة إلاَّ بالعمل، وليست هنالك آية واحدة تقول “ادخلوا الجنة بما كنتم تشفَّعون”.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: « كل أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبى. قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟. قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى » صحيح البخاري /جـ6 رقم 6851/.
    وأخرج أحمد ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم وسيُؤخذ أُناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي فيُقال: هل شعرتَ ما عملوا بعدك؟. والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم » كنز العمال /جـ 14 ص419 رقم39129/. وفي رواية عن الإمام البخاري « فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدَّل بعدي » صحيح البخاري /جـ5 رقم6212/.
    البخاري يناقض نفسه.. الحديثان ناقضا حديث الشفاعة العظمى.

    الصفحة (20-21) من كتاب ( د. القرضاوي ):
    وهذا هو ( المقام المحمود ) الذي أشار إليه القرآن إجمالاً وذكره الله تعالى في سورة الإسراء ممتناً على رسوله بهذه الخصوصية، فقال تعالى: {وَمِنَ اللَيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} الإسراء (79).
    من ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفع إليه الذراع “وكانت تعجبه” فنهس منها نهسة وقال: “أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون ممَّا ذاك؟. يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد يوم القيامة، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا تنظرون إلى ما أنتم فيه، وإلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربِّكم؟. فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟. ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟. فقال: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي، نفسي، نفسي!. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كان لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي، نفسي، نفسي!. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. فيقول لهم: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات، فذكرها، نفسي، نفسي، نفسي!. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضّلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي، نفسي، نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلَّمت الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيقول عيسى: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنباً، نفسي، نفسي، نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه، شيئاً لم يفتح على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء فيما سوى ذلك من الأبواب. ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى”.
    وبهذا يتبيَّن لنا أن شفاعة الرسول هنا ليست أكثر من دعاء وثناء وتضرع إلى الله تبارك وتعالى، مالك الملك، وصاحب الأمر كله، وقد أكرمه الله تعالى واستجاب لدعائه وقبل شفاعته في الخلق فضلاً منه وكرماً، وهذا من حقه جلّ شأنه.
    الـــــرد علـــــى ذلـــــك:
    تخبرنا هذه الرواية عن اجتماع الناس يوم القيامة وهم في همٍّ وكربٍ والشمس تدنو منهم؟!. فعن أي شمس يتحدثون؟!. بل وكيف يستطيع البشر أن يتحمَّلوا حرقها الشديد بعد دنوها منهم ولا زالوا أحياء يتحرَّكون؟!!. ولمْ يذكر لنا تعالى في كتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن هناك شمساً أخرى يوم القيامة، بل قال جلَّ جلاله: { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }(1).. وهذا التكوير هو من علامات يوم القيامة.. وكوِّرت: مأخوذة من كوَّر بمعنى جمع الشيء على بعضه ولفَّه. وتكوير الشمس إنما هو جمع أشعتها المنتشرة في الفضاء وتوقيفها عن وظيفتها في الاشعاع ونشر الحرارة والضياء. ففي يوم القيامة تُكوَّر الشمس وتُلف فيُمحى نورها وتعود إلى ربِّها من بعد أن أدَّت وظيفتها وقامت بمهمَّتها.
    « والذي نفس محمدٍ بيده ما بعد الدنيا من دار إلاَّ الجنة أو النار ». فأين شمس الانتظار وليس هناك إلاَّ جنة أو نار!. من أين جاؤوا بهذا الحديث؟!. وقوله تعالى: {.. فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }(2) . وقوله تعالى في محكم تنزيله: {.. لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }(3) .
    هذا ولم تتعرَّض الرواية للفصل بين المؤمنين والكافرين، فكل البشر في ذلك اليوم مجتمعين بما فيهم الرسل الكرام تحت لهيب الشمس المستعرة، ولماذا الرسل الكرام البررة أو المؤمنين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه يمكثون حتى يكتووا بلهيبها { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ }(4) : غير كتاب الله.
    ومن ثم من أين أتت تلك الرواية بذلك الانتظار يوم القيامة!؟. لقد غاب عن من كتب هذه الرواية أن الله تعالى {.. يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ..}(1) .
    وقوله تعالى: { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }(2) : أهل الجنة للجنة، وأهل النار للنار بالحق بالاستحقاق لورود كلمة ( مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ). فالآية الكريمة تبين أن الحساب سريع، بل أسرع مما يتصور.. وقوله تعالى هو الفصل دائماً: {.. وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }(3) .
    ومن ثم إن الابتلاءات والعلاجات في الدنيا من هم وكرب وخوف وجوع ونقص من الأموال والأنفس لها ما يبررها، وحكمة ذلك أن يعود المبتلى من بعدما قدَّمت يداه من عمل سيء إلى الله تعالى ويتوب عن غيِّه ويسلك طريق الإيمان ليستحق دخول الجنّات. قال تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(4) .
    إذاً فما فائدة الابتلاء يوم القيامة وذلك الانتظار الطويل، وإلى أين وصل ظن من كتب هذه الرواية بالله عزَّ وجل فيترك الناس والصديقين والشهداء والأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام حتى الذين لا ذنب لهم من المؤمنين؟!. والآيات التي وردت عن يوم القيامة تبين أن الأمر مفصول بكلمة واحدة: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }(1) .. وذلك لأن السرعة يومها من رحمة الله وحنانه بعباده وليعطي كل إنسان حقه، فهذا يوم الجزاء على الأعمال وليس هناك دورة جديدة، فالدنيا انتهت والمدرسة أغلقت أبوابها وجاء يوم الحساب لينال كل إنسان ما عمل فلا فائدة من ذلك الانتظار. قال تعالى: { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }(2).
    وقد تكررت في الرواية كلمة ( إن ربي غضب اليوم ).. على من غضب؟. هل على رسله الكرام البررة؟. ما سبب الغضب بالرواية المدسوسة؟. فإن كان على المؤمنين فلِمَ؟. ألم يقل تعالى: {.. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ..}(3) أم على رسله؟. هل كفروا به. فلماذا؟. من أين جاؤوا بهذا القول المبتور وخرقوه؟.
    وبقي من ضلال هذه الرواية هجومها وتعدِّيها على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين شهد الله تعالى بمقام عصمتهم وكمالهم العالي الرفيع وذكر وقائعهم العالية الكريمة ليكونوا لنا قدوة حسنة نقتدي بهم إلى الهدى. فبعد أن ذكر لنا طائفة من الرسل الكرام في سورة الأنعام قال عزَّ شأنه: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه ..}(4) . ولقد فهموا ذكر وقائعهم وأعمالهم فهماً معكوساً، فكل ما قام به الرسل الكرام كان حقّاً وأمراً من الله تعالى لأنهم رسله.. وقد أثنى الله ربنا جلَّ جلاله عليهم ولذلك اصطفاهم، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }.
    كيف تمَّ هذا الاصطفاء؟. بيَّن تعالى: { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ }: كلهم في الأصل واحد أولاد آدم عليه السلام، لكن: { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(1) : ما اصطفاهم جزافاً، بل إنه سميع لقولهم عليم بحالهم ونيتهم، فكلامهم عال وحالهم عال لذلك اصطفاهم.. فكل من يتكلَّم بحق الأنبياء معناه أنه ينفي كلمة ( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).
    فكأن الله تعالى لا علم له بآدم صلى الله عليه وسلم حتى اصطفاه وبأنه غير أهل للخلافة على زعمهم، وهذا غير صحيح، فالذي يتكلَّم بحقِّهم لا إيمان له. أما المؤمنون إذا سمعوا بحقِّ الرسل الكرام ما يتنافى مع عصمتهم وكمال نفوسهم قالوا هذا إفك عظيم، لأن نفوس المؤمنين تسري مع نفوس رسلها وتعرج بمعيَّتها إلى الله سواء أثناء حياتهم أو بعد وفاتهم، يتذكَّر المؤمن أو يقرأ أو يسمع بمآثر رسوله فتهيم النفس شوقاً إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وتتعشقه، ولذا فالكمال مشروط بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن حساسية النفس مثل حساسية العين، بل أدق فما يؤذي العين يؤذي النفس، فإن شعرت النفس بأدنى خطيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاه فإنها تنفر منه ولا تحبه، ولذا فإن ما قيل عن الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وما روي عنهم من أخطاء وأعمال غير لائقة في مقامهم إن هي إلاَّ محض افتراء لصدِّ الناس عن الصلاة عليهم وتحويلهم عن محبتهم وتقديرهم وعدم الاستشفاع بهم. قال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ..}(1) وليس أسوأ القصص كما أوردت هذه الرواية المدسوسة.
    ونلاحظ أنه عندما ذكرت الرواية سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم قالت ( لم يذكر ذنباً ).. فلِمَ لم يشفع؟!.
    الظاهر أنهم لم يجدوا آية في القرآن عن سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم ليفسِّروها تفسيراً خاطئاً ويشوِّهوا سيرة هذا الرسول العظيم.. وهذا غيض من فيض من آيات القرآن الكريم لدحض هذا الافتراء وإن كان القرآن الكريم كله ينفي تلك المزاعم التي زعموها في حق الرسل العظام عليهم أفضل الصلاة والسلام.
    أما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد ادَّعوا بهتاناً وزوراً بأنه أخطأ حين عبس وتولى أن جاءه الأعمى.. وأخطأ بتأبير النخل وأخطأ بإذنه للمنافقين بعدم الخروج بغزوة تبوك وأخطأ برواية الغرانيق على زعمهم الخاطئ، بل وأخطأ بأسرى بدر و… ومع ذلك على زعمهم قُبلت شفاعته بالقصة التي صاغوها من عندهم، ولم يتقدَّم سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم الذي لم يذكروا ذنباً عليه، فما هذا التناقض!. كما ذمُّوا رسل الله الكرام البررة واتَّهموهم بالعصيان والكذب وقسوة القلب وفقدان الرحمة من قلوبهم.. أهكذا يَصِمون ممثلي حضرة الله “رسله الكرام”، ويقبل علماؤنا بهذه الافتراءات، بل ويدعموها إيراداً على أنها حقيقية وهي دُسَّت من أعداء ليقطعوا عباد الله عن رسله الكرام، وبالتالي عنه تعالى فيضلُّوا عن سبيله بعد إذ هم مسلمون!. اللهم لا تتوِّه لنا رأياً.

    الصفحة (21-23) من كتاب ( د. القرضاوي ):
    وقد جاء في حديث ابن عمر عند البخاري: أن هذه الشفاعة هي المقام المحمود، حيث قال: “فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً” وزاد في رواية “يحمده أهل الجمع كلهم” وكذلك جاء في حديث سلمان عند الطبراني بإسناد صحيح، كما قال المنذري. وهذا هو المتفق مع المنزلة التي جعلها القرآن للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً } النساء (41). وقوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } البقرة (143). وليس في إثبات هذه الشفاعة ما يخالف النقول، أو يباين العقول، أو يناقض الأصول.
    الشفاعة للمذنبين: والشفاعة الأخرى الثابتة بنصوص القرآن والحديث، هي الشفاعة للمذنبين، والمراد بالمذنبين: هم أهل الكبائر، سواء كانت هذه الكبائر فعل محظور كأكل الربا وشرب الخمر والزنى أم ترك مأمور، مثل ترك الصلاة ومنع الزكاة والإفطار بلا عذر في شهر رمضان. وذلك لأن صغائر الذنوب يكفرها اجتناب الكبائر بنص القرآن { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً } النساء (31). كما تكفرها الصلاة والصيام وغيرهما من الحسنات، كما جاء في قول الله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ..} هود (114).
    وفي الحديث الصحيح: « الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » رواه مسلم.
    الـــــرد علـــــى ذلـــــك:
    ورد في كتاب ( د. القرضاوي ) أن منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآية الكريمة { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً } منزلة الحمد مع أن هذه الآية جاءت لتقريع العصاة لا للشفاعة بهم أبداً لأن الآيات التي قبلها عن المنافقين الذين كانوا ينفقون أموالهم رئاء الناس.{ وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ..}(1).
    الآيتان تتكلَّمان عن الشهود فما علاقتهما بالشفاعة؟. سامحكم الله .
    وبنفس الصفحة أعلاه نجد التناقض المكشوف ظاهراً جلياً، إذ أُثبتت الشفاعة لأهل الكبائر ثم ذُكر بعدها آية { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً }.. وأهل الكبائر لم يجتنبوا الكبائر حتى يوم القيامة، فكيف تشفَّع النبي صلى الله عليه وسلم بهم وأدخلهم هو مدخلاً كريماً بشفاعته؟. “فإن” شرطية لاجتناب الكبائر وهؤلاء لم يجتنبوها فكيف يشفع بهم؟!.
    لقد ذُكر في الصفحة (12-13) من كتاب (د. القرضاوي) أن هناك: “حقائق لا يجوز الخلاف عليها: أولها أن سعادة الإنسان دنيا وآخرة موقوفة على إيمانه وعمله لا على الاتكال على غيره”، وذكرت الآيات التالية:
    { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } النحل (97). { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } البقرة (286). { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } النحل (111). { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } فصِّلت (46).
    ثم نقضت وبضربة واحدة كل الحقائق التي تمَّ تبنِّيها بالشفاعة العظمى ونقضت كل هذه الآيات الكريمة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل أصحاب الكبائر من أمته دفعةً واحدة من أبواب الجنة العديدة والعريضة دون عملٍ صالح وعلى ما اكتسبوه من سوء ولم توفَّ كل نفسٍ ما عملت، بل وُفِّيت كل نفسٍ من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شفاعتها بالشفاعة العظمى!. فنُقض آخراً ما قُرِّر سابقاً.
    وقد ذكر أيضاً أن أهل الكبائر منها ترك الصلاة وتشفَّع بهم على زعمهم مع أن تارك الصلاة إن شاء يموت نصرانياً أو يهودياً أو مجوسياً، فهل يتشفَّع صلى الله عليه وسلم بالمجوس واليهود والنصارى.. هدانا الله وإياكم. ومانع الزكاة يتشفع به!. وهو من أهل الكبائر وقد قاتَلتِ الصحابة أهل الردَّة على منعهم الزكاة، أليس كذلك!.

    الصفحة (23-24) من كتاب ( د. القرضاوي ):
    حجج أهل السنة من العقل والنقل: ولأهل السنة حججهم البينة في الرد على شبهات الخوارج والمعتزلة من جهة العقل، ومن جهة النقل.
    فأما من جهة العقل، فالعقل يجيز للسيد إسقاط العقوبة عن عبده إن شاء، فضلاً منه وتكرماً، ويجيز للوالد إسقاط العقوبة عن ابنه متى شاء رحمة منه وتلطفاً. والعقل لا يجيز التسوية بين من لم يعترف بالسلطان من أساسه وبين من أساء من رعيته إساءةً ما في وقتٍ ما. والعقل لا يستسيغ أن يضيع السيد ثمرة عمل عبد له خدمه بإخلاص طول عمره بخطيئة واحدة ارتكبها، فإن سوابقه تشفع له. والعقل لا يستبعد أن يكرم السيد أو الأمير بعض أهل الفضل من رعيته، فيقبل شفاعتهم فيمن يشفعون فيه، بإسقاط بعض المطالبات عنهم، أو إرضاء بعض خصومهم، أو تخفيف بعض عقابهم فيما هو من حق السيد أو الأمير أو غيرهما.
    وأما من جهة النقل: فهناك من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية ما أثبت الشفاعة بقيودها وضوابطها كما سنذكر فيما بعد، ولكن المعتزلة ردوا الأحاديث الصحيحة الثبوت، الصريحة الدلالة، وأوَّلوا الآيات بأن المراد بالشفاعة: زيادة المثوبات ورفع الدرجات للمطيعين والتائبين. وهو تكلف مخالف للمتبادر من النصوص.
    الـــــرد علـــــى ذلـــــك:
    يقول ( د. القرضاوي ) عن الحجج من العقل والنقل: “فالعقل يجيز للسيد اسقاط العقوبة عن عبده إن شاء فضلاً وكرماً وللوالد عن ابنه متى شاء رحمة وتلطفاً”.. ويا ترى ولو لم يغيِّر العبد أو الولد عن الشذوذ والإجرام؟. فأين العدل الإلهي وقوانين الإله بالقرآن. لقد طمَّعوا الناس بالأماني والشفاعات الظالمة بينما يقول تعالى: { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }(1) .
    ثم ما لنا وللمعتزلة { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(2) .. أجيبونا بالقرآن وبالمنطق.
    نعم يُسقط السيد والأب العقوبة عن العبد والولد إن تابا وأطاعا، وإن لم يتوبا فقد أهلكوهما بشفاعتهما.

    الصفحة (24-25) من كتاب ( د. القرضاوي ):
    موقف ( د. مصطفى محمود ): ويبدو أن الأخ الدكتور مصطفى محمود رغم حماسه للإسلام ودفاعه عنه في وجه المذاهب والأفكار المادية والإباحية والدعوات الهدامة الحديثة قد التبست عليه بعض المفاهيم في أمر الشفاعة في الآخرة وحقيقتها، والمقصود منها حتى أداه ذلك إلى أن قال ما قال من آراء أنكرها عليه علماء الدين المتخصصون، لمخالفته الواضحة لنصوص آيات القرآن وصريح الأحاديث النبوية الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. ولعل ما دفع الدكتور مصطفى إلى مقولته هذه ما لمسه من سوء فهم بعض الناس لقضية

    #817500

    ثمة إشكال عقلي على الشفاعة هو أنها تشبه الوساطة الدينوية ، ولكن الأشكال يتضح حين نعرف أقسام الشفاعة : شفاعة العمل ، شفاعة الله الابتدائية ، والشفاعة المركوزة والشفاعة لا تنافي العقل ، ولا الشرع ، وثمة أيات نافية للشفاعة وأخرى مثبتة لها ، ويمكن الجمع بينها بأن المثبتة تنفي الشفاعة الاستقلالية عما سوى الله.

    الشفاعة : أن يتقدم الشفيع إلى الله سبحانه ويطلب منه تخفيف العقاب والعفو عن الشخص الذي يستحق العقاب بعمله الشنيع ، وهذا الذي يشفع إما أن يكون عملاً صالحاً من أعمال الإنسان أو ولياً صالحاً له حق على الله تعالى ، فيطلب من الله سبحانه وتعالى التخفيف أو العفو عن المخطئ.

    وقد أشكل على الشفاعة بإشكال عقلي مركز ، وحاصلة : أن شفاعة الشافع لا

    _______________________________

    * ـ من أساتذة الحوزة العلمية في مدينة قم.

    (79)

    يعقل دخلها في تقليل استحقاق المذنب للعقاب ، لأن الاستحقاق وعدمه يتبع ما يصدر من نفس الفاعل من عمل ، لا ما يصدر من شخص آخر ، فعلى أي أساس تتدخل الوساطة في مجرى فعلية العذاب في حساب الله تعالى ، بعد أن لم يكن للوساطة ـ الشفاعة ـ دخل في مرحلة الاستحقاق ؟ وحينئذٍ ، فإن كان المذنب قابلاً للعفو فلماذا لا يعفى عنه ، بغض النظر عن الشفاعة والوساطة؟

    أقسام الشفاعة

    إن الشفاعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

    1 ـ شفاعة العمل : الذي يعمله الإنسان ، كصلاته وصومه وحجه وعمله الصالح من الخيرات والمبرات في سبيل الله وأمثال ذلك ، فإن هذه الأعمال تشفع للإنسان في تقليل عقابه على الأفعال المنكرة ، أو العفو عنها ، ومن هذا القسم شفاعة القرآن ، فقد ورد في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : «إن القرآن شافع مشفع، وما حل مصدق»(1).

    ومن هذه الشفاعة شفاعة القيادة التي يهتدي بها الفرد في حياته.

    2 ـ شفاعة الله الابتدائية: وهي المغفرة التي تصدر من الله سبحانه وتعالى، ابتداءً ومن دون طلب من أحد الشافعين للغير، وذلك لأن الله سبحانه «قد سبقت رحمتهُ غضبهُ».

    فأصالة الرحمة والمغفرة ثابتة في حقه، وهذه الرحمة والمغفرة كسائر أنحاء رحمة الله الكونية التي لها نظام وقانون خاص، فكما أن هذا العالم يخضع لنظم وقوانين كونية معينة، فكذلك عفو الله ومغفرته ورحمته تعالى في يوم القيامة، لابد أن تكون خاضعة لنظام معين لتصل إلى المذنبين، وهذا النظام المعين هو عبارة عن وصول هذه الرحمة والمغفرة عن طريق الكملين من

    (80)

    الأنبياء والأوصياء ، والشهداء والصالحين ، ولا يمكن أن تكون هذه الرحمة عن طريق العاصين الجناة، لأنها خرق حكمة الله وطريقته في إيصال الناس إلى الكمال.

    وهذان القسمان من الشفاعة لا يرد عليهما الإشكال المتقدم ، لأن شفاعة العمل تعني قبوله من الله عزّوجلّ ومن ثم تقليل العذاب عن صاحبه بالمغفرة ، وإن شفاعة الله الابتدائية ما هي إلاّ إيصال الرحمة والمغفرة إلى العباد من غير طلب ، تحنناً منه تعالى وكرماً ، ومثل هذه الشفاعة كمثل إيصال الماء والغذاء لعباده في هذه الدنيا ، ولكن هذين النوعين من الشفاعة هما أمر صوري وشكلي فهو نوع إجلال واحترام ظاهري للشفاع ، لأن الشافع إذا كان يشفع بالعمل فليس له دور حقيقي في العفو والمغفرة ، وإنّما الدور الحقيقي للعمل ، وإذا كان الشافع وهو الولي أو النبي ـ بما أن الله جعل رحمته قد سبقت غضبه ، وقد جاءت عن طريقهم ـ فحينئذٍ يكون دور الشفيع كدور الدواء الذي يؤثر في انبساط الصحة والسلامة على العباد ، وكدور الجبل الذي تصطدم به الرياح الصاعدة الحارة لتلتقي بالرياح الباردة ليتكون المطر ، أو كدور الشمس في تبخير مياه البحار والمحيطات لتتدخل في عملية نزول المطر أيضاً .

    وحتى لو قلنا : إن الشفيع يتوسط عند الله فيكون توسطه مؤثراً تكويناً في تقليل العذاب أو العفو ، فإنه لا يخرج عن كون الشفيع هو مثل تأثير الأسباب التكوينية في العالم ، كتأثير الدواء لشفاء العبد أو تأثير الشمس والماء والهواء لإدامة الحياة ، فلا فضل للشفيع ، كما لا فضل لهذه التأثيرات الكونية .

    3 ـ الشافعة المركوزة عند المسلمين : بمعنى أن يبدأ العبد المذنب بطلب من الشفيع أن يشفع له ، وهذا الطلب يؤثر في الشفيع ، فينبعث الشفيع من قبل هذا المذنب ويطلب من المولى أن يغفر للعبد المذنب ويتجاوز عن ذنبه أو يقلل

    (81)

    العذاب عليه على أقل تقدير ، وهذا الشفيع بدوره يؤثر في المولى ، فيعدل المولى عن حكمه ويتجاوز عن عبده المذنب ويعفو عنه.

    وهذا القسم من الشفاعة ، هو الذي يحصل للشفيع عظمة وإجلالاً عند العبد المذنب ورفعة ومقاماً عند الله تعالى ، وهذا هو الظاهر من أدلة الشفاعة القرآنية والروائية.

    ثم إن الأشكال العقلي على الشفاعة يرد عليها بالمعنى الثالث، فلابد أن نبحث عن جواب هذا الأشكال ورده أو قبولـه ، فإن رددنا الأشكال العقلي ، فحينئذٍ لا داعي للقول بخلاف ما قالت به الأدلة الشرعية من معنى الشفاعة الثالث ، وإن قبلنا الإشكال العقلي ، فلابد من صرف الأدلة الإثباتية إلى خلاف ظاهرها ، فننكر الشفاعة بالمعنى الثالث ونقول بالشفاعة بالمعنى الأول أو الثاني.

    الإشكال على الشفاعة

    إن الإشكال على الشفاعة المتقدم ، يمكن توسعته إلى إشكالات خمسة عقلية :

    1 ـ الشفاعة تنافي التوحيد في العبادة ، وهذا ما قاله الوهابيون أتباع محمّد بن عبد الوهاب.

    2 ـ يلزم من الاعتقاد بالشفاعة الاعتقاد بأن شفقة ورحمة الشفيع أوسع من رحمة الله.

    3 ـ الاعتقاد بالشفاعة يوجب تجرؤ نفوس العباد وتشويقها إلى المعاصي.

    4 ـ يلزم من الاعتقاد بالشفاعة أن نقول : «إن الله يقع تحت تأثير الشفيع ويبدل غضبه بالرحمة».

    5 ـ الشفاعة نوع استثناء وتفرقة بين المذنبين ، وهو خلاف العدالة من الله تعالى(2).

    (82)

    حل الإشكال

    1 ـ إن الشفاعة بالمعنى الثالث لا تنافي التوحيد في العبادة ، وذلك لأن توسيط الولي والنبي إلى الله لا يعني عبادته، حتّى ينافي التوحيد في العبادة، فكم فرق بين عبادة شخص أو توسيطه في أمر إلى الغير.

    2 ـ إن المدعى في الشفاعة ليس هو أن يكون الشفيع أكثر رحمة من الله تعالى حتّى يشكل على الشفاعة بهذا الإشكال، بل المدعى في الشفاعة أحد أمرين:

    الأول: أن الشفيع باعتباره بشراً مثلنا يملك ما نملكه من أحاسيس بشرية وعواطف نفسية، والعبد المذنب قد لا يكون مستحقاً للعفو بملاكات الرحمة الإلهية الخالية من الاحساسات البشرية، ففتح الله لعباده باب الرحمة والعفو التي تنبع من شفاعة الشفيع الذي يحس وينفعل ويتأثر فيأتي العبد الولي الذي يقع تحت هذه التأثيرات الانفعالية مثلنا ، وإن كان يختلف عنا في عدم إعمال هذه الانفعالات فيما لا ينبغي، فالولي مستعد لتأجيل قتل عمرو إلى أن يسكن غضبه، حتّى يكون قتله إياه خالصاً لوجه الله تعالى.

    ويصح للولي أن يطلب من الله تعالى المغفرة للعبد المذنب بشرط أن تكون الشفاعة لهذا العبد المذنب مما ينبغي وفيها المصلحة.

    الثاني: أن نفرض أن هذا المذنب الذي لا يرحم ـ بغض النظر عن الشفاعة ـ يكون له حق على الشفيع ، مثل زيارة الشفيع وإهداء ثواب الصلاة المستحبة إليه ، أو إهداء ثواب الإطعام والعمل الصالح وهداية الناس ـ بواسطة ذكر طريقته في العمل الصالح ـ إليه وعلى هذا فالشفيع يكون بصدد مجازاة هذا العبد المذنب بالخير ، فتأتي الشفاعة وتكون معقولة إن لم يكن فيها إشكال آخر.

    إذن : عرفنا أن هذين الأمرين المدعى إثبات أحدهما في الشفاعة لا يستبطنان

    (83)

    أن الشفيع أكثر رحمة وشفقة من الله تعالى.

    3 ـ إننا لا ندعي القطع من قبل العاصي بأن الولي سوف يشفع له حتماً من قبل الله تعالى بحيث ترفع كلّ التبعات وسيبقى قابلاً للشفاعة ولا تجره معصيته إلى أن يصل في خبثه وسوء عاقبته إلى مرحلة تنتفي قابليته للشفاعة .

    نحن لا ندعي كلّ هذه الإدعاءات السابقة حتّى يأتي الإشكال الثالث ، وهو ـ التجري على الله تعالى ـ لو قبلنا فكرة الشفاعة ، بل إن فكرة الشفاعة تعطي الأمل للعبد المذنب في عفو الله عنه وترفع اليأس ليس إلاّ ، لا أنها توجب التجري .

    ولو أن أحداً أساء فهم الشفاعة ، أو استغلها في التجري على الله في انتهاك حرماته ، فهذا ليس إشكالاً على الشفاعة ، كما قد يقع الفهم الخاطيء والاستغلال بالنسبة إلى فكرة عفو الله تعالى عن العاصين ، أو فكرة انفتاح باب التوبة على العباد.

    إن قبول الله سبحانه شفاعة الشفيع ، ليس معناه أنّه وقع تحت تأثير الشفيع ، بل كلّ ما في الأمر : أن الأعمال الحسنة الصادرة من الشفيع الذي يستحق بها الثواب والإجلال من قبل الله تعالى ، قد جعل الله تعالى له الثواب الجزيل وقبول شفاعته جزاء على أعماله الصالحة ، وهذا لا يستلزم البداء المحال ، لأن الله تعالى قد بنى من أول الأمر على العفو عن هذا العبد المذنب ، إذا شفع له الشفيع ، والله سبحانه وتعالى يعلم بشفاعة الشفيع له ، فإن هذا لا يمت إلى تبدل الغضب بالرحمة والوقوع تحت التأثير.

    5 ـ إن عقاب العاصي في نفسه لم يكن ظلماً ، وعلى هذا فإن العفو عن بعضهم بواسطة شفاعة الشفيع هو إحسان إليهم ، ونحن نعلم أن تخصيص الإحسان بشخص دون شخص ليس ظلماً إلى من لا يقدم إليه الإحسان (3). على أن الشفاعة في يوم القيامة قد تشمل كلّ من له قابلية للشفاعة بلا استثناء وتبعيض إذن

    (84)

    ارتفع الإشكال الخامس.

    وقد عرفت أن الشفاعة بالمعنى الثالث : لا يتوجه إليها أي إشكال من الإشكالات الخمسة المتقدمة ، حيث أنها عبارة عن إعطاء ثواب الشفيع إلى المشفوع له ، لأن المشفوع له كان له الحق على الشفيع وهو أمر معقول وعرفي.

    ثم إنه قد يدفع أصل الإشكال العقلي على الشفاعة بما يذكر في حل مشكلة العقاب حيث يقال : إن عمل المذنب يكون فيه اقتضاء تكويني للعقاب ـ وليس هو علة مستقلة للعقاب ـ وهذا الاقتضاء قد يوجد مانع في تأثيره ، ألا وهو شفاعة الشافعين من الأولياء والصالحين ـ بناءً على أساس مالهم من قرب عند الله تعالى في أعمالهم الخيرة التي يحسن تلبية طلبهم كجزاء وثواب على أعمالهم الصالحة ، وعلى أساس الحق الذي للمشفوع له على الشفيع من إهداء ثواب أعماله الحسنة له ، وعلى أساس أن العفو عن هذا الذنب ليس قبيحاً ، بل كان المفروض عدم الداعي إلى العفو عنه، فإذا جاءت الشفاعة ، فهي من الدواعي للعفو عنه ـ أما إذا لم يوجد مانع من تأثير الاقتضاء للعقاب ، فإن يؤثر أثره حيث أن الله تعالى أو عد عبيده بالعذاب تربية لهم وإيفاء بوعديه ، وحينئذ تكون أخبار الشفاعة وقبول الشفيع أن يشفع للعاصين وقبول الله تلك الشفاعة هي بمنزلة المانع من تأثير المقتضي التكويني للعقاب ، وإلا فإن المقتضي يؤثر أثره في عقاب العاصين.

    الشفاعة من ناحية الأدلة الإثباتية

    توجد في القرآن الكريم والسنة النبوية أدلة تثبت الشفاعة ، وهذه ستأتي قريباً، ولكن قد توجه الإشكالات على الشفاعة على ضوء الآيات القرآنية ، فمن أهمها : ﴿ليس للإنسان إلاّ ما سعى﴾(4).

    (85)

    2 ـ إن بعض الآيات القرآنية تنفي تدخل أي شيء في شأن العبد يوم القيامة غير الله سبحانه فهو بيده الأمر وحده ، قال تعالى : ﴿يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله﴾(5).

    3 ـ إن بعض الآيات القرآنية تحصر الشفاعة في الله تعالى كقولـه تعالى : ﴿ليس لهم من دونه ولي ولاشفيع﴾(6)، وقولـه : ﴿قل لله الشفاعة جميعاً﴾ ، وقولـه تعالى: ﴿ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع﴾(7).

    والجواب على الإشكال الأول، هو:

    1 ـ إن الآية القرآنية التي تقول: ﴿وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى﴾ فإنها لا تدل على أكثر من أن أساس ما يلقاه الإنسان من خير أو شر ، إنما هو من عمله وسعيه ، أما العفو والمغفرة والشفاعة فهي موقوفة على عمله أيضاً ، بحيث يكون العمل ممهداً للعفو أو الشفاعة التي أكثرى ما تكون لأصحاب النوايا الحسنة.

    2 ـ إن الآية القرآنية قابلة للتخصيص ، وعلى هذا يطبق هنا القانون في شأنها ، فيكون المعنى أنّه ليس للإنسان إلاّ ما سعى والشفاعة التي تصدر في حقه من قبل الأولياء والصالحين ، بشرط أن تثبت الشفاعة بأدلتها الخاصة التي سوف تأتي إن شاء الله .

    3 ـ إذا قبلنا أن الآية القرآنية تنافي الشفاعة ، فهي أيضاً تنافي عفو الله ومغفرته ، وبما أنّه لا يمكن القول بأن الآية تنافي عفو الله ومغفرته ، وأن العفو والمغفرة شيء ثابت للعباد ولا إشكال عليه إذا كانت الآية مطلقة وشاملة للعفو والمغفرة فإنها تقيد ، فيكون معناها أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى وعفو الله ومغفرته.

    أما الجواب على الإشكال الثاني:

    (86)

    فهو أن المفهوم من آية : ﴿يوم لا تملك لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله﴾ أن كلّ شيء يحصل في يوم القيامة فهو بإذن الله ومشيئته، وبما أن الشفاعات إنّما تكون بمشيئة الله تعالى حيث له تعالى كلّ شيء حتّى الشفاعة ، فيصح ويحسن إرجاع الأسباب الصغيرة إلى السبب الكبير وتحصر الأسباب في السبب الكبير ، ولو لم يكن هذا هو المفهوم من الآية فلابد من القول به نتيجة قيام الأدلة التي سوف تأتي على أن الأولياء يشفعون يوم القيامة ، وطبعاً شفاعتهم تكون بإذن الله تعالى .

    أما الجواب على الإشكال الثالث : فقد يقال بأن الآيات القرآنية التي تحصر الشفاعة في الله تعالى مثل : ﴿ليس لهم من ولي ولا شفيع﴾ إذا أضفنا لها الآيات الدالة على الشفاعة بإذن الله تعالى مثل : ﴿ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه﴾(8) نفهم أن الشفاعة الاستقلالية هي لله تعلى أما الشفاعة بإذن الله فتكون للأئمة والأنبياء والأولياء الصالحين ، ويكون هذا مثل ما جاء في علم الغيب حينما قال تعالى: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو﴾(9)، ثم يقول تعالى: ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عدداً﴾(10).

    الآيات الدالة على نفي الشفاعة

    قد ذكر القرآن الكريم بعض الآيات التي ظاهرها نفي الشفاعة من دون الله تعالى وهي :

    1 ـ قوله تعالى ﴿واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة﴾(11).

    (87)

    2 ـ ﴿يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون﴾(12).

    3 ـ ﴿يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم﴾(13).

    4 ـ ﴿فما لنا من شافعين ولا صديق حميم﴾(14).

    5 ـ ﴿ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة﴾(15).

    6 ـ ﴿ما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع﴾(16).

    وهذه الآيات الستة قد لا تكون دالة كلها على نفي الشفاعة ، لأن الآية الرابعة ليس فيها إطلاق للمؤمنين العاصين، بل هي خاصة بالمشركين أو غير المؤمنين ، وذلك إذا نظرنا إلى سياقها ، قال تعالى ﴿وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلاّ المجرمون فمالنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين﴾

    (17)

    وكذلك الآية الثالثة ، فإنها لا تدل على نفي الشفاعة ، وإنّما تنفي أن يكون أحد في مقابل الله ، يعصم من الله وهو «العاصم» بينما الشفاعة ليست كذلك ، بل هي طلب من الله في المغفرة وعدم العذاب .

    وكذلك الآية الثانية : فإنها وإن نفت أن يغني مولى عن مولى شيئاً ، إلاّ أن فيها استثناء جاء بعد ذلك ، وقد غفل عنه وهو ﴿إلاّ من رحم﴾ وتحتمل أن تكون رحمة الله بواسطة شفاعة الشافعين.

    إذن بقي من الآيات الدالة على نفي الشفاعة ثلاث آيات.

    الآيات الدالة على إثبات الشفاعة

    1 ـ قوله تعالى : ﴿ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه﴾(18).

    (88)

    2 ـ ﴿لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى﴾(19).

    3 ـ ﴿ولا يملكون الشفاعة إلاّ من اتخذ عند الرحمن عهداً﴾(20).

    4 ـ ﴿يومئذ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن ورضي له قولاً﴾(21).

    5 ـ ﴿ولا تنفع الشفاعة عنده إلاّ لمن أذن له﴾(22).

    6 ـ ﴿وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾(23)

    7 ـ ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه﴾(24)(25).

    نقول :

    1 ـ قد تقدم الجمع بين هذه الآيات المثبتة للشفاعة وبين الآيات الثلاثة النافية لها ، وقلنا إن هذه الآيات تثبت الشفاعة للشافعين بإذن الله وإعطائه حق الشفاعة لهم ، أما تلك الآيات فهي تنفي الشفاعة الاستقلالية عما سوى الله تعالى ، وهذا الكلام يصح إذا كان الله سبحانه وتعالى في صدد بيان سعة رحمته واستيعاب غفرانه للعباد العاصين حتّى عن طريق شفاعة الشافعين .

    2 ـ وبالإمكان أيضاً ، القول بأن دليل نفي الشفاعة مطلق ، أما دليل إثباتها عند إذن الله تعالى فهو خاص، فيخصص به دليل نفي الشفاعة ، فيختص نفي الشفاعة بغير مورد الإذن ، وهذا الوجه عرفي مقبول ، إذ أن الشفاعة التي تكون بإذن الله هي شفاعة الله في النتيجة ، فلا يكون تنافٍ بين الدليل المطلق والدليل المقيد.

    3 ـ وبالإمكان أن نقول إن دليل إثبات الشفاعة مع الآن ناظر إلى دليل نفي الشفاعة إلاّ من قبل الله تعالى ، وبهذا يريد دليل إثبات الشفاعة أن يقول : إن الشفاعة بإذن الله هي شفاعة الله ، ولا مصادمة بينهما أصلاً.

    4 ـ إذا التفتنا إلى أن معنى الشفاعة لغة ، هي النصر والعون ـ لا الوساطة ـ

    (89)

    وقد تكون مأخذوة من الشفع الذي هو بمعنى الضم ، فكأن الشفيع في حالة شفاعته ينضم إلى المشفوع له ، وعلى هذا ، فالآيات التي تنفي الشفاعة ـ إلاّ شفاعة الله ـ كأنها تقول : لا تنفع شفاعة الشافعين مالم يضم إليها شفاعة الله ، أو أن نصرة المذنب لا تتم إلاّ بضم نصره الله للمذنب بعفوه ورحمته وهذا الكلام لا يحتاج إلى الإذن من الله بالشفاعة ، وعليه فتكون شفاعة الشفيع هي شفاعة الله تعالى ، وبهذا صح القول أن لا شفاعة الله تعالى ، في حين أن الشفاعة من الغير للمذنبين موجودة ، وإذا لم يقبل الله شفاعة الشافعين فمعنى ذلك عدم تمكينه للشفيع أن ينصر المذنب .

    لذلك يقول الشيعة الإمامية فيما ورد عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ بصحة نيابة الحي عن الميّت في العبادات ، أو إهداء الثواب إلى الميّت ، وقد أشكل عليهم بقولهم : لا يعقل أن يكون عمل شخص دخيلاً في استحقاق شخص آخر ، فما معنى رفع العقاب أو التخفيف عن تارك الصلاة بصلاة ولده أو غيره عنه أو إهداء ثواب العمل الصالح له؟

    وقد تبين الجواب ـ مما تقدم في بحث الشفاعة ـ وخلاصته : أنا قلنا إن العفو من الله تعالى لتارك الصلاة مثلاً لم يكن قبيحاً ،وإن كان عمله يقتضي العقاب ، وحينئذٍ إذا وجدنا سبباً للعفو فلا محالة أن الله سبحانه وتعالى يعفو عنه ، وهذا السبب عند الله قد يوجده ولد الميّت أو صديقه أو من استؤجر للصلاة عنه أو لقراءة القرآن، فإن الولد أو الصديق عندما يعمل عملاً مستحباً يريده الله تعالى لمصلحة فهو يستحق ثواباً وأجراً عليه ، ومن المعقول أن يهدي هذا الإنسان ثواب عمله إلى أبيه أو صديقه الذي توفي. وبهذا ينتفع الميّت العاصي بفعل الخيرات من قبل غيره إذا أهدي الثواب إليه .

    وبعبارة أخرى : إن الله سبحانه وتعالى إذا قال : إن هذا العبد يقتضي عمله

    (90)

    العقاب إلاّ إذا وجد سبب للعفو عنه ، وهذا السبب هو أحد أمور:

    1 ـ تحفيز محبي الميّت للعمل الصالح والعبادة ، إما مباشرة منهم أو تسبيباً من قبل الآخرين بتنزيل أنفسهم منزلة الميّت وإتيان العمل الصالح.

    2 ـ أو بإتيان العمل الصالح المحبوب لله سبحانه والذي فيه مصلحة من قبل محبي الميّت ، وإهداء ثوابه إلى الميّت.

    3 ـ أو تحفيز نفس الميّت بأن يوصي بهذه الأعمال الصالحة والمحبوبة. وعلى هذا يكون الميّت قد سبب وقوع هذه الأعمال بالخارج وهي محبوبة لله تعالى ، وعلى هذا الأمر الثالث فإن نفس الميّت هو الذي يستحق الثواب على هذه الأعمال جزاء لما فعله من تسبيب.

    أما بالنسبة للأمر الأول والثاني ؛ فإن الثواب يكون للعامل الحي ، وهو بدوره يقدمه لمحبوبه الميّت.

    __________________________________

    1 ـ المجازات النبوية للشريف الرضي، تحقيق طه محمّد الزنيي ، ص 307.

    2 ـ الإشكالات التالية ذكرها الشيخ المطهري في كتابه: العدل الإلهي، ص 227 ـ 259، وذكر أن هذه الاشكالات ترد على الشفاعة بالمعنى الثالث ، وهو لم يقبلها وإنّما قبل الشفاعة بالمعنى الأول والثاني.

    3 ـ ذ كر السيد الطباطبائي في الميزان: ج 1 ، ص 162 ، إشكالات كثيرة على الشفاعة:

    الأول هو : «أن رفع العقاب عن المجرم يوم القيامة بعدما أثبته الله تعالى بالوعيد ، إما أن يكون عدلاً أو ظلماًَ ، فإن كان عدلاً كان أصل الحكم المستتبع للعقاب ظلماً لا يليق بساحته تعالى وتقدس ، وإن كان ظلماً ، كانت شفاعة الأنبياء مثلاً ، سؤالاً للظلم منه ، وهو جهل لا يجوز نسبته إليهم صلوات الله عليهم».

    وجوابه ما تقدم من عدم كون العقاب ظلماً ولا رفعه ظلماً ، بل العقاب على الذنب للعبد المجرم عدل ، ورفعه عن بعضهم فضل وإحسان.

مشاهدة 6 مشاركات - 1 إلى 6 (من مجموع 6)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد