الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان مختصر السيرة النبويه

مشاهدة 15 مشاركة - 16 إلى 30 (من مجموع 184)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #302671
    أبو ناصر
    مشارك

    قتال أهل الردة

    وصورة الردة أن العرب افترقت في ردتها . فطائفة رجعت إلى عبادة الأصنام . وقالوا : لو كان نبيا لما مات . وفرقة قالت نؤمن بالله ولا نصلي . وطائفة أقروا بالإسلام وصلوا . ولكن منعوا الزكاة . وطائفة شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . ولكن صدقوا مسيلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه معه النبوة . وذلك أنه أقام شهودا معه بذلك . وفيهم رجل من أصحابه معروف بالعلم والعبادة يقال له الرجال فصدقوه لأجل ما عرفوا فيه من العلم والعبادة . ففيه يقول بعضهم ممن ثبت منهم

    يا سعاد الفؤاد بنت أثال
      
    طال ليلي بفتنة الرجال

    فتن القوم بالشهادة واللـ
      
    ه عزيز ذو قوة ومحال

    وقوم من أهل اليمن ، صدقوا الأسود العنسي في ادعائه النبوة . وقوم صدقوا طليحة الأسدي . ولم يشك أحد من الصحابة في كفر من ذكرنا ، ووجوب قتالهم إلا مانع الزكاة ولما عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم .

    قيل له كيف نقاتلهم . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ؟ قال أبو بكر فإن الزكاة من حقها ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه .

    ثم زالت الشبهة عن الصحابة رضي الله عنهم وعرفوا وجوب قتالهم فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم . فقتلوا من قتلوا منهم وسبوا نساءهم وعيالهم . فمن أهم ما على المسلم اليوم تأمل هذه القصة التي جعلها الله من حججه على خلقه إلى يوم القيامة . فمن تأمل هذا تأملا جيدا – خصوصا إذا عرف أن الله شهرها على ألسنة العامة .

    وأجمع العلماء على تصويب أبي بكر في ذلك وجعلوا من أكبر فضائله وعلمه أنه لم يتوقف في قتالهم بل قاتلهم من أول وهلة . وعرفوا غزارة فهمه في استدلاله عليهم بالدليل الذي أشكل عليهم . فرد عليهم . بدليلهم بعينه مع أن المسألة موضحة في القرآن والسنة . أما القرآن فقوله تعالى ( 9 : 5) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم  

    وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة . فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى فهذا كتاب الله الصريح للعامي البليد .

    وهذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا إجماع العلماء الذين ذكرت لك . والذي يعرفك هذا جيدا : هو معرفة ضده وهو أن العلماء في زماننا يقولون من قال لا إله إلا الله فهو المسلم حرام المال والدم لا يكفر ولا يقاتل حتى إنهم يصرحون بذلك في شأن البدو الذين يكذبون بالبعث . وينكرون الشرائع . ويزعمون أن شرعهم الباطل هو حق الله ولو طلب أحد منهم خصمه أن يخاصمه عند شرع الله لعدوه من أنكر المنكرات بل من حيث الجملة إنهم يكفرون بالقرآن من أوله إلى آخره . ويكفرون بدين الرسول كله مع إقرارهم بذلك بألسنتهم وإقرارهم أن شرعهم أحدثه آباؤهم لهم كفرا بشرع الله . وعلماء الوقت يعترفون بهذا كله . ويقولون ما فيهم من الإسلام شعرة .

    وهذا القول تلقته العامة عن علمائهم وأنكروا به ما بينه الله ورسوله . بل كفروا من صدق الله ورسوله في هذه المسألة وقالوا : من كفر مسلما فقد كفر . والمسلم عندهم الذي ليس معه من الإسلام شعرة إلا أنه يقول بلسانه لا إله إلا الله وهو أبعد الناس عن فهمها وتحقيق مطلوبها علما وعقيدة وعملا .

    فاعلم – رحمك الله – أن هذه المسألة أهم الأشياء كلها عليك . لأنها هي الكفر والإسلام . فإن صدقتهم فقد كفرت بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا لك من القرآن الكريم والسنة والإجماع . وإن صدقت الله ورسوله عادوك وكفروك . وهذا الكفر الصريح بالقرآن والرسول في هذه المسألة قد اشتهر في الأرض مشرقها ومغربها . ولم يسلم منه إلا أقل القليل .

    فإن رجوت الجنة وخفت من النار فاطلب هذه المسألة وادرسها من الكتب والسنة وحررها . ولا تقصر في طلبها ، لأجل شدة الحاجة إليها ، ولأنها الإسلام والكفر . وقل اللهم ألهمني رشدي ، وفهمني عنك ، وعلمني معك ، وأعذني من مضلات الفتن ما أحييتني . وأكثر الدعاء بالدعاء الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو به في الصلاة . وهو اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك : إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302672
    أبو ناصر
    مشارك

    ونزيد المسألة إيضاحا ودلائل لشدة الحاجة إليها ، فنقول ليفطن العاقل لقصة واحدة منها . وهي أن بني حنيفة أشهر أهل الردة ، وهم الذين يعرفهم العامة من أهل الردة . وهم عند الناس أقبح أهل الردة . وأعظمهم كفرا . وهم – مع هذا – يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويؤذنون ويصلون . وهذا فإن أكثرهم يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك لأجل الشهود الذين شهدوا مع الرجال .

    والذي يعرف هذا – ولا يشك فيه – يقول من قال لا إله إلا الله فهو المسلم ولو لم يكن معه من الإسلام شعرة بل قد تركه واستهزأ به متعمدا . فسبحان الله مقلب القلوب كيف يشاء كيف يجتمع في قلب من له عقل – ولو كان من أجهل الناس – أنه يعرف أن بني حنيفة كفروا ، مع أن حالهم ما ذكرنا . وأن البدو إسلام . ولو تركوا الإسلام كله وأنكروه واستهزءوا به على عمد . لأنهم يقولون لا إله إلا الله لكن أشهد أن الله على كل شيء قدير . نسأله أن يثبت قلوبنا على دينه ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يهب لنا منه رحمة . إنه هو الوهاب .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302673
    أبو ناصر
    مشارك

    الدليل الثاني قصة أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين وهي أن بقايا من بني حنيفة ، لما رجعوا إلى الإسلام وتبرءوا من مسيلمة وأقروا بكذبه كبر ذنبهم عند أنفسهم وتحملوا بأهليهم إلى الثغر لأجل الجهاد في سبيل الله لعل ذلك يمحو عنهم آثار تلك الردة لأن الله تعالى يقول ( 25 : 70 ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات  ويقول ( 30 : 82 )  وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى  فنزلوا الكوفة .

    وصار لهم بها محلة معروفة فيها مسجد يسمى مسجد بني حنيفة فمر بعض المسلمين على مسجدهم بين المغرب والعشاء . فسمعوا منهم كلاما معناه أن مسيلمة كان على حق وهم جماعة كثيرون لكن الذي لم يقله لم ينكره على من قاله . فرفعوا أمرهم إلى عبد الله بن مسعود ، فجمع من عنده من الصحابة واستشارهم هل يقتلهم وإن تابوا ، أو يستتيبهم ؟ فأشار بعضهم بقتلهم من غير استتابة . وأشار بعضهم باستتابتهم فاستتاب بعضهم وقتل بعضهم ولم يستتبه .

    فتأمل – رحمك الله – إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقة ما أظهروا ، لما تبرءوا من الكفر وعادوا إلى الإسلام . ولم يظهر منهم إلا كلمة أخفوها في مدح مسيلمة لكن سمعها بعض المسلمين . ومع هذا لم يتوقف أحد في كفرهم كلهم – المتكلم والحاضر الذي لم ينكر – ولكن اختلفوا : هل تقبل توبتهم أو لا ؟ والقصة في صحيح البخاري . فأين هذا من كلام من يزعم أنه من العلماء ويقول البدو ما معهم من الإسلام شعرة إلا أنهم يقولون لا إله إلا الله ومع ذلك يحكم بإسلامهم بذلك ؟ أين هذا مما أجمع عليه الصحابة فيمن قال تلك الكلمة أو حضرها ولم ينكر ؟

    سارت مشرقة وسرت مغربا

    شتان بين مشرق ومغرب

    ربنا إني أعوذ بك أن أكون لمن قلت فيهم ( 3 : 17 )  فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون  ولا ممن قلت فيهم ( 8 : 22 )  إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون  .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302674
    أبو ناصر
    مشارك

    الدليل الثالث ما وقع في زمان الخلفاء الراشدين قصة أصحاب علي بن أبي طالب – لما اعتقدوا فيه الإلهية التي تعتقد اليوم في أناس من أكفر بني آدم وأفسقهم – فدعاهم إلى التوبة فأبوا . فحد لهم الأخاديد وملأها حطبا . وأضرم فيها النار . وقذفهم فيها وهم أحياء . ومعلوم أن الكافر – مثل اليهودي والنصراني – إذا أمر الله بقتله لا يجوز إحراقه بالنار فعلم أنهم أغلظ كفرا من اليهود والنصارى . هذا ، وهو يقومون الليل ويصومون النهار ويقرءون القرآن آخذين له عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .

    فلما غلوا في علي ذلك الغلو أحرقهم في النار وهم أحياء . وأجمع الصحابة وأهل العلم كلهم على كفرهم . فأين هذا ممن يقول في البدو تلك المقالة مع اعترافه بهذه القصة وأمثالها ، واعترافه أن البدو كفروا بالإسلام كله إلا أنهم يقولون لا إله إلا الله ؟ . واعلم أن جناية هؤلاء إنما هي على الألوهية وما علمنا فيهم جناية على النبوة والذين قبلهم جنايتهم على النبوة ما علمنا لهم جناية على الإلهية . وهذا مما يبين لك شيئا من معنى الشهادتين اللتين هما أصل الإسلام .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302675
    أبو ناصر
    مشارك

    الدليل الرابع ما وقع في زمن الصحابة أيضا وهي قصة المختار بن أبي عبيد الثقفي . وهو رجل من التابعين مصاهر لعبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه مظهر للصلاح . فظهر في العراق يطلب بدم الحسين وأهل بيته فقتل ابن زياد ومال إليه من مال لطلبه دم أهل البيت ممن ظلمهم ابن زياد . فاستولوا على العراق ، وأظهر شرائع الإسلام ونصب القضاة والأئمة من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه . وكان هو الذي يصلي بالناس الجمعة والجماعة لكن في آخر أمره زعم أنه يوحى إليه .

    فسير إليه عبد الله بن الزبير جيشا ، فهزموا جيشه وقتلوه وأمير الجيش مصعب بن الزبير ، وتحته امرأة أبوها أحد الصحابة فدعاها مصعب إلى تكفيره فأبت . فكتب إلى أخيه عبد الله يستفتيه فيها فكتب إليه إن لم تبرأ منه فاقتلها . فامتنعت فقتلها مصعب . وأجمع العلماء كلهم على كفر المختار – مع إقامته شعائر الإسلام – لما جنى على النبوة .

    وإذا كان الصحابة قتلوا المرأة التي هي من بنات الصحابة لما امتنعت من تكفيره فكيف بمن لم يكفروا البدو مع إقراره بحالهم ؟ فكيف بمن زعم أنهم هم أهل الإسلام ومن دعاهم إلى الإسلام هو الكافر ؟ يا ربنا نسألك العفو والعافية .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302676
    أبو ناصر
    مشارك

    الدليل الخامس ما وقع في زمن التابعين وذلك قصة الجعد بن درهم وكان من أشهر الناس بالعلم والعبادة فلما جحد شيئا من صفات الله – مع كونها مقالة خفية عند الأكثر – ضحى به خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى ، فقال يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما . ثم نزل فذبحه ولم يعلم أن أحدا من العلماء أنكر ذلك عليه . بل ذكر ابن القيم إجماعهم على استحسانه فقال

    شكر الضحية كل صاحب سنة

    لله درك من أخي قربان

    فإذا كان رجل من أشهر الناس بالعلم والعبادة أخذ العلم عن الصحابة أجمعوا على استحسان قتله فأين هذا من اعتقاد أعداء الله في البدو ؟

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302677
    أبو ناصر
    مشارك

    الدليل السادس قصة بني عبيد القداح فإنهم ظهروا على رأس المائة الثالثة . فادعى عبيد الله أنه من آل علي بن أبي طالب ، من ذرية فاطمة وتزيا بزي أهل الطاعة والجهاد في سبيل الله فتبعه أقوام من البربر من أهل المغرب . وصار له دولة كبيرة في المغرب ولأولاده من بعده . ثم ملكوا مصر والشام ، وأظهروا شرائع الإسلام و أقاموا الجمعة والجماعة . ونصبوا القضاة والمفتين . لكن أظهروا الشرك ومخالفة الشريعة وظهر منهم ما يدل على نفاقهم وشدة كفرهم . فأجمع أهل العلم أنهم كفار وأن دارهم دار حرب مع إظهار شعائر الإسلام .

    وفي مصر من العلماء والعباد أناس كثير وأكثر أهل مصر لم يدخل معهم فيما – 30 – أحدثوا من الكفر . ومع ذلك أجمع العلماء على ما ذكرناه حتى إن بعض أكابر أهل العلم المعروفين بالصلاح قال لو أن معي عشرة أسهم لرميت بواحد منها النصارى المحاربين . ورميت بالتسعة بني عبيد .

    ولما كان زمان السلطان محمود بن زنكي أرسل إليهم جيشا عظيما بقيادة صلاح الدين . فأخذوا مصر من أيديهم . ولم يتركوا جهادهم بمصر لأجل من فيها من الصالحين .

    فلما فتحها السلطان محمود فرح المسلمون بذلك أشد الفرح . وصنف ابن الجوزي في ذلك كتابا سماه النصر على مصر .

    وأكثر علماء التصنيف والكلام في كفرهم مع ما ذكرنا من إظهارهم شرائع الإسلام الظاهرة .

    فانظر ما بين هذا وبين ديننا : أن البدو إسلام مع معرفتنا بما هم عليه من البراءة من الإسلام كله إلا قول لا إله إلا الله ولا تظن أن أحدا منهم يكفر إلا إن انتقل يهوديا أو نصرانيا .

    فإن آمنت بما ذكر الله ورسوله وبما أجمع عليه العلماء وتبرأت من دين آبائك في هذه المسألة وقلت : آمنت بالله وبما أنزل الله وتبرأت ممن خالفه باطنا وظاهرا ، مخلصا لله الدين في ذلك . وعلم الله ذلك من قلبك ، فأبشر . ولكن اسأل الله التثبيت . واعرف أنه مقلب القلوب .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302678
    أبو ناصر
    مشارك

    الدليل السابع قصة التتار وذلك أنهم بعد ما فعلوا بالمسلمين ما فعلوا ، وسكنوا بلاد المسلمين وعرفوا دين الإسلام استحسنوه وأسلموا . لكن لم يعملوا بما يجب عليهم من شرائعه . وأظهروا أشياء من الخروج على الشريعة لكنهم كانوا يتلفظون بالشهادتين ويصلون الصلوات الخمس والجمعة والجماعة . وليسوا كالبدو ومع هذا كفرهم العلماء وقاتلوهم وغزوهم . حتى أزالهم الله عن بلدان المسلمين . وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله .

    وأما من أراد الله فتنته فلو تناطحت الجبال بين يديه لم ينفعه ذلك . ولو ذكرنا ما جرى من السلاطين والقضاة من قتل من أتى بأمور يكفر بها – ولو كان يظهر شعائر الإسلام – وقامت عليه البينة باستحقاقه للقتل مع أن في هؤلاء المقتولين من كان من أعلم الناس وأزهدهم وأعبدهم في الظاهر مثل الحلاج وأمثاله ومن هو من الفقهاء المصنفين كالفقيه عمارة .

    فلو ذكرنا قصص هؤلاء لاحتمل مجلدات . ولا نعرف فيهم رجلا واحدا بلغ كفره كفر البدو الذين يقول عنهم – من يزعم إسلامهم – إنه ليس معهم من الإسلام شعرة إلا قول لا إله إلا الله ولكن من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .

    والعجب أن الكتب التي بأيديهم والتي يزعمون أنهم يعرفونها ويعلمون بها : فيها مسائل الردة .

    وتمام العجب أنهم يعرفون بعض ذلك ويقرون به ويقولون من أنكر البعث كفر . ومن شك فيه كفر . ومن سب الشرع كفر . ومن أنكر فرعا مجمعا عليه كفر . كل هذا يقولونه بألسنتهم .

    فإذا كان من أنكر الأكل باليمين أو أنكر النهي عن إسبال الثياب أو أنكر سنة الفجر أو الوتر فهو كافر . ويصرحون أن من أنكر الإسلام كله وكذب به واستهزأ بمن صدقه فهو أخوك المسلم حرام الدم والمال ما دام يقول لا إله إلا الله ثم يكفروننا ، ويستحلون دماءنا وأموالنا ، مع أنا نقول لا إله إلا الله فإذا سئلوا عن ذلك ؟ قالوا : من كفر مسلما فقد كفر .

    تم لم يكفهم ذلك حتى أفتوا لمن عاهدنا بعهد الله ورسوله أن ينقض العهد وله في ذلك ثواب عظيم ويفتون من عنده أمانة لنا ، أو مال يتيم أنه يجوز له أكل أمانتنا . ولو كانت مال يتيم بضاعة عنده أو وديعة بل يرسلون الرسائل لدهام بن دواس وأمثاله إذا حاربوا التوحيد ونصروا عبادة الأصنام يقولون أنت يا فلان قمت مقام الأنبياء . مع إقرارهم أن التوحيد – الذي ندعو إليه – 32 – وكفروا به وصدوا الناس عنه – هو دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن الشرك – الذي نهينا الناس عنه ورغبوهم هم فيه وأمروهم بالصبر على آلهتهم – أنه الشرك الذي نهى عنه الأنبياء . ولكن هذه من أكبر آيات الله فمن لم يفهمها فليبك على نفسه . والله سبحانه وتعالى أعلم .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302679
    أبو ناصر
    مشارك

    نسب النبي صلى الله عليه وسلم
    محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نذار بن معد بن عدنان . إلى هنا معلوم الصحة . وما فوق عدنان مختلف فيه . ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب . والقول بأنه إسحاق باطل .

    ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل . وكانت وقعة الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته وإلا فأهل الفيل نصارى أهل كتاب دينهم خير من دين أهل مكة . لأنهم عباد أوثان . فنصرهم الله نصرا لا صنع للبشر فيه تقدمة للنبي الذي أخرجته قريش من مكة . وتعظيما للبلد الحرام .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302680
    أبو ناصر
    مشارك

    قصة الفيل
    وكان سبب قصة أصحاب الفيل – على ما ذكر محمد بن إسحاق – أن أبرهة بن الصباح كان عاملا للنجاشي ملك الحبشة على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة – شرفها الله – فبنى كنيسة بصنعاء . وكتب إلى النجاشي إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليلا . فلطخ قبلتها بالعذرة . فقال أبرهة من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل رجل من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها . وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك فسأله أن يبعث إليه بفيله . وكان له فيل يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة . فبعث به إليه . فخرج أبرهة سائرا إلى مكة . فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم .

    فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله . فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا ، فقال أيها الملك فاستبقني خيرا لك ، فاستبقاه وأوثقه .

    وكان أبرهة رجلا حليما . فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيلا ، فقال له أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة . فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . وخرج معه يدله على الطريق .

    فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف . فقال له أيها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك . فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم . فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجلا من الحبشة – يقال له الأسود بن مفصود – على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس . فجمع الأسود إليه أموال الحرم . وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير .

    ثم بعث رجلا من حمير إلى أهل مكة ، فقال أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال بل جئت لأهدم البيت . فانطلق فقال لعبد المطلب ذلك .

    فقال عبد المطلب : ما لنا به يدان . سنخلي بينه وبين ما جاء له . فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم . فإن يمنعه فهو بيته وحرمه . وأن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة .

    قال فانطلق معي إلى الملك – وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب – فأتاه فقال يا ذا نفر هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك .

    فأرسل إليه فقال لأبرهة إن هذا سيد قريش يستأذن عليك . وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف لأمرك ، وأنا أحب أن تأذن له .

    وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما . فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه . وكره أن يجلس معه على سريره . وأن يجلس تحته . فهبط إلى البساط فدعاه فأجلسه معه . فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله .

    فقال أبرهة لترجمانه قل له إنك كنت أعجبتني حين رأيتك . ولقد زهدت فيك . قال لم ؟ قال جئت إلى بيت – هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم – لأهدمه . فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال أنا رب الإبل . والبيت له رب يمنعه منك .

    فقال ما كان ليمنعه مني . قال فأنت وذاك . فأمر بإبله فردت عليه . ثم خرج وأخبر قريشا الخبر . وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش . ففعلوا . وأتى عبد المطلب البيت . فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول

    يا رب لا أرجو لهم سواكا

    يا رب فامنع منهمو حماكا

    إن عدو البيت من عاداكا

    فامنعهمو أن يخربوا قراكا

    وقال أيضا :

    لا هم إن المرء يمنع رحله

    وحلاله فامنع حلالك

    لا يغلبن صليبهم

    ومحالهم غدوا محالك

    جروا جموعهم وبلادهم

    والفيل كي يسبوا عيالك

    إن كنت تاركهم وكعب

    تنا فأمر ما بدا لك

    ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه . وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول . وعبأ جيشه . وهيأ فيه . فأقبل نفيل إلى الفيل . فأخذ بأذنه . فقال ابرك محمود . فإنك في بلد الله الحرام . فبرك الفيل فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى اليمن ، فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك . فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل فأرسل الله طيرا من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار . حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم . فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك . وليس كل القوم أصابت . فخرج البقية هاربين يسألون عن – 36 – نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فماج بعضهم في بعض . يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل . وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ . وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302681
    أبو ناصر
    مشارك

    وفاة عبد الله والد رسول الله
    قد اختلف في وفاة أبيه هل توفي بعد ولادته أو قبلها ؟ الأكثر على أنه توفي وهو حمل . ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله . ولم يستكمل إذ ذاك ست سنين .

    فكفله جده عبد المطلب . ورق عليه رقة لم يرقها على أولاده . فكان لا يفارقه . وما كان أحد من ولده يجلس على فراشه – إجلالا له – إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    وقدم مكة قوم من بني مدلج من القافة . فلما نظروا إليه قالوا لجده احتفظ به . فلم نجد قدما أشبه بالقدم الذي في المقام من قدمه . فقال لأبي طالب اسمع ما يقول هؤلاء واحتفظ به .

    وتوفي جده في السنة الثامنة من مولده . وأوصى به إلى أبي طالب . وقيل إنه قال له

    أوصيك يا عبد مناف بعدي

    بمفرد بعد أبيه فرد

    وكنت كالأم له في الوجد

    تدنيه من أحشائها والكبد

    فأنت من أرجى بني عندي

    لرفع ضيم ولشد عضد

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302682
    أبو ناصر
    مشارك

    عبد المطلب جد رسول الله
    قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ويقوم في خدمة الحجيج ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال . وكان له أولاد أكبرهم الحارث . توفي في حياة أبيه . وأسلم من أولاد الحارث عبيدة . قتل ببدر وربيعة ، وأبو سفيان وعبد الله .

    ومنهم الزبير بن عبد المطلب شقيق عبد الله . وكان رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار . شريفا شاعرا . ولم يدرك الإسلام . واسم من أولاده عبد الله . واستشهد بأجنادين . وضباعة ومجل وصفية وعاتكة .

    وأسلم منهم حمزة بن عبد المطلب ، والعباس .

    ومنهم أبو لهب مات عقيب بدر . وله من الولد عتيبة الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله السبع . وله عتبة ومعتب . أسلما يوم الفتح . ومن بناته أروى . تزوجها كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس . فولدت له عامرا وأروى . فتزوج أروى عفان بن أبي العاص بن أمية . فولدت له عثمان ثم خلف عليها عقبة بن أبي معيط ، فولدت له الوليد بن عقبة ، وعاشت إلى خلافة ابنها عثمان .

    ومنهن برة بنت عبد المطلب ، أم أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي .

    ومنهن عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية . وهي صاحبة المنام قبل يوم بدر . واختلف في إسلامها .

    ومنهن صفية أم الزبير بن العوام . أسلمت وهاجرت .

    وأروى أم آل جحش – عبد الله وأبي أحمد وعبيد الله وزينب وحمنة .

    وأم عبد المطلب : هي سلمى بنت زيد من بني النجار ، تزوجها أبوه هاشم بن عبد مناف . فخرج إلى الشام – وهي عند أهلها ، وقد حملت بعبد المطلب – فمات بغزة . فرجع أبو رهم بن عبد العزى وأصحابه إلى المدينة بتركته . وولدت امرأته سلمى : عبد المطلب . وسمته شيبة الحمد . فأقام في أخواله مكرما . فبينما هو يناضل الصبيان فيقول أنا ابن هاشم سمعه رجل من قريش ، فقال لعمه المطلب إني مررت بدور بني قيلة فرأيت غلاما يعتزي إلى أخيك . وما ينبغي ترك مثله في الغربة . فرحل إلى المدينة في طلبه . فلما رآه فاضت عيناه وضمه إليه وأنشد شعرا :

    عرفت شيبة والنجار قد جعلت

    أبناءها حوله بالنبل تنتصل

    عرفت أجلاده فينا وشيمته

    ففاض مني عليه وابل هطل

    فأردفه على راحلته فقال يا عم ذلك إلى الوالدة . فجاء إلى أمه . فسألها أن ترسل به معه فامتنعت . فقال لها : إنما يمضي إلى ملك أبيه وإلى حرم الله . فأذنت له . فقدم به مكة ، فقال الناس هذا عبد المطلب . فقال ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم .

    فأقام عنده حتى ترعرع . فسلم إليه ملك هاشم من أمر البيت والرفادة والسقاية وأمر الحجيج وغير ذلك .

    وكان المطلب شريفا مطاعا جوادا ، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه . وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي . وله من الولد الحارث ومخرمة وعباد وأنيس وأبو عمر وأبو رهم وغيرهم .

    ولما مات وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح شيبة . فغصبه إياها ، فسأل رجالا من قريش النصرة على عمه . فقالوا : لا ندخل بينك وبين عمك فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتا معها :

    يا طول ليلي لأحزاني وإشغالي

    هل من رسول إلى النجار أخوالي ؟

    بني عدي ودينار ومازنها

    ومالك عصمة الحيران عن حالي

    قد كنت فيهم وما أخشى ظلامة ذي

    ظلم عزيزا منيعا ناعم البال

    حتى ارتحلت إلى قومي ، وأزعجني

    لذاك مطلب عمي بترحالي

    فغاب مطلب في قعر مظلمة

    ثم انبرى نوفل يعدو على مالي

    لما رأى رجلا غابت عمومته

    وغاب أخواله عنه بلا والي

    فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم

    لا تخذلوه فما أنتم بجذالي

    فلما وقف خاله أبو سعد بن عدي بن النجار على كتابه بكى . وسار من المدينة في ثمانين راكبا ، حتى قدم مكة . فنزل بالأبطح فتلقاه عبد المطلب ، وقال المنزل يا خال . فقال لا والله حتى ألقى نوفلا . فقال تركته بالحجر جالسا في مشايخ قومه . فأقبل أبو سعد حتى وقف عليهم فقام نوفل قامئا ، فقال يا أبا سعد أنعم صباحا . فقال لا أنعم الله لك صباحا ، وسل سيفه . وقال ورب هذا البيت لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف . فقال رددتها عليه . فأشهد عليه مشايخ قريش . ثم نزل على شيبة فأقام عنده ثلاثا . ثم اعتمر ورجع إلى المدينة . فقال عبد المطلب :

    ويأبى مازن وأبو عدي

    ودينار بن تيم الله ضيمي

    بهم رد الإله علي ركحي

    وكانوا في انتساب دون قومي

    فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم وحالفت بنو هاشم : خزاعة على بني عبد شمس ونوفل . فكان ذلك سببا لفتح مكة . كما سيأتي .

    فلما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا : نحن ولدناه كما ولدتموه فنحن أحق بنصره . وذلك أن أم عبد مناف منهم . فدخلوا دار الندوة وتحالفوا وكتبوا بينهم كتابا .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302683
    أبو ناصر
    مشارك

    عبد الله والد رسول الله
    وأما عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم فهو الذبيح .

    وسبب ذلك أن عبد المطلب أمر في المنام بحفر زمزم . ووصف له موضعها . وكانت جرهم قد غلبت آل إسماعيل على مكة ، وملكوها زمانا طويلا . ثم أفسدوا في حرم الله . فوقع بينهم وبين خزاعة حرب وخزاعة من قبائل اليمن ، من أهل سبأ . ولم يدخل بينهم بنو إسماعيل . فغلبتهم خزاعة . ونفت جرهما من مكة . وكانت جرهم قد دفنت الحجر الأسود ، والمقام وبئر زمزم . وظهر بعد ذلك قصي بن كلاب على مكة . ورجع إليه ميراث قريش . فأنزل بعضهم داخل مكة – وهم قريش الأباطح – و بعضهم خارجها – وهم قريش الظواهر – فبقيت زمزم مدفونة إلى عصر عبد المطلب . فرأى في المنام موضعها . فقام يحفر فوجد فيها سيوفا مدفونة وحليا ، وغزالا من ذهب مشنفا بالدر . فعلقه عبد المطلب على الكعبة . وليس مع عبد المطلب إلا ولده الحارث . فنازعته قريش ، وقالوا له أشركنا ، فقال ما أنا بفاعل . هذا أمر خصصت به . فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه .

    فنذر حينئذ عبد المطلب : لئن آتاه الله عشرة أولاد وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة . فلما تموا عشرة . وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه . وكتب كل منهم اسمه في قدح . وأعطوها القداح قيم هبل – وكان الذي يجيل القداح – فخرج القدح على عبد الله . وأخذ عبد المطلب المدية ليذبحه . فقامت إليه قريش من ناديها فمنعوه . فقال كيف أصنع بنذري ؟ فأشاروا عليه أن ينحر مكانه عشرا من الإبل . فأقرع بين عبد الله وبينها . فوقعت القرعة عليه . فاغتم عبد المطلب ، ثم لم يزل عشرا عشرا ، ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغ مائة . فوقعت القرعة على الإبل . فنحرت عنه . فجرت سنة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال  أنا ابن الذبيحين  يعني إسماعيل عليه السلام وأباه عبد الله . ثم ترك عبد المطلب الإبل لا يرد عنها إنسانا ولا سبعا . فجرت الدية في قريش والعرب مائة من الإبل وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام . وقالت صفية بنت عبد المطلب :

    نحن حفرنا للحجيج زمزم

    سقيا الخليل وابنه المكرم

    جبريل الذي لم يذمم

    شفاء سقم وطعام مطعم

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302684
    أبو ناصر
    مشارك

    أبو طالب عم رسول الله
    وأما أبو طالب فهو الذي يتولى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد جده كما تقدم ورق عليه رقة شديدة . وكان يقدمه على أولاده .

    قال الواقدي : قام أبو طالب – من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة ثلاث وأربعين – يحوطه ويقوم بأمره ويذب عنه . ويلطف به .

    وقال أبومحمد بن قدامة : كان يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم . وله في ذلك أشعار . منها :

    ألا أبلغا عني على ذات بيننا

    لؤيا . وخصا من لؤي بني كعب

    بأنا وجدنا في الكتاب محمدا

    نبيا كموسى ، خط في أول الكتب

    وأن عليه في العباد محبة

    ولا خير ممن خصه الله بالحب

    ومنها :

    تعلم خيار الناس أن محمدا

    وزيرا لموسى والمسيح ابن مريم

    فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا

    فإن طريق الحق ليس بمظلم

    ولكنه أبى أن يدين بذلك خشية العار .  ولما حضرته الوفاة . دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية – فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرددها عليه وهما يرددان عليه حتى كان آخر كلمة قالها هو على ملة عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالى ( 9 : 113 ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم  ونزل قوله تعالى ( 38 : 56 )  إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء  – الآية  .

    قال ابن إسحاق : وقد رثاه ولده علي بأبيات منها :

    أرقت لطير آخر الليل غردا

    يذكرني شجوا عظيما مجددا

    أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى

    جوادا إذا ما أصدر الأمر أوردا

    فأمست قريش يفرحون بموته

    ولست أرى حيا يكون مخلدا

    أرادوا أمورا زيفتها حلومهم

    ستوردهم يوما من الغي موردا

    يرجون تكذيب النبي وقتله

    وأن يفترى قدما عليه ويجحدا

    كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم

    صدور العوالي والحسام المهندا

    خلف أبو طالب أربعة ذكور وابنتين . فالذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي ، وبين كل واحد عشر سنين . فطالب أسنهم ثم عقيل ثم جعفر ثم علي .

    فأما طالب فأخرجه المشركون يوم بدر كرها . فلما انهزم الكفار طلب فلم يوجد في القتلى ، ولا في الأسرى ، ولا رجع إلى مكة ، وليس له عقب .

    وأما عقيل فأسر ذلك اليوم . ولم يكن له مال . ففداه عمه العباس . ثم رجع إلى مكة . فأقام بها إلى السنة الثامنة . ثم هاجر إلى المدينة . فشهد مؤتة مع أخيه جعفر . وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم  وهل ترك لنا عقيل من منزل ؟  واستمرت كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم – كما ذكرنا –

    فلما بلغ اثنتي عشرة سنة – وقيل تسعا خرج به أبو طالب إلى الشام في تجارة فرآه بحيري الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام ، خوفا عليه من اليهود . فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة .

    ووقع في الترمذي أنه بعث معه بلالا وهو غلط واضح . فإن بلالا إذ ذلك لعله لم يكن موجودا .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302742
    أبو ناصر
    مشارك

    خروجه إلى الشام وزواجه خديجة
    فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها ، ومعه ميسرة غلامها . فوصل بصرى .

    ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد . وهي أول امرأة تزوجها ، وأول امرأة ماتت من نسائه . ولم ينكح عليها غيرها . وأمره جبريل أن يقرأ عليها السلام من ربها ويبشرها ببيت في الجنة من قصب .

    سبحان الحي الذي لا يموت

مشاهدة 15 مشاركة - 16 إلى 30 (من مجموع 184)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد