الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان مختصر السيرة النبويه

مشاهدة 15 مشاركة - 91 إلى 105 (من مجموع 184)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #302803
    أبو ناصر
    مشارك

    أسارى بدر
    واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسرى ، وهم سبعون . وكذلك القتلى سبعون أيضا . فأشار الصديق أن يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة . ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام . فقال عمر لا والله ما أرى ذلك . ولكني أرى أن تمكننا ، فنضرب أعناقهم . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديد الشرك فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر . فقال إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة . وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال ( 14 : 36 ) فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم  وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، إذ قال ( 5 : 118 )  إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم  الآية . وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال ( 10 : 88 ) ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم  الآية . وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال ( 71 : 67 ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا  ثم قال أنتم اليوم عالة . فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق . فأنزل الله تعالى ( 8 : 67  ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض  الآيتين قال عمر فلما كان من الغد غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد – هو وأبو بكر – يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ما يبكيك ؟ وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما .

    فقال أبكي للذي عرض علي أصحابك من الغد من أخذهم الفداء . فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة – لشجرة قريبة منه – وقال لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر  .

    وقال الأنصار له صلى الله عليه وسلم  نريد أن نترك لابن أختنا العباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما  ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302858
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة بني قينقاع
    فكانت فيها غزوة بني قينقاع . وكانوا من يهود المدينة . فنقضوا العهد . فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر ليلة . فنزلوا على حكمه فشفع فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول . وألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم . فأطلقهم له وكانوا سبعمائة رجل . وهم رهط عبد الله بن سلام  .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302859
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة أحد
    وفيها كانت وقعة أحد في شوال .

    وذلك  أن الله تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر ، وترأس فيهم أبو سفيان لذهاب أكابرهم أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين . ويجمع الجموع . فجمع قريبا من ثلاث آلاف من قريش ، والحلفاء والأحابيش . وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا . ثم أقبل بهم نحو المدينة . فنزل قريبا من جبل أحد .

    فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إليهم . وكان رأيه أن لا يخرجوا . فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه السكك والنساء من فوق البيوت ووافقه عبد الله بن أبي – رأس المنافقين – على هذا الرأي . فبادر جماعة من فضلاء الصحابة – ممن فاته بدر – وأشاروا على رسول الله بالخروج . وألحوا عليه .

    فنهض ودخل بيته ولبس لأمته وخرج عليهم فقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج . ثم قالوا : إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه .

    فخرج في ألف من أصحابه واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا : رأى أن في سيفه ثلمة وأن بقرا تذبح . وأنه يدخل يده في درع حصينة . فتأول الثلمة برجل يصاب من أهل بيته والبقر بنفر من أصحابه يقتلون والدرع بالمدينة فخرج وقال لأصحابه عليكم بتقوى الله والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو . وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا . فلما كان بالشوط – بين المدينة وأحد – انخذل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر وقال عصاني . وسمع من غيري ما ندري : علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ؟

    فرجع وتبعهم عبد الله بن عمرو – والد جابر – يحرضهم على الرجوع . ويقول قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع فرجع عنهم وسبهم . وسأل نفر من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعينوا بحلفائهم من يهود . فأبى ، وقال من يخرج بنا على القوم من كثب ؟ . فخرج به بعض الأنصار ، حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين – وكان أعمى – فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول لا أحل لك أن تدخل في حائطي ، إن كنت رسول الله . فابتدروه ليقتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر .

    ونفذ حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي الدنيا . وجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم .

    فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال . وهو في سبعمائة منهم خمسين فارسا . واستعمل على الرماة – وكانوا خمسين – عبد الله بن جبير . وأمرهم أن لا يفارقوا مركزهم ولو رأوا الطير تختطف العسكر . وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم . وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين .

    وأعطى اللواء مصعب بن عمير ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى الأخرى : المنذر بن عمرو . واستعرض الشباب يومئذ . فرد من استصغر عن القتال – كابن عمر وأسامة بن زيد والبراء وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت ، وعرابة الأوسي – وأجاز من رآه مطيقا .

    وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف . وفيهم مائتا فارس . فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد . وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل .

    ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى أبي دجانة .

    وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر – عبد عمرو بن صيفي – الفاسق . وكان يسمى الراهب . وهو رأس الأوس في الجاهلية . فلما جاء الإسلام شرق به وجاهر بالعداوة . فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه . فلما ناداهم وتعرف إليهم قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق . فقال لقد أصاب قومي بعدي شر . ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا . ثم أرضخهم بالحجارة .

    وأبلى يومئذ أبو دجانة وطلحة وحمزة وعلي ، والنضر بن أنس وسعد بن الربيع بلاء حسنا . وكانت الدولة أول النهار للمسلمين . فانهزم أعداء الله وولوا مدبرين . حتى انتهوا إلى نسائهم . فلما رأى ذلك الرماة قالوا : الغنيمة الغنيمة . فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا . فأخلوا الثغر وكر فرسان المشركين عليه فوجدوه خاليا . فجاءوا منه وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة – وهم سبعون – وولى الصحابة .

    وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرحوه جراحات وكسروا رباعيته . وقتل مصعب بن عمير بين يديه . فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب . وأدركه المشركون يريدون قتله . فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا . ثم جلدهم طلحة بن عبيد الله حتى أجهضهم عنه . وترس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك .

    وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده . فكانت أحسن عينيه .

    وصرخ الشيطان إن محمدا قد قتل فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه . ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ ، فقال يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أحد . فقاتل حتى قتل . ووجد به سبعون جراحة .

    وقتل وحشي الحبشي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه . رماه بحربة على طريقة الحبشة .

    وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين . فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك . فصاح بأعلى صوته يا معشر المسلمين هذا رسول الله فأشار إليه أن اسكت . فاجتمع إليه المسلمون . ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه .

    فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له كان يزعم بمكة أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اقترب منه طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترقوته فكر منهزما . فقال له المشركون ما بك من بأس . فقال والله لو كان ما بي بأهل ذي المحاز لماتوا أجمعين . فمات بسرف . وحانت الصلاة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا .

    وشد حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان . فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله وكان حنظلة جنبا . فإنه سمع الصيحة وهو على بطن امرأته – قام من فوره إلى الجهاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تغسله  

    وكان الأصيرم – عمرو بن ثابت بن وقش – يأبى الإسلام . وهو من بني عبد الأشهل . فلما كان يوم أحد : قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت له . فأسلم وأخذ سيفه . فقاتل حتى أثبتته الجراح ولم يعلم أحد بأمره . فلما طاف بنو عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم وجدوا الأصيرم – وبه رمق يسير – فقالوا : والله إن هذا الأصيرم . ثم سألوه ما الذي جاء بك ؟ أحدب على قومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت . ومات من وقته . فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو من أهل الجنة ولم يصل لله سجدة قط

    ولما انقضت الحرب أشرف أبو سفيان على الجبل ونادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه . فقال أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه . فقال أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه .

    فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم . فلم يملك عمر نفسه أن قال يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله لك معهم ما يسوءك . ثم قال اعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال قولوا : الله أعلى وأجل ثم قال لنا العزى ، ولا عزى لكم قال ألا تجيبوه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال قولوا : الله مولانا . ولا مولى لكم ثم قال يوم بيوم بدر . والحرب سجال فقال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .

    وأنزل الله عليهم النعاس في بدر وفي أحد . والنعاس في الحرب من الله . وفي الصلاة ومجالس الذكر من الشيطان .

    وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ففي الصحيحين عن سعد قال  رأيت رسول الله يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عليهما ثياب بيض . كأشد القتال وما رأيتهما قبل ولا بعد  

    ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار – وهو يتشحط في دمه – فقال يا فلان أشعرت أن محمدا قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم فنزل ( 3 : 144 )  وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل  الآية .

    وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله عز وجل به المؤمنين . وأظهر به المنافقين . وأكرم فيه من أراد كرامته بالشهادة . فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد : إحدى وستون آية من آل عمران ، أولها ( 3 : 121 – 180  وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال  الآيات .

    ولما انصرفت قريش تلاوموا فيما بينهم . وقالوا : لم تصنعوا شيئا ، أصبتم شوكتهم ثم تركتموهم وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم . فارجعوا حتى نستأصل بقيتهم .

    فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنادى في الناس بالمسير إليهم وقال لا يخرج معنا إلا من شهد القتال فقال له ابن أبي : أركب معك ؟ قال لا . فاستجاب له المسلمون – على ما بهم من القرح الشديد – وقالوا : سمعا وطاعة . وقال جابر يا رسول الله إني أحب أن لا تشهد مشهدا إلا كنت معك . وإنما خلفني أبي على بناته فأذن لي أسير معك . فأذن له .

    فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ، فبلغ ذلك أبا سفيان ومن معه فرجعوا إلى مكة . وشرط أبو سفيان لبعض المشركين شرطا على أنه إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يخوفهم ويذكر لهم أن قريشا أجمعوا للكرة عليكم ليستأصلوا بقيتكم . فلما بلغهم ذلك قالوا ( 3 : 173  حسبنا الله ونعم الوكيل  . ثم دخلت السنة الرابعة . فكانت فيها وقعة خبيب وأصحابه في صفر .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302860
    أبو ناصر
    مشارك

    وقعة بئر معونة
    وفي هذا الشهر بعينه من السنة المذكورة كانت وقعة أهل بئر معونة . وفي شهر ربيع الأول كانت غزوة بني النضير . ونزل فيها سورة الحشر . ثم دخلت السنة الخامسة .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302861
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة المريسيع
    فكانت فيها غزوة المريسيع على بني المصطلق فأغار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم غارون . فسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والنعم والشاه . وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث ، سيد القوم وقعت في سهم ثابت بن قيس . فكاتبها ، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فأعتق المسلمون – بسبب هذا التزوج – مائة أهل بيت من بني المصطلق . وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302862
    أبو ناصر
    مشارك

    قصة الإفك
    وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك . وذلك  أن عائشة رضي الله عنها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بقرعة – وتلك كانت عادته مع نسائه – فلما رجعوا : نزل في طريقهم بعض المنازل . فخرجت عائشة لحاجتها ، ثم رجعت . ففقدت عقدا عليها . فرجعت تلتمسه . فجاء الذين يرحلون هودجها . فحملوه . وهم يظنونها فيه . لأنها صغيرة السن . فرجعت – وقد أصابت العقد – إلى مكانهم . فإذا ليس به داع ولا مجيب . فقعدت في المنزل وظنت أنهم يفقدونها ، ويرجعون إليها . فغلبتها عيناها . فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم . فلما رآها عرفها – وكان يراها قبل الحجاب – فاسترجع . وأناخ راحلته فركبت وما كلمها كلمة واحدة . ولم تسمع منه إلا استرجاعه . ثم سار يقود بها ، حتى قدم بها . وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة . فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته . ووجد رأس المنافقين عدو الله عبد الله بن أبي متنفسا . فتنفس من كرب النفاق والحسد . فجعل يستحكي الإفك ويجمعه ويفرقه . وكان أصحابه يتقربون إليه به .

    فلما قدموا المدينة : أفاض أهل الإفك في الحديث . ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم . ثم استشار في فراقها . فأشار عليه علي بفراقها ، وأشار عليه أسامة بإمساكها .

    واقتضى تمام الابتلاء أن حبس الله عن رسوله الوحي شهرا في شأنها ، ليزداد المؤمنون إيمانا ، وثباتا على العدل والصدق . ويزداد المنافقون إفكا ونفاقا ولتتم العبودية المرادة من الصديقة وأبويها ، وتتم نعمة الله عليهم ولينقطع رجاؤها من المخلوق وتيأس من حصول النصر والفرج إلا من الله .

    فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها أبواها . فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري . فإن العبد إذا اعترف بذنبه . ثم تاب تاب الله عليه .

    قالت لأبيها : أجب عني رسول الله . قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله .

    فقالت لأمها مثل ذلك وقالت أمها مثل ذلك .

    قالت فقلت : إن قلت إني بريئة – والله يعلم أني بريئة – لا تصدقوني . ولا أجد لي ولكم مثلا . إلا أبا يوسف حيث قال ( 12 : 18 ) فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون  

    قالت فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما أنا : فعلمت أن الله لا يقول إلا الحق . وأما أبواي فوالذي ذهب بأنفاسهما ، ما أقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خفت أن أرواحهما ستخرجان . فكان أول كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الله يا عائشة فقد برأك .

    فقال أبوي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله . وكان حسان رضي الله عنه ممن قيل عنه إنه يتكلم مع أهل الإفك فقال يعتذر إلى عائشة . ويمدحها :

    حصان رزان ما ترن بريئة

    وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

    عقيلة حي من لؤي بن غالب

    كرام المساعي . مجدهم غير زائل

    مهذبة قد طيب الله خيمها

    طهرها من كل سوء وباطل

    لئن كان ما قد قيل عني قلته

    فلا رفعت سوطي إلي أناملي

    وكيف ؟ وودي ما حييت ، ونصرتي

    لآل رسول الله زين المحافل

    وكانت عائشة لا ترضى أن يذكر حسان بشيء يكرهه وتقول إنه الذي يقول

    فإن أبي ، ووالدتي ، وعرضي

    لعرض محمد منكم وقاء

    فأنزل الله تعالى في هذه القصة أول سورة النور من قوله ( 24 : 1 – 26 ) الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم   إلى آخر القصة .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302863
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة الأحزاب
    وفي هذه السنة – وهي سنة خمس – كانت وقعة الخندق في شوال . وسببها : أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين يوم أحد ، خرج أشرافهم – كسلام بن أبي الحقيق – وغيره إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم من أنفسهم النصر لهم . فأجابتهم قريش . ثم خرجوا إلى غطفان : فاستجابوا لهم ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك فاستجاب لهم من استجاب .

    فخرجت قريش – وقائدهم أبو سفيان – في أربعة آلاف . ووافقهم بنو سليم بمر الظهران ، وبنو أسد ، وفزارة وأشجع وغيرهم . وكان من وافى الخندق من المشركين عشرة آلاف .

    فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم إليه استشار أصحابه . فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبادر إليه المسلمون . وعمل فيه بنفسه . وكان في حفره من آيات نبوته ما قد تواتر الخبر به .

    وخرج صلى الله عليه وسلم وهم يحفرون في غداة باردة . فلما رأى ما بهم من الشدة والجوع . قال

    اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
      
    فاغفر للأنصار والمهاجرة

    فقالوا مجيبين له

    نحن الذين بايعوا محمدا
      
    على الجهاد ما بقينا أبدا

    وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين . فتحصن بالجبل من خلفه – جبل سلع – وبالخندق أمامه . وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة .

    وانطلق حيي بن أخطب إلى بني قريظة ، فدنا من حصنهم فأبى كعب بن أسد أن يفتح له . فلم يزل يكلمه حتى فتح له . فلما دخل الحصن قال جئتك بعز الدهر . جئتك بقريش وغطفان وأسد ، على قادتها لحرب محمد قال بل جئتني والله بذل الدهر جئتني بجهام قد أراق ماءه . فهو يرعد ويبرق ليس فية شيء .

    فلم يزل حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مع المشركين . وسر بذلك المشركون وشرط كعب على حيي أنهم إن لم يظفروا بمحمد أن يجيء حتى يدخل معهم في حصنهم فيصيبه ما يصيبهم فشرط ذلك ووفى له .

    وبلغ رسول الله الخبر . فبعث إليهم السعدين – سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة – وخوات بن جبير . وعبد الله بن رواحة ليتعرفوا الخبر . فلما دنوا معهم وجدوهم على أخبث ما يكون . وجاهروهم بالسب . ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    فانصرفوا ولحنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحنا .

    فعظم ذلك على المسلمين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أبشروا ، يا معشر المسلمين .

    واشتد البلاء ونجم النفاق . واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة . وقالوا ( 33 : 13)  إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا  

    وأقام المشركون محاصرين رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا . ولم يكن بينهم قتال لأجل الخندق ، إلا أن فوارس من قريش – منهم عمرو بن عبد ود – أقبلوا نحو الخندق . فلما وقفوا عليه قالوا : إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها . ثم تيمموا مكانا ضيقا منه وجالت بهم خيلهم في السبخة ودعوا إلى البراز . فانتدب لعمرو : علي بن أبي طالب ، فبارزه . فقتله الله على يدي علي . وكان من أبطال المشركين .

    وانهزم أصحابه . ولما طالت هذه الحال على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف – رئيسي غطفان – على ثلث ثمار المدينة وينصرفا بقومهما . وجرت المفاوضة على ذلك . واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين . فقالا : إن كان الله أمرك : فسمعا وطاعة . وإن كان شيئا تحب أن تصنعه صنعناه . وإن كان شيئا تصنعه لنا ، فلا . لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا . أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك ، نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف . فصوب رأيهما .

    وقال إنما هو شيء أصنعه لكم ، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة .

    ثم إن الله عز وجل – وله الحمد – صنع أمرا من عنده خذل به العدو .

    فمن ذلك أن رجلا من غطفان – يقال له نعيم بن مسعود – جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال قد أسلمت ، فمر بي بما شئت . فقال إنما أنت رجل واحد . فخذل عنا ما استطعت . فإن الحرب خدعة . فذهب إلى بني قريظة – وكان عشيرا لهم – فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه . فقال إنكم قد حاربتم محمدا . وإن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها ، وإلا انشمروا قالوا : فما العمل ؟ قال لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن . فقالوا : قد أشرت بالرأي . ثم مضى إلى قريش فقال هل تعلمون ودي لكم ونصحي ؟ قالوا : نعم . قال إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم وإنهم قد أرسلوا إلى محمد أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم فإن سألوكم فلا تعطوهم . ثم ذهب إلى غطفان . فقال لهم مثل ذلك .

    فلما كانت ليلة السبت من شوال بعثوا إلى يهود إنا لسنا معكم بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف . فاغدوا بنا إلى محمد حتى نناجزه فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه . ومع هذا فلا نقاتل معكم حتى تبعثوا لنا رهائن .

    فلما جاءهم رسلهم قالوا : قد صدقكم والله نعيم . فبعثوا إليهم إنا والله لا نبعث إليكم أحدا . فقالت قريظة قد صدقكم والله نعيم . فتخاذل الفريقان .

    وأرسل الله على المشركين جندا من الريح فجعلت تقوض خيامهم ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها ، ولا طنبا إلا قلعته وجندا من الملائكة يزلزلون بهم ويلقون في قلوبهم الرعب كما قال الله ( 33 : 9 )  يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها  . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان } يأتيه بخبرهم . فوجدهم على هذه الحال وقد تهيئوا للرحيل . فرجع إليه فأخبره برحيلهم .

    فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق ، راجعا والمسلمون إلى المدينة . فوضعوا السلاح . فجاءه جبريل وقت الظهر فقال أقد وضعتم السلاح ؟ إن الملائكة لم تضع أسلحتها ، انهض إلى هؤلاء – يعني بني قريظة – فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة .

    فخرج المسلمون سراعا ، حتى إذا دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار . وقذف الله في قلوبهم الرعب . فقال لهم رئيسهم كعب بن أسد : إني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، خذوا أيها شئتم نصدق هذا الرجل ونتبعه . فإنكم تعلمون أنه النبي الذي تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة .

    قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا .

    قال فاقتلوا أبناءكم ونساءكم واخرجوا إليه مصلتي سيوفكم حتى يحكم الله بينكم وبينه .

    قالوا : فما ضر العيش بعد أبنائنا ونسائنا ؟

    قال فانزلوا الليلة . فعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوكم فيها لأنها ليلة السبت – لعلنا نصيب منهم غرة . قالوا : لا نفسد سبتنا . وقد علمت ما أصاب من اعتدوا في السبت . قال ما بات رجل منكم – منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما . ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فحكم فيهم سعد بن معاذ فحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء . وأنزل الله في غزوة الخندق صدر سورة الأحزاب . وذكر قصتهم في قوله ( 33 : 9 – 27 )  يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم  – إلى قوله –  وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم  ثم دخلت السنة السادسة .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302864
    أبو ناصر
    مشارك

    صلح الحديبية
    وفيها كانت وقعة الحديبية . وعدة الصحابة إذ ذاك ألف وأربعمائة . وهم أهل الشجرة ، وأهل بيعة الرضوان . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم معتمرا ، لا يريد قتالا . فلما كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث عينا من خزاعة يخبره عن قريش . حتى إذا كان قريبا من عسفان أتاه عينه فقالا : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا جموعا ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت .

    حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالد بن الوليد بكراع الغميم ، فخذوا ذات اليمين .

    فما شعر بهم خالد حتى إذا هو بغبرة الجيش . فانطلق يركض نذيرا . وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان في ثنية المرار ، التي يهبط عليهم منها : بركت راحلته فقال الناس حل حل . فقالوا : خلأت القصواء فقال ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل . ثم قال والذي نفس محمد بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .

    ثم زجرها فوثبت به . فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء . فلم يلبث الناس أن نزحوه . فشكوا إليه . فانتزع سهما من كنانته . وأمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه .

    وفزعت قريش لنزوله . فأحب أن يبعث إليهم رجلا . فدعا عمر فقال يا رسول الله ليس لي بمكة أحد من بني عدي بن كعب يغضب لي إن أوذيت ، فأرسل عثمان . فإن عشيرته بها ، وإنه يبلغ ما أردت . فدعاه فأرسله إلى قريش ، وقال أخبرهم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا ، وادعهم إلى الإسلام وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات . فيبشرهم في الفتح وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة حتى لا يتخفى فيها الإيمان .

    فانطلق عثمان . فمر على قريش . فقالوا : إلى أين ؟ فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ويخبركم أنه لم يأت لقتال . وإنما جئنا عمارا . قالوا : قد سمعنا ما تقول . فانفذ إلى حاجتك .

    وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص ، فرحب به . وحمله على الفرس ، وأردفه أبان حتى جاء مكة . وقال المسلمون قبل أن يرجع خلص عثمان من بيننا إلى البيت .

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون قالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص ؟ قال ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه .

    واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح . فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر . فكانت معركة . وتراموا بالنبل والحجارة . وصاح الفريقان وارتهن كل منهما من فيهم .

    وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل . فدعا إلى البيعة . فتبادروا إليه وهو تحت الشجرة . فبايعوه على أن لا يفروا . فأخذ بيد نفسه وقال هذه عن عثمان .

    ولما تمت البيعة رجع عثمان فقالوا له اشتفيت من الطواف بالبيت . فقال بئسما ظننتم بي . والذي نفسي بيده لو مكثت بها سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف . ولقد دعتني قريش إلى الطواف فأبيت . فقال المسلمون رسول الله أعلم بالله وأحسننا ظنا .

    وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة وهو تحت الشجرة ، فبايعه المسلمون كلهم . لم يتخلف إلا الجد بن قيس .

    وكان معقل بن يسار آخذا بغصنها يرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان أول من بايعه أبو سنان وهب بن محصن الأسدي ، وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات في أول الناس ووسطهم وآخرهم .

    فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء في نفر خزاعة – وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة – فقال إني تركت ابن لؤي وعامر بن لؤي : قد نزلوا أعداد مياه الحديبية ، معهم العوذ المطافيل . وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت . فقال إنا لم نجئ لقتال أحد . وإنما جئنا معتمرين . وإن قريشا نهكتهم الحرب وأضرت بهم . فإن شاءوا ماددتهم ويخلوا بيني وبين الناس . فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلا فقد جموا ، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقتلناهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذن الله أمره .

    قال بديل سأبلغهم ما تقول . فانطلق حتى أتى قريشا ، فقال إني قد جئتكم من عند هذا الرجل وسمعته يقول قولا . فإن شئتم عرضته عليكم .

    فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء . وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا .

    فقال عروة بن مسعود إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته . فقالوا : ائته . فأتاه . فجعل يكلمه . فقال له نحوا من قوله لبديل . فقال عروة أي محمد ، أرأيت لو استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى ، فوالله إني لأرى أو شابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك .

    فقال أبو بكر : امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ .

    قال عروة من ذا يا محمد ؟ قال أبو بكر . قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي – لم أجزك بها – لأجبتك .

    وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويرمق أصحابه . فوالله ما انتخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم . فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمر ابتدروا أمره . وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه . وإذا تكلم خفضوا أصواتهم . وما يجدون إليه النظر تعظيما له .

    فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك – كسرى ، وقيصر . والنجاشي – والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدا . والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده . ثم أخبرهم بجميع ما تقدم ثم قال وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .

    قال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا : ائته . فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن . فابعثوها له ففعلوا واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك . قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت . فرجع إلى أصحابه فأخبرهم . فبينا هم كذلك إذ جاء سهيل بن عمرو . فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل لكم من أمركم .

    ففال هات اكتب بيننا وبينك كتابا . فدعا الكاتب وهو علي بن أبي طالب – فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال إني رسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم على أن تخلوا بيننا وبين البيت . فنطوف به فقال سهيل والله لا تحدث العرب أننا أخذنا ضغطة ولكن ذاك من العام المقبل . فقال سهيل وعلى أن لا يأتيك رجل منا ، وإن كان على دينك ، إلا رددنه إلينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ .

    فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل وقد خرج من أسفل مكة يرسف في قيوده حتى رمى بنفسة بين أظهر المسلمين . فقال سهيل هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد فقال إذا والله لا أصالحك على شيء أبدا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم فأجزه لي قال ما أنا بمجتزه لك . قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل . قال أبو جندل يا معشر المسلمين كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا ترون ما لقيت ؟ وكان قد عذب في الله عذابا شديدا – قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ألست نبي الله ؟ فال . بلى . قلت : ألسنا على حق وعدونا على الباطل ؟ قال بلى . قلت علام نعطي الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال إني رسول الله وهو ناصري . ولست أعصيه . قلت . أو لست تحدثنا : أنا نأتي البيت ونطوف به ؟ قال بلى ، أفأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا . قال فإنك آتيه ومطوف به . قال فأتيت أبا بكر . فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وزاد فاستمسك بغرزه حتى نموت .

    فوالله إنه لعلى الحق . فعملت لذلك أعمالا . فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا . ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام ولم يكلم أحدا منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه .

    فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا . وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما . ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله ( 60 : 10 )  يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن  – حتى بلغ –  بعصم الكوافر  فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك .

    وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم أنزل الله سورة الفتح ( 48 : 1  إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  – الآية . فقال عمر أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال نعم . قال الصحابة هذا لك يا رسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله ( 48 : 4 ، 5 )  هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم  – الآيتين إلى قوله –  فوزا عظيما  

    ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير – رجل من قريش – مسلما ، فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك . فدفعه إلى الرجلين . فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة . فنزلوا يأكلون من تمر لهم .

    فقال أبو بصير لأحدهما : إني أرى سيفك هذا جيدا . فقال أجل . والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أرني أنظر إليه . فأمكنه منه . فضربه حتى برد . وفر الآخر . حتى بلغ المدينة . فدخل المسجد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إليه قال قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول .

    فجاء أبو بصير ، فقال يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم . فقال صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد .

    فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم . فخرج حتى أتى سيف البحر . وتفلت منهم أبو جندل . فلحق بأبي بصير . فلا يخرج من قريش رجل – قد أسلم – إلا لحق به .

    حتى اجتمعت منهم عصابة . فوالله ما يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم . فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302865
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة خيبر
    ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، مكث بالمدينة عشرين يوما ، أو قريبا منها . ثم خرج إلى خيبر . واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة وقدم أبو هريرة حينئذ المدينة مسلما . فوافى سباعا في صلاة الصبح . فسمعه يقرأ  ويل للمطففين  فقال – وهو في الصلاة – ويل أبي فلان له مكيالان إذا اكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالناقص .

    وقال سلمة بن الأكوع : خرجنا إلى خيبر . فقال رجل لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنياتك ؟ فنزل يحدو ويقول

    لا هم لولا أنت ما اهتدينا

    ولا تصدقنا ولا صلينا

    فأنزلن سكينة علينا

    وثبت الأقدام إن لاقينا

    إنا إذا صيح بنا أتينا

    وبالصياح عولوا علينا

    وإن أرادوا فتنة أبينا

    فقال صلى الله عليه وسلم من هذا السائق ؟ قالوا : عامر بن الأكوع . قال رحمه الله فقال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله لولا متعتنا به ؟ .

    قال فأتينا خيبر . فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة . فلما تصافوا خرج مرحب يخطر بسيفه ويقول –

    قد علمت خيبر أني مرحب

    شاكي السلاح بطل مجرب

    إذا الحروب أقبلت تلهب

    فنزل إليه عامر وهو يقول –

    قد علمت خيبر أني عامر

    شاكي السلاح بطل مغامر

    فاختلفا ضربتين . فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه . فذهب عامر يسفل له – وكان سيفه قصرا – فرجع إليه سيف فأصاب ركبته فمات .

    قال سلمة فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم زعموا أن عامرا حبط عمله فقال كذب من قال ذلك إن له أجران – وجمع بين إصبعيه – إنه لجاهد مجاهد ، قل عربي مشى بها مثله . ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قال قفوا فوقف الجيش .

    فقال اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين . فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، وخير ما فيها . ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها ، وشر ما فيها . أقدموا باسم الله .

    فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة . وكانت أرضا وخمة شديدة الحر . فجهد المسلمون جهدا شديدا . فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم . فوعظهم وحضهم على الجهاد .

    وكان فيهم عبد أسود فقال يا رسول الله إني رجل أسود اللون قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي . فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة ؟ قال نعم فتقدم . فقاتل حتى قتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه لقد حسن الله وجهك ، وطيب ريحك . وكثر مالك وقال لقد رأيت زوجتيه من الحور العين تتنازعان جبة عليه . وتدخلان فيما بين جلده وجبته .

    فافتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بعضها ، ثم تحول إلى الكعبة ، والوطيح ، والسلالم . فإن خيبر كانت جانبين الأول الشق والنطاة ، الذي افتتح أولا . والثاني : ما ذكرنا .

    فحاصرهم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه الصلح . ونزل إليه سلام ابن أبي الحقيق فصالحهم على حقن الدماء وعلى الذرية ويخرجون من خيبر ، ويخلون ما كان لهم من مال وأرض . وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة إلا ثوبا على ظهر إنسان .

    فلما أراد أن يجليهم قالوا : نحن أعلم بهذه الأرض منكم . فدعنا نكون فيها . فأعطاهم إياها ، على شطر ما يخرج من ثمرها وزرعها .

    ثم قسمها على ستة وثلاثين سهما ، كل سهم مائة سهم . فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم . نصفها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينزل به من أمور المسلمين . والنصف الآخر قسمه بين المسلمين  

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302866
    أبو ناصر
    مشارك

    قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة
    وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه . ومعهم الأشعريون : أبو موسى ، وأصحابه .

    قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن . فخرجنا مهاجرين إليه – أنا وأخوان لي – في بضع وخمسين رجلا من قومي . فركبنا سفينة . فألقتنا إلى النجاشي ، فوافقنا جعفر وأصحابه عنده فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا . فأقمنا حتى قدمنا فتح خيبر . وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة . فدخلت أسماء بنت عميس على حفصة . فدخل عليها عمر وعندها أسماء . فقال من هذه ؟ قالت أسماء . قال الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة . نحن أحق برسول الله منكم . فغضبت وقالت كلا والله لقد كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم . وكنا في أرض البعداء البغضاء . وذلك في ذات الله وفي رسوله وايم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك . فقال ما قلت له ؟ قالت قلت له كذا وكذا . قال ليس بأحق بي منكم . له لأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم – يا أهل السفينة – هجرتان  

    فكان أبو موسى وأصحاب السفينة يأتونها أرسالا ، يسألونها عن الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302867
    أبو ناصر
    مشارك

    محاصرة رسول الله بعض اليهود بوادي القرى
    ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى وكان به جماعة من اليهود ، وانضاف إليهم جماعة من العرب .

    فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة . فقتل مدعم – عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . كان رفاعة بن زيد الجذامي وهبه لرسول الله فقال الناس هنيئا له الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا ، والذي نفسي بيده . إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها القسمة لتشتعل عليه نارا فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك من نار ، أو شراكان من نار .

    فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا . وبرز رجل منهم . فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله . ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله . حتى قتل منهم أحد عشر رجلا . فقاتلهم حتى أمسوا . ثم غدا عليهم . فلم ترتفع الشمس قدر رمح حتى افتتحها عنوة . وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا . فقسمه في أصحابه .وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها . ولما رجع إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل  

    قالت عائشة رضي الله عنها لما فتحت خيبر قلنا :  الآن نشبع من التمر

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302868
    أبو ناصر
    مشارك

    بعث سرية إلى الحرقات
    ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقات من جهينة . فلما دنوا منهم بعث الأمير الطلائع . فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى دنا منهم ليلا ، وقد هدءوا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري . فإنه لا رأي لمن لا يطاع . ثم رتبهم . فقال يا فلان أنت فلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق كل منكم صاحبه وزميله وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول . أين صاحبك ؟ فيقول لا أدري . فإذا كبرت فكبروا . وجردوا السيوف . ثم كبروا وحملوا حملة واحدة . وأحاطوا بالقوم وأخذتهم سيوف الله  

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302869
    أبو ناصر
    مشارك

    عمرة القضية
    فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا عمرة القضية . حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الجحف والمجان والنبل والرماح . ودخلوا بسلاح الراكب – السيوف – وبعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها . فجعلت أمرها إلى العباس . فزوجه إياها .

    فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ليرى المشركون قوتهم – وكان يكايدهم بكل ما استطاع – فوقف أهل مكة – الرجال والنساء والصبيان – ينظرون إليه وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت . وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز يقول

    خلوا بني الكفار عن سبيله

    خلوا فكل الخير في رسوله

    قد أنزل الرحمن في تنزيله

    في صحف تتلى على رسوله

    بأن خير القتل في سبيله

    يا رب إني مؤمن بقيله

    إني رأيت الحق في قبوله

    اليوم نضربكم على تأويله

    كما ضربناكم على تنزيله

    ضربا يزيل الهام عن مقيله

    ويذهل الخليل عن خليله

    فأقام بمكة ثلاثا . ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى . فصاح حويطب نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا . فقد مضت الثلاث فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل  

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302870
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة مؤتة
    وسببها :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك الروم – أو بصرى – فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني . فقتله – ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره – فاشتد ذلك عليه فبعث البعوث . واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فتجهزوا . وهم ثلاثة آلاف .

    فلما حضر خروجهم . ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم . فبكى عبد الله بن رواحة . فقالوا ما يبكيك ؟ فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم . ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار ( 16 : 71 )  وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا  ولست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود ؟ فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم . وردكم إلينا صالحين . فقال ابن رواحة

    لكنني أسأل الرحمن مغفرة

    وضربة ذات فرع تقذف الزبدا

    أو طعنة بيدي حران مجهزة

    بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

    حتى يقال إذا مروا على جدتي :

    يا أرشد الله من غاز . وقد رشدا

    ثم مضوا حتى نزلوا معان . فبلغهم أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام وبلي وغيرهم مائة ألف .

    فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم .

    وقالوا : نكتب إلى رسول الله فنخبره . فإما أن يمدنا ، وإما أن يأمرنا بأمره فشجعهم عبد الله بن رواحة ، وقال والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة . وما نقاتل الناس بقوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظفر . وإما شهادة .

    فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع . فانحاز المسلمون إلى مؤتة . ثم اقتتلوا عندها والراية في يد زيد . فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم . فأخذها جعفر فقاتل بها . حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها . ثم قاتل حتى قطعت يمينه . فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره . فاحتضن الراية حتى قتل . وله ثلاث وثلاثون سنة .

    رضي الله عنهم . ثم أخذها عبد الله بن رواحة . فتقدم بها ، وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويقول

    أقسم بالله لتنزلنه

    لتنزلن أو لتكرهنه

    يا ظالما قد كنت مطمئنه

    إن أجلب الناس وشدوا الرنة

    مالي أراك تكرهين الجنة ؟

    ويقول أيضا

    يا نفس إن لم تقتلي تموتي

    هذا حمام الموت قد صليت

    وما تمنيت فقد أعطيت

    إن تفعلي فعلهما هديت

    ثم نزل فأتاه فناداه ابن عم له بعرق من لحم . فقال شد بهذا صلبك ، فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت . فأخذها فانتهس منها نهسة ثم سمع الخطمة في ناحية الناس . فقال وأنت في الدنيا ؟ فألقاها من يده وتقدم . فقاتل حتى قتل .

    ثم أخذ الراية خالد بن الوليد . فدافع القوم وخاشى بهم ثم انحازوا ، وانصرف الناس .

    وقال ابن عمر وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبه وما أقبل منه تسعين جراحة .

    وقال زيد بن أرقم كنت يتيما لعبد الله بن رواحة . فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله . فوالله إنه ليسير ذات ليلة إذ سمعته وهو ينشد شعرا :

    إذا أديتني وحملت رحلي

    مسيرة أربع بعد الحسام

    فشأنك فانعمي ، وخلاك ذم

    ولا أرجع إلى أهلي ورائي

    وجاء المسلمون وغادروني

    بأرض الشام مستنهي الثواء

    وردك كل ذي نسب قريب

    إلى الرحمن منقطع الإخاء

    هنالك لا أبالي طلع بعل

    ولا نخل أسافلها ورائي

    قال فبكيت . فخفقني بالسوط وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل  .

    سبحان الحي الذي لا يموت

    #302871
    أبو ناصر
    مشارك

    غزوة الفتح الأعظم
    وكانت سنة ثمان في رمضان .

    وسببها :  أن بكرا عدت على خزاعة في مائهم الوتير فبيتوهم وقتلوا منهم . وكان في صلح الحديبية أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش فعل فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير ، قريبا من مكة . وأعانت قريش بني بكر بالسلاح . وقاتل معهم بعضهم مستخفيا ليلا ، حتى لجأت خزاعة إلى الحرم .

    فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر لنوفل بن معاوية الديلي – وكان يومئذ قائدهم – يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك . فقال كلمة عظيمة لا إله له اليوم . يا بني بكر أصيبوا ثأركم . فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم . أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟

    فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه فقال

    يا رب إني ناشد محمدا

    حلف أبينا وأبيه الأتلدا

    قد كنتموا ولدا وكنا والدا

    ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا

    فانصر هداك الله نصرا أيدا

    وادع عباد الله يأتوا مددا

    فيهم رسول الله قد تجردا

    أبيض مثل البدر يسمو صعدا

    إن سيم خسفا وجهه تربدا

    في فيلق كالبحر يجري مزبدا

    إن قريشا أخلفوك الموعدا

    ونقضوا ميثاقك المؤكدا

    وجعلوا لي في كداء رصدا

    وزعموا أن لست أدعو أحدا

    وهم أذل وأقل عددا

    هم بيتونا بالوتير هجدا

    وقتلونا ركعا وسجدا

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم .

    ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة . بعثته قريش . وقد رهبوا للذي صنعوا   .

    سبحان الحي الذي لا يموت

مشاهدة 15 مشاركة - 91 إلى 105 (من مجموع 184)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد