مسحورة الرمل

حين مص الأصبع الصغري من الكف المرتخي ، صعقته رائحة الزئبق التي كانت تفور من جسدها الصغير ، ولأن الساحر ومذاق ذلك العنصر لا يلتقيان ، تركها في إغماءتها، وبجانبها قبر مفتوح ، وفر هاربا .

وفي الصباح كانت امرأة من البدو ترعى أغنامها ، حين شاهدت طفلة تائهة وقد جفت خيوط الدمع في وجهها الرطب واختنقت أنفاسها من شدة الخوف ، فحملتها في صمت ، وحين كبرت الصبية صارت ترعى الأغنام ، فتركتها المرأة وحيدة في المراعي.

وذات يوم وهي تجاهد في صف قطيع الغنم المبعثر أمامها ، ظهرت امرأة غريبة وأخذت ترقبها من بعيد وكلما اقتربت اتسعت قسمات الدهشة في وجهها إلى أن ركضت فحيتها واحتضنتها في لهفة ، في دهشة المفاجأة لم تبت الصبية ببنت شفة ، إلا أنها لم تقاوم تلك المرأة وكأنما شيء ما يشدها هي أيضا لحضنها .
.

وعندئذ ظهرت المرأة البدوية ورأت الصبية بين يدي المرأة الغريبة فانتشلتها بقوة, وهي تصرخ والغريبة تصرخ بدورها ، ظهر من بين الكثبان مجموعة من الرجال وسمعوا شجار الإمرأتين فاقتربوا منهن.

ادعت كلا المرأتين بأنها ابنتها ، والصبية ذاهلة ، تنتزعها رائحة الأمومة ويثنيها عزم امرأة البدو علي ردها ، أجتمع الناس حول الإمرأتين ، فأقترح أحدهم الذهاب إلى القاضي الذي يسكن في مكان قصي ، من قرية بعيدة ، ولبعد المسير
وصلوا اليه – بعد أن استعانوا بالدواب لحملهم كان الليل قد خيم ، و بدأت النجوم تتعارك في لمعانها ،أستمع القاضي لما للقصة ، فاختار القاضي أكثر النجمات سطوعا ، وأمر المرأتين أن يراقبانها طوال الليل ويحفظن المسافة التي ستقطعها في طريق السماء.

بقيت المرأتان شاخصتين إلى تلك النجمة ، ما لبث وأن داعب النعاس عيني المرأة البدوية فنامت .
وحين استفاق القاضي لصلاة الفجر، سألها عن مسار النجمة في السماء فأجابته بوجه نشر: بأنها تخطت سريعا محيط سماء القرية لتنطفئ هاوية وراء الجبل ، وحين سأل الأم أجابته بعينين ذابلتين ، بأن النجمة لم تتحرك من مكانها إلا بمقدار قيد حمار.
فحكم القاضي بأن الصبية هي أبنت المرأة الآخرى وليست بنت البدوية ، لأن الأم الحقيقة كابدت السهر لهفت لبنتها ، بينما البدوية خطف لنوم قلبها لأن الشغف بفلذة الكبد لا يسكنه ، فاستسلمت للنوم .