وفي يوم ابصر الغلام عبد الله بكهلين يتجهان نحوه من بعيد, واشتد عليهما الظمأ حتى جفت حلوقهما.

فقالا له: ياغلام احلب لنا من هذه الشياه ما نطفئ به ظمانا,ونبل به عروقنا.

فقال الغلام:لا افعل ,فالغنم ليست لي,وانا عليها مؤتمن,فبدا على وجههما الرضا.
ثم قال له احدهما:دلني على شاه لم ينز عليها فحل,فأشار الغلامالى شاه صغيره قربه منه,فتقد الرجل واعتقلها’وجعل يمسح ضرعهابيده وهو يذكرعليها اسم الله’فنظر اليها الغلامفي دهششه وقال في نفسه:
ومتى كانت الشياه الصغيره التي لم تنز عليها الفحول تدر لبنا؟!!!
فأخذ الرجل حجرا مجوفا من الارض وماه لبنا,فلم يصدق الغلام ما راهفلما ارتويا,قال الرجل المبارك لضرع الشاه انقبض’فمازال ينقبض حتى عاد على ما كان عليه.

عند ذللك قال عبد الله للرجل المبارك:

علمني من هذا القول الذي قلته.

فقال لي :انك غلام معلم.
عندها كانت قصه عبد الله بن مسعود مع الاسلام,حيث ان الرجل لم يكن الا النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يكن صاحبه الا ابو بكر الصديق رضي الله عنه.

فكانو قد نفرو الى شعاب مكه لفرط ما ارهقتهما قريش ولشده ما انزلت بهما من بلاء.

عرض عبد الله على رسول الله لخدمته,فوضعه الرسول صلوات الله عليه في خدمته وانتقل الغلام المحظوظ من رعايه الغنم الى خدمه سيد الخلق والامم.

فلزم الرسول وخدمه حتى دعي بصاحب سر رسول الله.فهتدى بهديه وتخلق بشمائله وتابعه بكل خصله من خصاله,حتى قيل عنه:
انه اقرب الناس الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)هديا وسمتا.

كان الرسول يسمر عند ابي بكر وكان معهما عمر فقال عمر:
خرج الرسول وخرجنا معه,فاذا رجل قائم يصليبالمسجد لم نتبينه,فوقف رسول الله يستمع اليه ثم التفت الينا وقال:

(من سره ان يقرأ القران رطبا كما نزل فليقراه على قراءه ابن ام عبد).
ثم جلس عبد الله يدعو فجعل الرسول عليه السلام:سل تعطه..

سل تعطه..

فقلت في نفسي فوالله لاغدون على عبدالله ولابشره بتأمين الرسول على دعائه ,فوجدت ابا بكر قد سبقني اليه فبشره..

ولا والله ما سابقت ابا بكر الى خير قط الا سبقني اليه.

فلم يكن عبد الله بن مسعود قائا عالما فحسب’وانما كان حازما مجاهدا.

فحسبهانه كان اول مسلم على ظهر الارض جهر بالقران بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فأسمعه للمشركين في مكه,فأوسعوه ضربا حتى بات دمه يسيل.

عاش عبد الله بن مسعود الى زمن خلافه عثمان بن عفان رضي الله عنه,فلما مرض مرض الموت جاءه عثمان عائدا ,فقال له:

ما تشتكي؟
قال :
ذنوبي.
قال :
فما تشتهي؟
قال:
رحمه ربي.
قال الا امر عطائك الذي امتنعت عن اخذه منذ سنين؟
قال:
لا حاجه لي به.
قال:
لبناتك من بعدك؟
قال:
اتخشى على بناتي الفقر؟
اني امرتهن ان يقران سوره الواقعه كل ليله…واني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)يقول:
(من قرأسوره الواقعه كل ليله لم تصبه فاقه ابدا).

ولما اقبل الليل لحق عبد الله بن مسعود الرفيق الاعلى ولسانه رطب بذكر الله.

رضي الله عنه وارضاه