الرئيسية منتديات مجلس القصص والروايات حكمة للبيع … دقيقة فقط

مشاهدة 9 مشاركات - 1 إلى 9 (من مجموع 9)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #137558

    حكمة للبيع … دقيقة فقط

    كنت أقف في دوري على شباك التذاكر لأشتري بطاقة سفر في الحافلة إلى مدينة تبعد حوالي 330 كم، وكانت أمامي سيدة ستينية قد وصلت إلى شباك التذاكر وطال حديثها مع الموظفة التي قالت لها في النهاية: الناس ينتظرون، أرجوكِ تنحّي جانباً. فابتعدت المرأة خطوة واحدة لتفسح لي المجال، وقبل أن أشتري بطاقتي سألت الموظفة عن المشكلة، فقالت لي بأن هذه المرأة معها ثمن بطاقة السفر وليس معها يورو واحد قيمة بطاقة دخول المحطة، وتريد أن تنتظر الحافلة خارج المحطة وهذا ممنوع. قلتُ لها: هذا يورو وأعطها البطاقة. وتراجعتُ قليلاً وأعطيتُ السيدة مجالاً لتعود إلى دورها بعد أن نادتها الموظفة مجدداً.

    اشترت السيدة بطاقتها ووقفت جانباً وكأنها تنتظرني، فتوقعت أنها تريد أن تشكرني، إلا أنها لم تفعل، بل انتظرتْ لتطمئن إلى أنني اشتريت بطاقتي وسأتوجه إلى ساحة الانطلاق، فقالت لي بصيغة الأمر: احمل هذه… وأشارت إلى حقيبتها.

    كان الأمر غريباً جداً بالنسبة لهؤلاء الناس الذين يتعاملون بلباقة ليس لها مثيل. بدون تفكير حملت لها حقيبتها واتجهنا سوية إلى الحافلة، ومن الطبيعي أن يكون مقعدي بجانبها لأنها كانت قبلي تماماً في الدور.

    حاولت أن أجلس من جهة النافذة لأستمتع بمنظر تساقط الثلج الذي بدأ منذ ساعة وأقسم بأن يمحو جميع ألوان الطبيعة معلناً بصمته الشديد: أنا الذي آتي لكم بالخير وأنا من يحق له السيادة الآن! لكن السيدة منعتني و جلستْ هي من جهة النافذة دون أن تنطق بحرف، فرحتُ أنظر أمامي ولا أعيرها اهتماماً، إلى أن التفتتْ إلي تنظر في وجهي وتحدق فيه، وطالت التفاتتها دون أن تنطق ببنت شفة وأنا أنظر أمامي، حتى إنني بدأت أتضايق من نظراتها التي لا أراها لكنني أشعر بها، فالتفتُ إليها.

    – عندها تبسمتْ قائلة: كنت أختبر مدى صبرك وتحملك.

    صبري على ماذا؟

    – على قلة ذوقي. أعرفُ تماماً بماذا كنتَ تفكر.

    – لا أظنك تعرفين، وليس مهماً أن تعرفي.

    – حسناً، سأقول لك لاحقاً، لكن بالي مشغول كيف سأرد لك الدين.

    – الأمر لا يستحق، لا تشغلي بالك.

    – عندي حاجة سأبيعها الآن وسأرد لك اليورو، فهل تشتريها أم أعرضها على غيرك؟

    – هل تريدين أن أشتريها قبل أن أعرف ما هي؟

    – إنها حكمة. أعطني يورو واحداً لأعطيك الحكمة.

    – وهل ستعيدين لي اليورو إن لم تعجبني الحكمة؟

    – لا، فالكلام بعد أن تسمعه لا أستطيع استرجاعه، ثم إن اليورو الواحد يلزمني لأنني أريد أن أرد به دَيني.

    أخرجتُ اليورو من جيبي ووضعته في يديها وأنا أنظر إلى تضاريس وجهها. لا زالت عيناها جميلتين تلمعان كبريق عيني شابة في مقتبل العمر، وأنفها الدقيق مع عينيها يخبرون عن ذكاء ثعلبي. مظهرها يدل على أنها سيدة متعلمة، لكنني لن أسألها عن شيء، أنا على يقين أنها ستحدثني عن نفسها فرحلتنا لا زالت في بدايتها.

    أغلقت أصابعها على هذه القطعة النقدية التي فرحت بها كما يفرح الأطفال عندما نعطيهم بعض النقود وقالت: أنا الآن متقاعدة، كنت أعمل مدرّسة لمادة الفلسفة، جئت من مدينتي لأرافق إحدى صديقاتي إلى المطار. أنفقتُ كل ما كان معي وتركتُ ما يكفي لأعود إلى بيتي، إلا أن سائق التكسي أحرجني وأخذ مني يورو واحد زيادة، فقلت في نفسي سأنتظر الحافلة خارج المحطة، ولم أكن أدري أنه ممنوع. أحببتُ أن أشكرك بطريقة أخرى بعدما رأيت شهامتك، حيث دفعت عني دون أن أطلب منك. الموضوع ليس مادياً. ستقول لي بأن المبلغ بسيط، سأقول لك أنت سارعت بفعل الخير ودونما تفكير.

    قاطعتُ المرأة مبتسماً: أتوقع بأنك ستحكي لي قصة حياتك، لكن أين البضاعة التي اشتريتُها منكِ؟ أين الحكمة؟

    – بَسْ دقيقة.

    – حسنا سأنتظر دقيقة.

    – لا، لا، لا تنتظر. بَسْ دقيقة… هذه هي الحكمة.

    – ما فهمت شيئاً.

    – لعلك تعتقد أنك تعرضتَ لعملية احتيال؟

    – ربما.

    – سأشرح لك: بس دقيقة، لا تنسَ هذه الكلمة. في كل أمر تريد أن تتخذ فيه قراراً، عندما تفكر به وعندما تصل إلى لحظة اتخاذ القرار أعطِ نفسك دقيقة إضافية، ستين ثانية. هل تعلم كم من المعلومات يستطيع دماغك أن يعالج خلال ستين ثانية؟ في هذه الدقيقة التي ستمنحها لنفسك قبل إصدار قرارك قد تتغير أمور كثيرة، ولكن بشرط.

    – وما هو الشرط؟

    أن تتجرد عن نفسك، وتُفرغ في دماغك وفي قلبك جميع القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية دفعة واحدة، وتعالجها معالجة موضوعية ودون تحيز، فمثلاً: إن كنت قد قررت بأنك صاحب حق وأن الآخر قد ظلمك فخلال هذه الدقيقة وعندما تتجرد عن نفسك ربما تكتشف بأن الطرف الآخر لديه حق أيضاً، أو جزء منه، وعندها قد تغير قرارك تجاهه. إن كنت نويت أن تعاقب شخصاً ما فإنك خلال هذه الدقيقة بإمكانك أن تجد له عذراً فتخفف عنه العقوبة أو تمتنع عن معاقبته وتسامحه نهائياً. دقيقة واحدة بإمكانها أن تجعلك تعدل عن اتخاذ خطوة مصيرية في حياتك لطالما اعتقدت أنها هي الخطوة السليمة، في حين أنها قد تكون كارثية. دقيقة واحدة ربما تجعلك أكثر تمسكاً بإنسانيتك وأكثر بعداً عن هواك. دقيقة واحدة قد تغير مجرى حياتك وحياة غيرك، وإن كنت من المسؤولين فإنها قد تغير مجرى حياة قوم بأكملهم… هل تعلم أن كل ما شرحته لك عن الدقيقة الواحدة لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة؟

    – صحيح، وأنا قبلتُ برحابة صدر هذه الصفقة وحلال عليكِ اليورو.

    – تفضل، أنا الآن أردُّ لك الدين وأعيد لك ما دفعته عني عند شباك التذاكر. والآن أشكرك كل الشكر على ما فعلته لأجلي.

    #1473673
    شهــلاء
    مشارك

    رااااائع خيتو
    اشتقت جدا لمواضيعك
    أتحفينا بجديدك دوما
    كل الود

    #1473720
    Snow Queen
    مشارك

    كالعادة متألقة اختى بلقيس

    دمتى بود

    #1473724

    “ubbcode-header”>صاحب المشاركة : شهــلاء”ubbcode-body”>رااااائع خيتو
    اشتقت جدا لمواضيعك
    أتحفينا بجديدك دوما
    كل الود

    تسلمي غاليتي شهلاء

    سعدت بإطلالتك الجميلة على القصة

    تقبلي أرق تحياتي

    #1473725

    “ubbcode-header”>صاحب المشاركة : Snow Queen”ubbcode-body”>كالعادة متألقة اختى بلقيس

    دمتى بود

    تسلمي غاليتي Snow Queen على المرور الجميل والإطلالة الأجمل

    تقبلي أرق تحياتي

    #1474004
    المغربي
    مشارك

    شـــــــكراااا بلقيس

    مبدعه دوومااااا وصانعه التميز في الطرح

    يعطيك الف عافــــيه

    #1474228

    “ubbcode-header”>صاحب المشاركة : المغربي”ubbcode-body”>شـــــــكراااا بلقيس

    مبدعه دوومااااا وصانعه التميز في الطرح

    يعطيك الف عافــــيه

    تيلم أخي المغربي نورت الصفحة بأطلالتك الجميلة

    تقبل خالص شكري وتقديري

    #1474872

    ~ْ :> امنح نفسك دقيقة > مشكورة خيتو على الطرح ~ْ > دمتِ بود .

    #1475141

    “ubbcode-header”>صاحب المشاركة : سامى المعاني”ubbcode-body”>~ْ :> امنح نفسك دقيقة > مشكورة خيتو على الطرح ~ْ > دمتِ بود .

    تسلم أخي سامي المعاني على المرور الجميل

    تقبل شكري وخالص تقديري

مشاهدة 9 مشاركات - 1 إلى 9 (من مجموع 9)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد