مشاهدة 5 مشاركات - 1 إلى 5 (من مجموع 5)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #144369
    تجليآت
    مشارك

    المظهر هو الشكل الخارجي للشيء أو الإنسان، أو الصورة التي يظهر فيها.. والتطور، في معنى ما، هو حل التناقض بين المحتوى والشكل، فلا بد للشكل، ومهما عصى المحتوى من أن يخضع له ويمتثل، فالفرق بين المريض والمتمارض إنما هو ذاته الفرق بين شكل يوافق المحتوى وشكل يخالفه.

    قلت هذا لعلَّني أُوفَّق في قول ما يجب قوله في مرض ثقافي وسلوكي وتربوي نعانيه هو مرض المظهرية، الذي هو مرض شرقي في المقام الأول، ولا نخطئ إذا ما نظرنا إلى النزعة المظهرية على أنَّها سبب لتخلُّفنا الاجتماعي والحضاري، أو نتيجة له، فالأمران سيان.

    الرجل كان عظيما، وقد شهد له التاريخ على عظمته.. لقد أتى مجلسا، فجلس عند الباب، فجاء أحدهم إليه ليُجلِسه في صدر المجلس، قائلا له: سيدي، لك الصدارة، فأجابه قائلا: الصدارة حيث أجلس!

    هذا الرجل إنَّما كان ممتلِئا كمثل غصن ممتلِئ ثمارا، ولا بد له، بالتالي، من أن ينحني. أمَّا المصابون بمرض المظهرية، في مجتمعاتنا الشرقية، فلا يعرفون تواضع ذلك العظيم، أو ذلك الغصن الممتلئ ثمارا؛ لأنَّهم غصون لا تحمل شيئا من الثمار، فديدنهم إنَّما هو الصدارة في كل شيء، والمظهرية، وكأنَّهم في حرص دائم على أن يلبسوا اللباس المفضَّل لـ الصفر وهو الغرور.

    إنَّهم كمثل الإعلان التجاري، يُظهرون أنفسهم، أو يظهرونهم، على أنَّهم خير الناس في صفاتهم وخواصهم الوظيفية حتى إذا خضعوا للاختبار الوظيفي الحقيقي والموضوعي حلَّ بهم ما حل ببضاعة ثبُت لدى استعمالها، أو استهلاكها، أنَّ صفاتها وخواصها الحقيقية لا تمت بصلة إلى صفاتها وخواصها في الإعلان التجاري.

    لقد أخذت الوظيفة، في مجتمعاتنا، من البيروقراطية أسوأ ما فيها، حتى غدت الشر الخالص للبيروقراطية، وموضعا وعملا يتركز فيهما ويتجلى الفساد الإداري مع كل ما يعنيه هذا الفساد من فساد أخلاقي وسلوكي وتربوي.

    إنَّ عظمة الأمة تكمن في قدرتها على تمييز العظيم من الصغير، والصغير من العظيم، فالأمة العظيمة إنما هي التي تزن أبناءها بـ ميزان المتنبي، الذي فيه نرى العظيم شخصا صغُرت في عينه العظائم، والصغير شخصا عظُمت في عينه الصغائر. ولا ريب في أن صغائر الأمور هي التي فيها تضرب المظهرية جذورها عميقا، فالمكان، في معناه الإداري والبيروقراطي، هو كل شيء، أما الذي يشغله، ويستحقه، بحسب معايير الفساد الإداري والوظيفي، فيجب أن يكون لا شيء. وشتان ما بين الذي يعظم بالمكان والذي يعظم به المكان، فالأول يظل جَمَلا مهما تزركش، بينما الثاني يفهم الصدارة على أنها الموضع الذي يجلس هو فيه ولو كان هذا الموضع موضع قمامة.

    إنني لم أرَ عظيما لديه ولو نزر من نزعة المظهرية، فنبْذ المظهرية، في شكله وعمله ونمط حياته، إنَّما هو الشيء الذي فيه، وبه، تتأكد عظمته وتظهر. أمَّا فاقدو المحتوى الحقيقي للعظمة فتراهم يتلهون عن عظائم الأمور بصغائرها، وكأنَّ الماكياج البيروقراطي هو شغلهم الشاغل، والهدف الذي من أجله يعيشون، وفي سبيله يصارعون ويهادنون!

    هؤلاء إنما هم أنماط من الشخصية الفردية والاجتماعية قضت مصالح تافهة بخلقهم، فخلقتهم على مثالها. وخالقوهم إنما خلقوهم عملا بمبدأ إذا أردتَ أن تملك شخصا فملِّكه. أما الطريقة فهي أن تأخذ ممن يستحق لتعطي من لا يستحق!

    #1531520
    صح لسانك
    موضوع اكثر من رائع
    طرح قيم ومفيد
    تقبلي مروري ودمت بحب وود وسلام لروحك الطيبة

    #1531523
    تجليآت
    مشارك

    ولسانكَ أٌخي
    بارككم الله

    #1531676
    ملاك رامز
    مشارك

    موضوع رائع أختي العزيزة

    #1531800
    تجليآت
    مشارك

    حياكم الله

مشاهدة 5 مشاركات - 1 إلى 5 (من مجموع 5)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد