مشاهدة 10 مشاركات - 1 إلى 10 (من مجموع 10)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #14583

    الكل سمع من حلال السيد خالد عن زكريا تامر و لكن لا يعرفه الجميع…لذا اود ان اطرح نبذة مبسطة عنه و لدي أمل في أن يقرأه شخص ما في وقت ما من عمر هذه المعمورة..شاكرة لكم حسن قرائتكم..و متمنية للجميع قراءة سعيدة..

    زكريا تامر
    ولد في دمشق عام 1931.

    تلقى تعليمه الابتدائي في دمشق ، ثم ترك التعليم ومارس مهناً عدة بينها الصحافة، كما عمل رئيساً لتحرير مجلة المعرفة، و عمل في مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة بدمشق، ورئيساً لتحرير مجلة الموقف الأدبي، ورئيساً لتحرير مجلة أسامة للأطفال، ونائباً لرئيس اتحاد الكتاب العرب.

    عضو جمعية القصة والرواية.

    مؤلفاته:
    1- صهيل الجواد الأبيض – قصص قصيرة – بيروت 1960.

    2- ربيع في الرماد -قصص قصيرة – دمشق 1963.

    3- الرعد -قصص قصيرة – اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1970.

    4- دمشق الحرائق -قصص قصيرة – اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1973. و 1978 ط2.

    5- لماذا سكت النهر – قصص للأطفال – دمشق 1973.

    6- البيت – قصة للأطفال – بيروت 1975.

    7- قالت الوردة للسنونو-قصص لأطفال – اتحاد الكتاب العرب- دمشق .1977

    8- النمور في اليوم العاشر – بيروت 1978.

    9- نداء نوح – قصص – لندن 1994.

    الملف المرفق صورة شخصية له..

    #396740

    بعض جمل د . كمال أبو ديب ، إذ يقول : ” زكريا تامر ، حفار قبور ما تحت الوعي العربي في زمن يحتشد فيه هذا إنما تحت بألف ألفٍ من المقموعات والمكبوتات والشهوات والرغبات ومكونات الفجيعة والانكسار والثورة والإجهاض والتناقضات والصراعات . إنه شاهد مبدع على عصره ، وصانع فنان لعالم مثير حتى الإرعاب .

    وأستطيع أن أضيف : بأنك ما أن تنتهي من قراءة أي قصة لزكريا تامر تردد بينك و بين نفسك بـ :

    شر البلية ما يضحك .. وإذا كان هناك في الفن التشكيلي لوحة خالدة اسميها ” الجوكنده ” أو ” الموناليزا ” . فأستطيع أن أقول أن ” نص ” زكريا تامر هو لوحة الإبداع الكتابي ، وهو المضحك المبكي ، هو الضحك بمرارة ، إن ” نص ” زكريا تامر يحيلك إلى ” قرد عاري ” . يقول لك : كم أنت سخيف إن لم تستطع أن تفعل شيئاً .

    إن قراءة قصص الأعمدة السبعة ومنهم زكريا تامر يصيبك بلحظة الاعتقال الكتابية أو بما يسمى الحبسة أحياناً ويجعلك تضحك بملء شدقيك على حالة الإسهال الكتابية التي تصيب بعض كتاب القصة القصيرة الآن ، الذين يكتبون القصة بشكل آلي دون أي وجع أو صرخة ، نص لا يثيرك إيجابيا لكنه يصيبك بالقرحة ، والنص الذي لا يحرضني ينفيني . إن نص ” زكريا تامر ” يأتي من ثقافة ” الهامش والمهمشين ” لا ينتمي بتاتاً لثقافة المتن أو السلطة أو ما يسمى بضاعة ” الكاتب النجم ” ، لذا أستطيع أن أختتم بأن ” نص ” زكريا تامر تناول مبكراً عشبة الخلود الإنسانية .

    كريم الهـزاع

    #396741

    زكريا تامر:الجوائز تمنح في ارذل العمر لانه لايوجد في العالم رامبو آخر

    حوار: مجدي ابوزيد

    بدأ القصة في منتصف الخمسينيات كحالة كثير من كبار المبدعين الذين بدأوا في العقدين الذهبيين الخمسينيات والستينيات. تعامل مع شظف الحياة مبكرا حيث فرضت عليه العمل في مهنة تحمل اقصى المفارقة حين يتشكل من رحمها وتفاصيلها مبدع بحجم زكريا تامر. ترك دراسته امعانا من الحياة في حرمانه من ابسط حقوقه لممارستها ومع ذلك لم ييأس او يسلم ناصية موهبته لمنغصات الحياة هذه المهنة هي الحدادة التي كان يقتات منها قوت حياته لكنه كان يستل خبز ابداعه من قبضة المواجع والقلب النابذ لكل التفاهات والبلادات اذ تسلح بالغضب والتمرد، استعان بالبصيرة لكي يقرأ ما خفي عن الجهلاء والمتعامين.

    لم يسع الى الاضواء، كان يكتب في صمت وينشر في هدوء لكن يبدو انه لم يتحمل الحياة حوله فغادر الى فضاء آخر ربما يحتويه فكانت لندن عاصمة الضباب فعمل كمحرر لدى شركة رياض الريس وتولى عمله ايضا كمدير تحرير مجلة الدستور وبدأ يلمع اسم زكريا تامر ولا غضاضة اذا قلنا ان مجموعة النمور في اليوم العاشر هي التي لفتت الانظار لابداع هذا الرجل، فقد كانت صدمة بكل المقاييس للذائقة العامة التي تعودت على الشخصيات الانسانية كمحور للحدث القصصي ومجريات السرد الفني بعدها او قبلها بقليل بدأت ترجمة هذا السيل من الانتاج «التامري» وقام البعض باعداد دراسات ورسائل ماجستير ودكتواره وهو مالم يحدث للكثير من المبدعين اللهم إلا في مجال الشعر مثل الشاعر العراقي البياتي على سبيل المثال.

    وزكريا تامر رجل رافض لكل شيء، لا يقبل مقولة ان مشروعه الابداعي خارج من عباءة ما، يجزم انه خارج السرب وانه لايغرد بل يحمل ناقوس الخطر بمعنى اخر لايشرح الواقع بل يشّرحه ويقترب بجرأة غريبة من الكتلة الغاطسة تحت سطح الحياة المعروفة ليقدم لنا نماذج مهولة وغريبة عن الوعي الساذج لكنها في نهاية الامر موجودة وبقوة لكنها تحتاج الى التبصر واعمال الوعي وفيما وراء المنظور والمشهود.

    اقتربت منه وانا ممتليء بتجربته القصصية التي تعتبر احدى العلامات الفارقة في القص العربي.. كل ما امتلكه هو قسوته السردية، وقانونه تجاه البشر ورعوده عن معنى الحياة وفحواها، حصان جامح لاتغريه البراري ولا ليونة الاعشاب رجل لايعترف «بالفخفخة» الحياتية، لا تغويه الطقوس والمراسيم، فهو وصيف المعاني المريرة، والقسوة المبررة والقوانين الانسانية المدفونة تحت ركام الصمت والخنوع.. جعل النمور تعتاش على النباتات، وسخر الموتى «المحمودي» لخدمة السلطان والجاه المستبد.. جمع بين رقة كاتب الاطفال وصلابة كاتب الكبار اقتربت منه فوجدته هادئا مخفورا بالطيبة والياسمين «قلت في نفسي: ها انت تخسر رهانك على طبيعة الرجل.. لكن ما ان بدأ الحوار حتى استعدت رهاني الرابح.. انه زكريا تامر الفائز بجائزة العويس، مناصفة، عن القصة القصيرة.

    ـ ماذا يعني لك حصولك على جائزة العويس في حقل القصة القصيرة؟ ـ لقد سعدت حقاً بفوزي بجائزة العويس، فهي تكريم لي وللقصة القصيرة العربية، فهذه أول مرة تمنح فيها جائزة العويس لكاتب لا يكتب غير القصة القصيرة، ويؤمن بها جنساً أدبياً مؤهلاً للتطور والتجدد، وبأنها قادرة على تفجير طاقاتها التعبيرية، والاستفادة من الأجناس الأدبية الأخرى.

    ـ الجوائز العربية متهمة بأنها تمنح غالباً للمبدعين في أغلب المجالات، وهم في أرذل العمر، فما تعليقك على ذلك؟ ـ من الروائع ان تمنح الجائزة لكاتب لايزال شابا، لكن مانحي الجوائز لا يستطيعون الاقدام على مثل هذه الخطوة، وهم مضطرون الى منح جوائزهم لمن قدم انتاجاً متكاملاً، وله اسهاماته في تطوير الأدب والثقافة، خاصة ان الوطن العربي لا وجود فيه لرامبو آخر. لكن في الحقيقة أنا مندهش من ان تمنح الجوائز لبعض الشباب بينما أساتذتهم مركونون على الرف.

    ـ بعض المبدعين الفائزين بجوائز كبيرة تنتابهم حالة من الكسل الابداعي، فماذا عنك بعد حصولك على هذه الجائزة الكبيرة؟ ـ ساذج من يظن ان الراحة المادية للكاتب تغريه بالتكاسل، فالكاتب مخلوق من لحم ودم، ويحق له ما يحق لغيره من الكائنات البشرية، أما الأوهام الزاعمة بأن الفقر ينمي الموهبة ويصقلها، وان الشقاء يشجع على الابداع والابتكار، لهي أوهام لا يليق بها الا الدفن، ومادمت كنت أكتب بنشاط من دون أي تقدير معنوي أو مادي، فليس من المعقول ان أستسلم للكسل بعد التقدير غير المتوقع الذي نلته، عموماً أنا كتاباتي مجانية وليس لها ثمن، لأنها للحياة والانسان.

    ـ كيف تنظر للقصة القصيرة؟ وهل ثمة تطورات لاحظتها في الأجيال الجديدة من مبدعي هذا الفن؟

    ـ القصة القصيرة هي بحق الغرفة الأنيقة التي تحتاج الى ذوق رفيع وحساسية مرهفة لتأثيثها بعناية فائقة، وهي شكل من أشكال التعبير الأدبي القادر على التطور والتجديد.

    ـ البعض يقول ان القصة العربية القصيرة أخذت شكلها النموذجي والمثالي على يد يوسف ادريس.. ما هو تعليقك؟

    بغضب شديد:

    ـ ما أكتبه من قصص ليس له أية علاقة بيوسف ادريس، وهذا القول ليس انتقاصاً من المكانة الفنية ليوسف ادريس، بل هو وصف لأمر واقع. ولا وجود لناقد عربي ادعى وجود مثل هذه الصلة بين عالمي القصصي وعالمه. يوسف ادريس نجح في التواصل مع النماذج الحياتية بلحمها وشحمها وواقعيتها، بينما أنا قمت بأسطرة الواقع عبر استدعاء واكتشاف نماذح انسانية لا تخطر على بال، لكنها موجودة. هذه الأحكام غير منصفة، وتعبر عن قراءة يعوزها الوعي، فما أكتبه بعيد كل البعد عن عباءة ادريس.

    ـ هل لنا بتوضيح أكثر تفصيلا في هذا الموضوع؟

    ـ لست ناقداً حتى أشمّر عن ساعدي وأحاول تحديدها اذا كان ادريس يملك حقاً عباءة تحولت الى دار توليد لأفواج من الأدباء الجدد الحاملين للروايات الادريسية يلوحون بها تخليدا للراحل الذي اختار التواري مبكراً تاركا لهم عباءته. وإذا وافقنا مرغمين على القبول بالزعيم الأوحد في المجالات السياسية، فهل المطلوب منّا متابعة المسيرة؟.. لماذا لا ننادي بالفريد الأوحد، بمعنى تباين البصمات الكتابية على مستوى الابداع.

    عموماً هذه الأحكام تعبّر عن حالة عربية متخلفة استمرأت شعار الزعيم الأوحد في كل المجالات. ويجب ان تعرف ان يوسف ادريس اشتهر بجرأته وبراعته في تصوير الواقع المصري، لكنه لم يشتهر ولم يعرف عنه انه كان مجدداً في مجال الأساليب الفنية أو أشكال القصة أو قدرته على المغامرة الفنية.

    ـ في فترة الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات كان بطل القصة هو محور النص والمؤثر الوحيد في الأحداث، وهو ما يرفضه النقّاد والمعاصرون، حيث فضّلوا ان تكون الشخصية علائقية، أي تستمد فاعليتها من خلال شخصيات هامشية رافضين في الوقت نفسه الاتكاء على شخصية تاريخية بحجة ان دلالاتها الماضوية تفتقر لخدمة المستقبل.. ما رأيك؟

    ـ بالنسبة للجزء الأول من سؤالك: أنا لا أهتم بما يقوله النقاد وبتصنيفاتهم الغريبة، فالناقد العربي في رأيي كائن غريب وطريف، فإذا كتبت عن دمشق قالوا انه يقصد بيروت، ولو كتبت عن الشرق قالوا انه يعني الغرب… وهكذا. أما بالنسبة للشخصية التاريخية فهي دليل آخر على رأيي في النقاد العرب وما يلوكونه من عبارات فارغة، لأن استخدامي احيانا يعتبر وسيلة من وسائلي لاثراء الواقع. تسليط المزيد من الاضواء على جوانب مظلمة، فكيف يمكن اضاءة الحاضر واستشراف المستقبل دون اللجوء الى تجارب التاريخ وشخصياته.

    ـ ما سر القسوة أو لنقل الافراط في القسوة ـ إن سمحت لنا ـ وذلك عبر رسم شخصيات تصل لحد العجائبية المهينة احياناً؟

    ـ سؤالك هذا يصلح لأن يسأله سائح لا يعرف الوطن العربي، لأنني أزعم بأن أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا استطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير.

    ـ هل انعكس عملك كحوار في هذه القسوة الابداعية؟

    ـ أشكرك على هذه الالتقاطة الجميلة، لكن يجب ان تعرف انني عملت نجاراً ايضاً، وعملي كحداد في بداية حياتي ليس له دور، أي دور في اسطرة الواقع، او في القسوة عليه، بل ان دوره ينحصر في كيفية تعاملي مع الواقع، لانني اعتبره مجرد مادة خام قابلة للتشكل، والحداد هنا قادر على ان يصنع من قطعة حديد واحدة مئات من الاشكال، كل شكل له استخدام مختلف عن الاخر، ولقد علمتني الحدادة القدرة على استيلاد اكثر من واقع مرير يختفي في الواقع السائد والمألوف لنا، لذلك ما اكتبه لا اعتبره قسوة، كل ما افعله هو ان اضع القارئ امام المسكوت عنه، او غير المقروء، او المدجن.

    «النمور في اليوم العاشر» هي التي قدمت زكريا تامر للناس، رغم انه يكتب القصة منذ منتصف الخمسينيات، هذه القصة التي انتهت باستئناس النمرالى ان تحول الى حيوان كاريكاتوري.. هل هذا هو رهانك على الانسان العربي؟

    ها انت وقعت في الخطأ الذي وقع فيه كثير من النقاد والقراء.

    لم يفكر احدكم، او بذل جهداً فكرياً في معنى اختياري للنمر كنموذج لهذه القصة. النمر يا عزيزي هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع ان يعود الى طبيعته الحيوانية في اية لحظة مهما حاولت ان تدعي ترويضه واستئناسه في السيرك مثلاً.. لذلك فإن قصة النمور في اليوم العاشر تعني في المقام الاول ان الانسان العربي سيعود الى طبيعته الانسانية الحقة ليصلح الاوضاع العائلية، والدليل على ذلك ما يحدث في فلسطين المحتلة الان.

    ـ لكنك انهيت القصة على ان النمر تحول بشكل نهائي الى كائن يخضع لشروط سيده؟ ـ وهل مطلوب مني ان اضع الحلول لكي تتحول قصصي الى خطبة منبرية عصماء.. القصة الحقيقية هي التي تتسم بالنهايات المفتوحة، وليس ذنبي انك اخفقت انت وغيرك في فهم دلالة وجود النمر كبطل لقصتي.

    ـ وما دلالة اليوم العاشر؟

    ـ لا دلالة ولا يحزنون انها مجرد صدفة وهي من عندياتي.

    ـ ما جديد تامر زكريا الابداعي؟

    ـ لدي ثلاث مجموعات قصصية بعنوان الاغتيال، ولماذا سكت النهر، وسنضحك، قد ترجمت الى اللغة العربية. اما مجموعة «نداء نوح» فقد ترجمت الى الايطالية. ولقد صدر لي هذا الشهر مجموعة قصصية جديدة بعنوان «تكسير ركب».

    ـ لماذا اشعر من خلال صوتك وملامح وجهك بأنك غاضب من شيء ما، او ناقم على اشياء حدثت لك في هذه الرحلة؟

    ـ كم وددت ان تعفيني من هذا السؤال، لكنني سوف اقول لك ما يصلح للنشر.. جائزة سلطان العويس معروفة ومهمة للمبدعين العرب، وكل يوم تكتسب مصداقية ما.. ولقد انتظرت طويلاً ان يرشحني ناقد او مفكر، او مبدع كبير، فلم يحدث، وكنت اشعر بضيق شديد من هذا التجاهل لي. وعندما علمت ان المبدع بامكانه ان يرشح نفسه، استغربت كثيراً من هذا الذي يقول عن نفسه «انا مبدع كبير يستحق جائزة» .. وظللت على هذا الاستغراب والرفض، حتى وجدت الوقت يمر وانا ارى كبار المبدعين يرشحون انفسهم، ويفوزون، لذلك قمت بترشيح نفسي للجائزة، وهذا الامر يحزنني جداً رغم فوزي بالجائزة. اما باقي الامور فلا داعي لها منها لأني اشعر بالاشمئزاز بمجرد تذكرها.

    زكريا تامر في سطور

    ولد زكريا تامر بدمشق عام 1931، واضطر الى ترك الدراسة عام 1944، وبدأ كتابة القصة عام 1958، وكتب ايضاً المقالة القصيرة الانتقادية وقصص الاطفال، ويقيم في بريطانيا منذ عام 1981.

    تولى مناصب عدة منها على سبيل المثال رئيس تحرير لمجلة الموقف الادبي السورية، ومدير تحرير لمجلة الدستور بلندن، ومدير تحرير لمجلة الناقد، اضافة الى عمله كمحرر ثقافي لدى شركة رياض الريس للكتب والنشر بلندن. صدرت اولى مجموعاته عام 1960 وكانت بعنوان «صهيل الجواد الابيض». وتعتبر مجموعة النمور في اليوم العاشر من العلامات الكبرى في مسيرته القصصية

    وقد اعدت عن قصصه دراسات ورسائل ماجستير ودكتوراه في العديد من الجامعات العربية والاوروبية. كما ترجمت اعماله الى اللغة الفرنسية والروسية والانجليزية والالمانية والايطالية والبلغارية، والاسبانية «كتابان» والصربية (ثلاثة كتب). كتب 27 قصة للاطفال تشرف في كتيبات مصورة وفي عام 1985 كان يعد صفحتين اسبوعيتين للاطفال في جريدة «القبس» الكويتية، وكذلك كان يقوم بالاشراف على صفحات الاطفال لمدة سنتين بجريدة «الاخبار» الاردنية، فضلا عن الزوايا الاسبوعية واليومية والشهرية في عدد من المجلات السورية والعربية بشكل عام.

    ولقد ساهم زكريا تامر في تأسيس اتحاد الكتاب بسوريا في اواخر عام 1969 وكان رئيسا للجنة سيناريوهات افلام القطاع الخاص في مؤسسة السينما في سوريا. شارك في مؤتمرات وندوات عقدت في بقاع شتى من العالم. وكان رئيسا للجنة التحكيم في المسابقة القصصية التي اجرتها جريدة «تشرين» السورية عام 1981، والمسابقة التي اجرتها جامعة اللاذقية عام 1979، وكان عضوا بلجنة المسابقة القصصية بمجلة «التضامن» بلندن واخيرا صدر له في الشهر الماضي مجموعة قصصية جديدة بعنوان «تكسير ركب».

    تحتاجوا رياضة قاسية للتهضيم بعد هذا الحوار

    #396742

    تزفيت الوطن والمواطن! – زكريا تامر
    أذيع البلاغ رقم واحد الذي زفّ إلي المواطنين العرب البشري بوقوع أول انقلاب عسكري، سيحرر الأرض من الاحتلال والاستغلال، وينقل الجنة من السماء إلي الأرض، ويهب قصورها مجاناً للمواطنين قاطبة، فبادرت المرأة الغريبة الأطوار والمسماة بالحرية إلي الخروج من بيتها في الوطن العربي، ولم تعد إليه، واختفت كأنها لم تكن يوماً موجودة، فتساءل عنها الناس بقلق، وظنوا أن سيارة مسرعة أو دبابة قد دهستها، ولكنهم لم يجدوا اسمها في سجل أي مستشفي أو مخفر شرطة، وتذكروا أنها كانت تدّعي امتلاك قدرات ستتيح لهم أن يتكلموا متي شاؤوا معبرين عن كل آرائهم من دون خشية من أحد، وأن يختاروا نوابهم في البرلمانات وحكامهم ودساتيرهم وقوانينهم ونوع الحياة القادر علي إسعادهم.
    وقد رجح الناس أن اختفاءها غير المسوغ ربما كان سببه أنها قد فقدت ذاكرتها فجأة، ولم تعد تتذكر أنها تملك بيتاً في الوطن العربي أو أنها آثرت الهجرة إلي بلاد قصية وطابت لها الإقامة بها إلي حدّ أنها نسيت وطنها الأصلي أو أنها اعتقلت لكونها لا تملك بطاقة هوية، ولكن كل السجناء المطلق سراحهم نفوا بثقة أنها مسجونة، ولما تعاقبت الأحداث التي برهنت للناس أن حاكمهم هو الحر الأوحد، ولم يخلقوا إلا لخدمته وإطاعته وتمجيده، تأكدوا من أن الحرية قد قتلت ودفنت في مكان مجهول، ولكنهم لم يقنطوا، وظلوا يطمحون إلي الاهتداء يوماً إلي قبرها حتي يزوروه طالبين منها أن تقهر موتها وتعود إليهم، ولو عادت إليهم لما عرفتهم، فالذين كانوا يؤمنون بأنهم قادرون علي تغيير العالم لم يعودوا قادرين علي تغيير جواربهم، والذين كانوا يحلمون بهدم كل السجون بنوا السجون في أفواههم ورؤوسهم، والذين كانوا يحملون المعاول والرفوش لحفر القبور لكل الأوثان تحوّلوا عبيداً لها، والذين كانوا يضحكون بغير سبب باتوا لا يضحكون إلا في الأعياد الرسمية، والذين كانوا رعوداً منذرة بأشرس العواصف أصبحوا أحذية مهترئة، والذين كانوا جياداً غير مروضة صاروا دجاجاً يقوقيء ويبيض، ولكن الحرية لن تستغرب ما جري لهم، فما إن تختفي الحرية من حـياة الناس حتي يسود الانهيار.

    #396743

    لا تتجاهلوا كلبه! – زكريا تامر
    يتكاثر اليوم في العالم السياسي عدد التواقين إلي الظفر برضا الرئيس الأمريكي من دون أن يوفقوا أدني توفيق لكونه جفظاً جعظاً جنعاظاً حتي أنهم صاروا فرائس لقنوط يجعل الدم ماء وسخاً متناسين أن الحياة شجرة فاكهة لا تهب ثمرها إلا للمجتهد الأريب الذي ما إن يواجه باباً مقفلاً حتي يشمر عن ساعديه وركبتيه باحثاً عن المفتاح المناسب، ولا وجود في الأرض لباب بغير مفتاح.
    ولا أحد منهم ليس بالمجتهد، وسيكتشفون بعد تفكير قصير خطأهم الجسيم عندما اهتموا بالرئيس وحده، ولم يهتموا بكلبه وما له من مكانة مرموقة لا تخفي علي كل ذي بصر وبصيرة، فالرئيس لا يدلي بتصريح بالغ الأهمية إلا ويده تلامس عنق كلبه، ولا يعلن قراراً خطيراً إلا وهو يداعب كلبه بأصابع تذوب حناناً ورقة، ولو حاولوا أولاً الظفر برضا الكلب لما كان الظفر برضا سيده صعباً، ولن يضيرهم نبذ أصواتهم البشرية وإتقان النباح بشتي أنواعه وأشكاله، فكل الوسائل مستحسنة إذا كانت الغاية سامية كغايتهم.
    ولن يضيرهم أيضاً أن يتخلوا عن المشي علي قدمين، فهو موضة متخلفة لا تتلاءم مع ما في العالم من متغيرات ومستجدات جديدة، وسبق لهم أن كانوا رواداً في المشي علي أربع في المجالات السياسية والفكرية، وآن الآن لمشيهم أن يتطور ويتجدد، وسينسون كل عنائهم لحظة يبتهج كلب الرئيس وهو يراهم يدبون علي أربع مقبلين مدبرين.
    ولن يضيرهم امتلاك الذيول الأصيلة، فلديهم الكثير من المال الآتي بغير تعب، وفي استطاعتهم إغراء أشهر مصممي الأزياء في العالم بابتكار ذيول بالغة الأناقة والفخامة، فهذا ذيل إيف سان لوران للنحيف، وذلك ذيل أرماني للسمين، وذاك ذيل شارل جوردان للبطين. أما إضافة الذيول إلي الأجسام، فالطب الحديث يحوّل الكركدن عصفوراً دورياً.
    ولعل الرئيس حين يلمحهم يتهارشون مرحين مع كلبه سيُعجب بهم إلي حد أنه قد يطرد كلبه، ويستخدمهم بدلاً منه، فينالون ما كانوا يصبون إليه، ويصبحون من كلاب الرئيس لا من رجاله، والفرق لا يؤبه له إذا كانت الغاية سامية كغايتهم.

    #396744

    احتار أحد الأدباء في إيجاد الوسيلة التي تجعل الناس يهتمون به وبما يكتبه..
    كتب كلاماً مرتعشاً عن الحب، لا هو بالنثر ولا هو بالشعر، يغري قارئه بالصياح: ليتني كنت أمياً! ..
    وكتب القصص القصيرة التي وصفها قراؤه بأنها تسئم وتسقم، وعسيرة كلحظة الموت..
    ونظم الشعر، فبادر أبو نواس إلي الانسحاب من حزب الشعر نافياً أية صلة به، وابتعد عن حياة اللهو والمجون، وأطال لحيته، وبات لا يفارق المساجد، وأعلن الناطق الرسمي باسم الشعر أن الشعر نفسه أصيب في حادث مؤسف، وانتقل إلي رحمة الله تعالي..
    وكتب الرواية، فهيمن علي الحياة الثقافية ما ملخصه أن الرواية هي ديوان العرب للثرثرة السمجة..
    وكتب مسرحيات جادة متجهمة عن الوجود والعدم وعبث الحياة، ولكن الناس أقبلوا عليها بوصفها مسرحيات فكاهية..
    وكتب مقالات قصيرة ساخرة مرحة، فإذا سخريتها هي الدب الذي يعتقد أنه غزال، وإذا مرحها دخان وغبار يزهقان الأنفاس..
    وكتب النقد الأدبي في الصفحات الثقافية في الجرائد العربية، وكلما تمادي في انتقاد كتاب والاستخفاف به سارع القراء إلي شرائه، وأعجبوا به، وحفظوه عن ظهر قلب..
    وأجري مع الصحافة مقابلات طالب فيها بأن تعم الحرية وينتشر التحرر، فإذا النساء يرتدين الملاءات فوق الملاءات، ويضربن عن الحبل والولادة حتي ساد الحب العذري بين الزوجات والأزواج، وإذا الرجال يصيدون الغربان، ويضعونها في الأقفاص بغية التمتع بأصواتها الملأي بالشجن..
    وكتب ضد الحكومات، فإذا ما كتبه يدفع الناس إلي كتابة الرسائل الغرامية الحارة إلي حكوماتهم..
    وكتب الكثير من المديح والهجاء، ولكن استياء الممدوح فاق استياء المهجو..
    ولما أخفق ذلك الأديب في كل مجال دبّ إليه، خطر له أن ينتحر، وأعجب بفكرته، ووجدها أفضل وسيلة لإثارة الاهتمام به، وبادر إلي تنفيذها، ومات في ريعان الكهولة، وسار في جنازته مشيعون كثيرو العدد، ففرح، وآمن أنه محبوب، ولكن ما إن وضعت جثته في حفرة القبر، وأهيل فوقها التراب حتي فوجئ بالمشيعين يطلقون الزغاريد المرحة، فاغتاظ وأسف، ولكنه سرعان ما ابتسم إذ تذكر أن كتبه لا تزال تباع في الأسواق وتثأر من قرائها.

    #396745

    وقف أحد الحجاج العرب علي جبل الرحمة بعرفة، ورنا إلي السماء متضرعاً إلي الله بصوت خاشع متهدج نابع من قلب يئن تحت جبال من الحزن..
    تضرع إلي الله أن يطيل أعمار الحكام العرب، فهم زينة الحياة الدنيا والربيع والخريف والصيف والشتاء، واختفاؤهم من الحياة يعني اختفاء العدل والحرية والزهد والتواضع الجم واحتقار المال..
    تضرع إلي الله أن يلهم الجيش الأمريكي فيرسل طائراته وصواريخه إلي سماء الأرض العربية لتخلص المدن والقري من فوضي طرقها وقبح أبنيتها، ولتخلص الناس من حياة دكناء ليس فيها ما يسر ويغري بالبقاء..
    وتضرع إلي الله أن تكف الشمس عن الشروق كل صباح، فالظلمة تستر والنور يفضح..
    وتضرع إلي الله أن يزداد عدد السجون حتي يتاح لكل معوز الحصول علي قوته اليومي من غير جهد يحول الصخور غباراً..
    وتضرع إلي الله مطالباً بأن تستمر الصحافة العربية في عدائها المر للنفاق والكذب..
    وتضرع إلي الله أن تصبح صفحات الكتب بيضاً من غير سوء منكر يسمي بالكلمات..
    وتضرع إلي الله أن تختفي الفواكه واللحوم من الأسواق حتي لا تري العيون ما يجلب الهم والغم والحسرة..
    وتضرع إلي الله أن يتزايد الحر في الفصول الأربعة حتي لا يضطر أي واحد إلي ارتداء الثياب وشرائها، وتتحقق المساواة في الشكل الخارجي بين الشحاذ والمليونير..
    وتضرع إلي الله أن تسير الأنهار إلي الوراء مقلدة بعض الناس، فلا مسوغ للاختلاف بينهما ما داما يعيشان علي أرض واحدة..
    وتضرع إلي الله أن يتخلي التجار في الميادين السياسية عن مقتهم للمال، ويوافقون علي بيع أوطانهم بأبخس الأسعار، ويصبح مالكها هو المسؤول الوحيد عن العناية بعقاراته البشرية والحجرية..
    وتضرع إلي الله أن تتابع الحرية انتصاراتها، وتنتقل من حرية التثاؤب إلي حرية التمطي إلي حرية التشاجر مع الزوجات..
    وتضرع إلي الله أن يرحم عباده، فتختطف أرواحهم وهم يشاهدون المسلسلات التلفزيونية المسلية.
    وكان الحاج العربي شديد الإيمان بأن تضرعاته ستحظي بمنصت لها لا يمهل ولا يهمل.

    #396746

    عاد الكاتب إلي غرفته في آخر الليل محني الظهر متأبطاً الجريدة اليومية التي يكتب فيها، وقد طوح بها إلي الأرض بحركة ازدراء، وتأهب لخلع ملابسه، فاغتاظت الجريدة منه، وبدا لها صلفاً غير مؤدب، وقالت له متسائلة : لماذا تصرّ علي الكتابة كل يوم ما دمت محشواً بالتأفف؟ .
    فقال الكاتب فوراً : من الحمق أن يسأل الإنسان عن سبب استمراره في الشهيق والزفير .
    قالت الجريدة: وهل ما تكتب عنه منتقداً يتغير؟ .
    قال الكاتب: من المدهش أن ما أكتب عنه يسارع إلي التغير ليصبح أسوأ وذا بطن وظهر ومخالب وأنياب .
    قالت الجريدة: ما دام لا شيء يتبدل، فما جدوي كتاباتك؟ .
    قال الكاتب: كأنك تتناسين أن الحي يتكلم والميت لا يتكلم .
    قالت الجريدة: لماذا تركز علي ما هو سلبي متجاهلاً ما هو إيجابي؟ .
    قال الكاتب: ما هو إيجابي انتقل إلي دار الفناء، ولم يبق علي الأرض العربية إلا ما هو سلبي يختال ويزمجر .
    قالت الجريدة : كيف تستطيع تجاهل دم الشهداء؟ .
    قال الكاتب : سأكون مقصراً حين أتجاهل المتاجرين بدم الشهداء .
    قالت الجـريدة : ما رأيك في ما تكتبه؟ .
    قال الكاتب : إنه تبديد للورق والحبر والجهد، ولا بد منه ما دام يهجو عدواً .
    قالت الجريدة : هل ستتجرأ علي هجاء القتلة؟ .
    قال الكاتب : إذا جبنت عن هجائهم، فلن أغمرهم بالتمجيد .
    قالت الجريدة : ماذا ستكتب غداً؟ .
    قال الكاتب : سأكتب عن جريدة ثرثارة تشبه مخفر شرطة .
    قالت الجريدة : أري أصابع يديك تستعد لتمزيقي، وسأسكت طلباً للسلامة .
    وبادرت الجريدة إلي السكوت، ولكن سكوتها لم يكفـل لها النجاة من التمزيق.

    #396747

    في أوائل الأربعينيات، كنت طفلاً يعيش في دمشق، ويحلو له التفرج علي دكاكين بائعي الفواكه التي كانت تمتليء آنذاك بالبرتقال المستورد من فلسطين.. البرتقال اليافاوي والبرتقال الشموطي والبرتقال أبو سرة، وكان البرتقال فاكهتي المفضلة، ولكني كنت في الوقت نفسه محباً لكل أنواع الفاكهة والخضروات إذ كنت أكره اللحم وآكل كل ما هو نباتي حتي أن أمي كانت تقول لأبي: لدينا خروف يصلح لعيد الأضحي، ولن نحتاج إلي شراء خروف آخر .
    وكان البرتقال الفلسطيني آنذاك هو سيد البرتقال عصيراً ونكهة ومذاقاً وطعماً ورائحة، ويُقشر بسهولة بأصابع اليدين مثلما تقشر الموزة، ومن غير حاجة إلي السكين، ولم أكن شاذاً في هذا التصرف، بل كنت أتصرف مثل غيري، فالبصل للطهو يُقطّع بالسكين، أما البصلة اليابسة التي ستؤكل نيئة مع الطعام، فتوضع علي سطح صلب، وتهوي عليها قبضة قوية لتهرسها بحجة أن السكين تفقدها نكهتها، والشخص الذي يُضبط وهو يقشر سفرجلة ويقطعها بالسكين، يُعامل كأبله.
    وقد أتيح لي في ما بعد أن آكل برتقالاً متعدد الجنسيات، ولكن البرتقال الفلسطيني ظل هو المفضل، وعندما أقمت في بريطانيا، وجدت أنها تستورد البرتقال من إيطاليا واسبانيا واليونان والمغرب وإسرائيل، وفي يوم أغبر اشتقت إلي برتقال فلسطين، فاشتريت برتقالة إسرائيلية متجاهلاً قوانين المقاطعة العربية للمنتوجات الإسرائيلية، وقلت لنفسي مسوغاً شراهتي غير الوطنية: هذه برتقالة فلسطينية بريئة، نبتت في أرض فلسطينية استولي عليها الإسرائيليون بالقوة ، ولكني لما أكلتها تذمرت كأني كنت آكل الجنرال موفاز، فقد كانت البرتقالة بغير طعم لا تختلف عن الفواكه الأخري التي لها شكل لائق، وليس لها أي طعم أو نكهة، فأحسست بالفرح والشماتة، وبدا لي أن البرتقال الفلسطيني يكره الإسرائيليين أيضاً، وعندما أُرغم علي العطاء لم يعط إلا ما يعبر عن كرهه لهؤلاء الأغراب الذين لا يمتون إليه بصلة، وآكلو لحوم البشر يزعمون أن لحم المأكول الذي يُقتل مهاناً معذباً لا يكون شهياً مثل لحم المأكول الذي يقُتل فجأة وهو يضحك.

    #396749

    أفاق أحد النقاد العرب من نومه، وتمطي وتثاءب وهو يشعر براحة من نام مائة سنة، وارتدي ثيابه علي عجل، وخرج من بيته، وسار في الشوارع قاصداً مقهاه ملتهفاً علي تدخين النرجيلة واحتساء عدة فناجين من القهوة، فبوغت في أثناء مشيه باكتشافه أنه لا يري الأحياء فقط بل يري أيضا الأموات غير المرئيين لغيره من الناس، وتأكد من أن ثمة أمراً غامضاً قد حدث له وهو نائم، وجعله مالكاً لتلك المقدرة الغريبة التي تمكنه من رؤية الكثير من الأدباء العرب الأموات المتسكعين في الشوارع، وحدق إلي ما حوله بفضول:
    كان الكاتب المصري مصطفي لطفي المنفلوطي يهرع في الشوارع باحثاً بإلحاح عن الشاعر السوري أدونيس وهو يصــيح بحنق: إذا أراد أن يتابع السطو علي إنجازاتي البلاغية، فليكن جريئاً، ويكف عن الاختباء وراء أقنعة الحداثة .
    وكان الشاعر والمسرحي المصري نجيب سرور يحوص متنقلاً بحيرة من رصيف إلي رصيف محاولاً الاهتداء إلي مبني السفارة الصومالية كي يقدم إليها طلباً للحصول علي الجنسية الصومالية والتخلي عن الجنسية العربية.
    وكان الشاعر اللبناني خليل حاوي جالساً علي أحد الأرصفة يحملق بسخرية إلي مظاهرة غاضبة تتعالي فيها الهتافات المنددة بأمريكا وإسرائيل، ويتمتم بصوت متهدج آسف: لو كان الكلام ينفع لما انتحرت!
    وكان القاص المصري يوسف ادريس يدخل المكتبات ليغادرها محملاً بكتب لكتّاب آخرين، ويمزقها بحركات نزقة وهو يقول: عندما كنتُ حياً كانوا كلهم أقزاماً، وعندما رحلت عن الحياة صاروا كلهم عمالقة .
    وكان الشاعر العراقي بدر شاكر السياب ملتصق الظهر بحائط، يقرأ ديواناً من الشعر الحديث، وقد رمي بالديوان فجأة إلي الأرض، وقال بصوت يقطر ندماً: لو كنت أعرف أن تطويري للشعر العربي سيؤدي إلي مثل هذا الشعر الهراء لقضيت حياتي كلها أنظم الشعر مقلداً أحمد شوقي وابن سكرة .
    ولما ملّ الناقد من التفرج علي الأدباء الأموات، سارع إلي مقهاه، ودخله، وطلب نرجيلة وفنجان قهوة، فأهمل الجرسون طلبه، وعامله كأنه غير موجود وغير مرئي، فذهل الناقد، وأيقن أنه قد مات في أثناء نومه، وأخرج من جيبه قلمه وأوراقه البيض، وابتدأ يكتب آراءه الحقيقية في أدباء سبق له أن امتدحهم وقارنهم بكبار الأدباء في العالم، وكانت آراؤه الجديدة تنصحهم بالعمل في أية مهنة ما عدا مهنة الأدب، وقد توقف عن متابعة الكتابة قانطاً عندما تنبه إلي أن ما سيكتبه لن يصل إلي القراء.

    __________________________________________

    هذا ما لملمته اليوم من وراء ما نثره زكريا تامر..
    و النعاس و بكل صدق قد غزاني و لم يبقي ولم يذر فيني شيئاً من التحمل و مقاومته ذرة واحدة..لذا..

    أحلام سعيدة للجميع…

    تحياتي

مشاهدة 10 مشاركات - 1 إلى 10 (من مجموع 10)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد