الرئيسية منتديات مجلس الثقافة العامة الراحل علی غير الهدی

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #147980
    alnadabi
    مدير عام

    سلام الكندي عثر على كنز الشعر الجاهلي وعلى فلسفته وميتافيزيقاه

    مترجم «الراحل على غير هدى» محمد بنعبود لــ شرفات  :-
    حاوره في المغرب محمد عابد –
    يعتبر الكاتب والمترجم الأستاذ محمد بنعبود واحدا من بين أهم المترجمين الذين رسموا لنفسهم مسارا متفردا في مجال الترجمة، بالإضافة إلى كونه دارس أدب، وكاتب قصة ورواية وسيناريست. حاصل على الإجازة في اللّغة العربية وآدابها (الأدب القديم) ودبلوم كلّية علوم التّربية، يشتغل في مجال التّفتيش التّربوي بالثّانويات المغربية، عضو اتّحاد كتّاب المغرب. صدرت له ضمن منشورات اتّحاد كتاب المغرب مؤخرا رواية «قصبة الذّئب» ونشرت له وزارة الثّقافة المغربية مجموعته القصصية «تجاويف». كما أن القناة المغربية الثّانية أنتجت له سيناريوهين من تأليفه «وتسقط الخيل تباعاً» و»غزْل الوقت»، وتُعدّ الآن لإنتاج الثّالث «نرجس والبهلوان»، له دراستان تربويتان منشورتان مع مجموعة من المؤلّفين، وله حتّى الآن اثنا عشر كتاباً مُترجماً، آخرها أربعة ضمن مشروع (كلمة) للتّرجمة بأبو ظبي، كلّها لألكسندر دوما (كسّارة البندق/ بياض الثّلج وحكايات أخرى/ عصيدة الكونتيسة بيرت/ طرديّات، نصوص في الصّيد) وكتابان في سلسلة (إبداعات عالمية) للحكّاء والشّاعر والمؤرّخ الماليّ الفولانيّ أمادو همباطي با (لا وجود لخصومات صغيرة وحكايات حكماء إفريقيا…)، وحوارنا اليوم مع الأستاذ محمد بنعبود سيدور حول كتاب «الراحل على غير هدى، شعر وفلسفة عرب ما قبل الإسلام « للباحث العماني سلام الكندي.
    وسياق هذا الحوار جاء بعدما لفت انتباهي مقالان يوجدان بأرشيف جريدة عمان الثّقافيّ، أحدهما للدّكتور إبراهيم بن حمود الصبحي والثاني للأستاذ عاصم الشيدي، يتحدّثان معاً عن كتاب سلام الكندي، ورغبة في تنوير قرّاء جريدة عمان، نظراً للأسئلة القلقة التي يطرحها الكاتبان معاً عن الكتاب وعن صاحبه، وبما أنّ صلة وثيقة تربطني بمحمد بنعبود، اتّصلت به فدار بيننا هذا الحديث.

    * أستاذ محمّد، أنت ترجمت حتّى الآن اثني عشر كتاباً، لكن من بين هذه الكتب التي ترجمتها والتي أثارت بعض اللّغط، كتاب (الرّاحل على غير هدى، شعر وفلسفة عرب ما قبل الإسلام) للباحث العماني سلام الكندي. هلا حدثتنا عن كيفية انبثاق فكرة ترجمته؟
    نعم، حصل ذلك بداية تسعينيات القرن الماضي. ذات يوم وجدت في بريدي مظروفاً مكتنزاً يحوي ثلاثة كتب. روايتا جيلربت سينويه «المصرية» و»ابنة النّيل» وكتاب «الراحل على غير هدى» لسلام الكندي. ثم أتاني عبر الهاتف صوت الصّديق النّاشر، الشّاعر العراقي خالد المعالي يقترح علي ترجمتها. وأنت ربّما تعلم أنّ علاقتي بخالد المعالي كانت توطّدت قبل ذلك، عندما كنت أترجم لفائدة مجلّته «عيون»، فصولاً من كتاب ميلان كونديرا «الوصايا المغدورة»، في أفق نشره في كتاب عندما تكتمل ترجمة الفصول، لكنّ إخواننا بالمشرق سبقونا إلى ذلك، فعدلنا عن الفكرة.

    * عوّضتم ذلك إذن بترجمة الكتب الثّلاثة التي ذكرتَ

    نعم. ولنترك الآن روايتي سينويه. تصفحت كتاب سلام الكندي، فبدا لي مختلفاً تماماً عمّا أشتغل عليه من كتب في العادة (السّرد عامّة)، لا بل تهيّبت ليس فقط من موضوعه، وإنّما بالخصوص من طريقة كتابته، فأسررت لخالد المعالي بتوجّسي، إلاّ أنّ إجابته لم يكن فيها أيّ شيء مما يُساعدني على الانسحاب. بل بالعكس قال لي إنّه سيربط الاتّصال بيني وبين سلاّم، وسيطلب منه أن يُيسّر لي الحصول على الأصول العربية للأشعار التي يتناولها بالدّرس، وكذلك كان.

    * لم يتردّد سلاّم الكندي طبعاً في الاتّصال بك وتسهيل مهمّتك.

    توصّلت بمكالمة هاتفية منه (ويجب أن أُشير هنا إلى أمر يتعلّق بطرق سلام الكندي في التّواصل، فهو لا يتواصل إلاّ بالهاتف والفاكس، فلا بريد إلكتروني ولا أي وسيلة أخرى من وسائل الاتّصال الحديثة). طلب منّي رقم الفاكس، وهوّن علي الأمر، فشرعت في العمل. وكنت كلّما فرغت من فصل أرسله إلى خالد المعالي الذي يعرضه عليه، وكنت لا أتوّصل منه إلاّ بالتّشجيع وحتى بإبداء بعض الإعجاب، ما جعلني أشدّ أزري وأعزم على مواصلة مُقارعة بنيته الجميلة والرّائعة لكن الصّلبة أيضاً والمنتصبة. طفِق يُرسل لي بعض الأصول الشّعرية، ما جعلني أربح بعض الوقت أخصّصه للتّرجمة وللعودة إلى المعلّقات في أصولها العربية، لأنّ ما كان يُرسله سلام الكندي أشعار أخرى غير المعلّقات، فهو لم يعتمد في بحثه، كما هو معلوم على المعلّقات وحسب.

    * لكن ما الموضوع الذي يتناوله هذا الكتاب على وجه التّدقيق، حتى يُثير كلّ هذه الآراء المتضاربة.

    تصفّح شبكة النّيت يجعلك تأخذ فكرة وافية عن مقدار التّقدير الذي استقبل به هذا الكتاب. إنّ باحثين رصينين وذوي تكوين أدبيّ نقديّ عميق، من عمان ومن غيرها من البلاد العربية، استطاعوا أن يتلمّسوا ما في هذا الكتاب من عمق وجدّة. والأمر كذلك بالفعل. فسلام الكندي يبني كتابه على مسلّمة أنّ الشّعر الجاهليّ (وهو لا يتّفق مع هذا النّعت) يجب أن يُدرس كما هو لا على ضوء ما أتى بعده، بمعنى أنّ الجاهليين، إن استمررنا، مثله، في استعمال هذه الصّفة لضرورة منهجية، كانوا جاهليين، ولا يحقّ لأحد أن يدرس ما خلّفوه من أشعار على ضوء قيم أتت مع الإسلام. فأيّ ضير في هذا؟ وهو يُبين بالحجّة أن القيّم الإسلامية أنتجت شعرها الخاصّ بها الذي لا علاقة له البتّة بما ورد منها قبل ذلك. فهل هناك عاقل يمكنه أن يُجادل الباحث في هذا؟ ثمّ إنّ سلاّم الكندي لم يبق في بحثه في حدود المنهج الذي كان مختلف الباحثين يتناولون به الشّعر الجاهلي. بمعنىً آخر، لم يبق عند السّطح. لقد نفد مُدجّجاً بآلات سبر منهجية وبمعرفة فلسفية متنوّعة إلى أن عثر على (كنز الشّعر الجاهلي)، على فلسفته وميتافيزيقاه. إنّ قارئ الكتاب المتمعّن والمدقّق والصّبور، سيجد أنّ سلاّم الكندي قد أوثق الصّلة بين الشّعر الجاهليّ والشّعر الكونيّ، حتّى لتجده أحيناً يُفسّره بقرينه المُنتج في القرن العشرين. ولعلّ ذلك ما جعل ألان باديو، أستاذ الفلسفة الفرنسي يُبدي أسفه على تأخّر الغرب في الاطّلاع على الأشعار العربية الضّاربة في الزّمن، وما جعله يرمي الغرب بنعوت قاسية لعدم مُبالاته بها.

    * بالفعل، يُثار اسم هذا الفيلسوف في بعض المقالات، وقد ذهب البعض حدّ إطلاق بعض التّلميحات التي قد تبدو مغرضة.

    أنا أعتقد، على العكس من ذلك، أنّ من حسن حظّ سلام الكندي أن أطّره في بحثه فيلسوف مثل ألان باديو. كلّما وسّع الباحث من مداركه ونوّع من مصادرها أمكن لمُنتجه أن يكون أرحب وأخصب. فلو لم يطّلع سلاّم على علم النّفس وعلى الاتّجاه الفلسفي الظّاهراتي والوجودي لظلّ بحثه في تلك الحدود المعروفة التي تشرح الأبيات وتعلّق عليها، وكأنّ نقّادنا الأفذاذ القدامى تركوا شيئاً من ذلك لم يقولوه. طه حسين نفسه، والذي يُثيره بعض كتّاب المقالات المتناولة لكتاب سلاّم، لم يكن بإمكانه أن يُجدّد دماء البحث في الشّعر الجاهلي لولا اطّلاعه المباشر على آراء ونظريات المستشرقين التي تنحو منحىً مختلفاً عمّا كان سائداً.

    * لكن، قبل هذا كلّه، هل تمّ فهم كتاب سلاّم الكنديّ بقدر يسمح بالحكم عليه؟

    لقد أورد الدّكتور ابراهيم بن حمود الصبحي، في مقاله الذي أشرتَ إليه، جملة دالّة وواضحة (المؤلّف مكتوب للنّخبة). هذا هو عين الصّواب. إنّ الذي يُريد أن يقرأ هذا الكتاب كما تُقرأ الكتب المعروفة المؤلّفة عن الشّعر الجاهليّ، لن يخرج منه بشيء. العبارة في هذا الكتاب مقدودة ومحسوبة. لا زيادة ولا نقصان. لا ترهّل ولا تقتير، ما يجعل قراءة الفقرة تتطلّب فطنة وتركيزاً مُتناهيين. للضّمائر في الكتاب دور حملٍ للمعنى، تستدعي القارئ إلى الوقوف والعودة إلى الخلف. يبدو المعنى في هذا الكتاب، أحياناً، هارباً، يحتاج، بعد العين والعقل، إلى الشّعور والإحساس، كالإبداع. القارئ العجل، سيقذف بالكتاب مع أولى الصّفحات. ونظراً للكثافة التي كُتب بها هذا البحث، عانيت كمترجم بشدّة في البحث عن المقابلات اللّغوية. ولعلّ قارئاً مُدقّقاً سيُلاحظ عن حقّ أنّ أثر التّعبير الفرنسيّ يُلمح هنا وهناك في فصول الكتاب. وكنت أعي ذلك، وقد وجدت نفسي بين خيارين لا ثالث لهما: إمّا أن ألتجئ إلى (تعريب) الأسلوب بشكل كامل، فأخضعه للتّعابير التّقليدية والكليشاهت المحفوظة والمسكوكات التي يُحبّها ويستسيغها غالبية القرّاء، أو أن أظل شديد الالتصاق بطريقة التّعبير المختارة في الأصل، والمتّسمة بالدّقة والكثافة. الطّريقة الأولى من وجهة نظري تُفسد متعة الكتاب وتُعيده، وهو لا يُريد ذلك، إلى الأنماط الأسلوبية المستهلكة القريبة من التّعابير الإنشائية المدرسية، والطّريقة الثّانية تُتعب في القراءة وتوهم أحياناً بانفصالها عن النّهج التّعبيري العربي السليم…

    * ففضّلت إذن الطّريقة الثّانية

    نعم، فقد قدّرت أنّني سأجني على الكتاب إن (سهّلت) لغته ومطّطتها. طريقة التّعبير في الأصل الفرنسيّ ذات صلة بموضوعه نفسه، بمعنى أنّ اللّغة الفرنسية نفسها تسع عبارات مطّاطة (واضحة) كان يُمكن للباحث أن يلتجئ إليها، لكنّه لم يفعل، فكيف يفعل المترجم ما لم يفعله الكاتب؟ لكنّني سعدت جدّاً بقراءتي لبعض المقالات التّحليلية التي كتبها باحثون ذوو مقدرة. إنّهم بحديثهم الدّقيق عن الكتاب أبانوا أنّ التّرجمة لم تكن من غير فائدة.

    * يُثير البعض أيضاً فكرة تستحقّ الوقوف. يقولون كيف يكتب سلام الكندي كتاباً بهذه الجودة ولا يكتب بعده شيئاً؟

    أنا أرثي لحال الباحث سلام الكندي حقّاً. إنّ الذي يكون كتابه الأوّل بهذا الإشعاع ينتابه عادة شعور غريب بصعوبة تجاوز علوّ الحاجز الذي نصبه لنفسه بنفسه. فهل كتب الطّيب صلاح غير «موسم الهجرة إلى الشّمال»، رغم ما كتبه؟ وهل كتب محمد شكري غير «الخبز الحافي»، رغم ما كتبه؟ وسربانتيس هل استطاع أن يكتب شيئاً آخر غير «الدون كيخوطي دي لا مانشا»؟ يمكنني أن أسرد لك أعلاماً كثراً جعلهم كتابهم الأول الذي كتبوه يتهيّبون كتابة غيره. وأنا آمل أن لا يكون هذا مآل سلاّم الكندي. لا بل أنا على يقين من أنّ له في أدراجه أبحاثاً أخرى.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد