مشاهدة 8 مشاركات - 1 إلى 8 (من مجموع 8)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #19821
    venos
    مشارك


    عابر مع المارّة

    ذات مساء مستعر بالمارّة في شارع الجامعة كنت وحدي وكانت (الوحدي) هذه تسيطر على كل مشاعري حتى لكأنني أشعر أن لا وجود لأي أحد في الشارع.

    كانت الأكتاف تتصادم مراراً في المشهد الواحد وكانت تصادمني أنا أيضاً لتوقظني بين الفينة والأخرى… أمّا الوجوه فكانت كلها تشبه بعضها… لا تكاد عيناي تخرج من وجه حتى تصطدم بالآخر وكأنه نفس الوجه يتكرر من جديد لا فرق بين وجوه الرجال والأطفال والنساء… نفس المشاعر التي كانت تبثها ، نفس الدماء نفس الأحاسيس، إنك وإن حاولت أن تتعمق من خلال أعين هؤلاء الناس لتعبر إلى المشاعر أو ما تحكيه أنفسهم فإنك لن ترجع إلا خاسراً فإن عيونهم لا تقول شيء… لا تقول شيء على الإطلاق، أو إنني أنا كنت أشعر كذلك.
    كنت لا أشعر إلا بنفسي بين هذا السيل الجارف من البشر يسير باتجاهين متعاكسين وأنا أشعر بهم يسيرون في نفس الاتجاه لأنني لم يكن يهمني إلى أين يذهبون تماماً كما لا أعلم إلى أين!! إضافة إلى أنني أنا نفسي لم أكن أذهب إلى أي مكان…
    كان ضجيجاً يملأ المكان، أصوات سيارات وزمامير وأناس يتكلمون وآخرون يصرخون، وآخرون يهمسون، حفيف أحذية على الإسفلت وتنفس ونبض قلوب كلها كانت تتشارك بصوت واحد هادر في أذني لا أستطيع تجاهل أي جزء فيه…
    كان يملأني المكان فأنسى الزمان ولا أشعر به إطلاقاً…
    وفي لحظة من لحظات التنقل بين الوجوه بقصد أو بدون قصد يقع بصري بذلك الوجه…
    لم يكن يراني كان ينظر إلى الأسفل… إلى الأرض…
    في اللحظة ذاتها يصمت ذلك الضجيج من أذني، لا أكاد أسمعه، لم أعد أشعر به إطلاقاً ولم أعد أشعر بالحركة – كل الأشياء بدت تتحرك ببطئ شديد والصوت بدأ يعود خفيفاً خفيفاً متقطعاً….
    أركز نظري إلى عينيه الباحثتين… إنه يبحث عن شيء ما، وكان مليء بالمشاعر كانت تنسكب إنسكاباً من عينيه المتلألئتين… وكان في أعماقه حديث أكاد أسمعه بوضوح إنه لا يحمل هذا الحديث فحسب بل كان يتكلمه في سره بصوت عالٍ مسموع…

    يقترب مني وسط الزحام… لم يكن يراني أتمايل قليلاً كي لا يتصادم كتفي بكتفه فأوقضه، كما لا أريده أن يوقظني وكان شرودي هذا إليه إلى أعماق عينيه الحزينتين… أتمايل فيعبر… وأستدير أنا لأواصل الطريق من خلفه… يوزع نظره بسرعة تحت أرجل الناس وهو يتحدث مع نفسه… يتحدث عن شيء ما… عن مال… عن جوع… عن أكل… عن أطفاله وعن الطريق وعن الناس وعن لا يكترثون، يصل نظره في حافة الرصيف إلى شيء ما كان يبحث عنه يقترب من الحافة بسرعة وبدون أن يشعر من حوله بما يقوم به – أو ما سيقوم به- يرفع بصره للمرة الأولى إلى أعين المارّة وفي لمحة كان قد انحنى ليلتقط العلبة الفارغة، يقلبها ناحية فوهتها ويثنيها من الوسط بين أصابعه المتسخة وهو ينظر إلى الناس وكأنه لا يفعل شيء، وكأنه يقول بعينيه أنا مجرد عابر مثلي مثلكم… لم يكن مجرد عابر عندما أدخل العلبة الفارغة إلى كيس النايلون الأسود لم يكن مجرد عابر عندما عادت عيناه إلى الأسفل تنظر حيث الأقدام… لم يكن مجرد عابر إذ لم يكن ينظر للأحذية أو الأقدام…
    إنه مجرد فقير يبحث عن العلب الفارغة ليلتقطها ويبعيها في مكان ما لأناس ما لم يبحثوا عنها ليتقاضى منها مبلغاً حتماً سيكون زهيداً ليطعم به أطفالاً ما ينتظرونه في مكان ما في زمانٍ ما…
    كان يمشي…
    وكنت أمشي من خلفه، كان يجمع العلب وكنت أجمع من خلفه كلاماً وكلاماً كان يسقط غصباً عنه…
    وبين كلامه والضوضاء التي بدأت تعود إلى مسمعي وقفزات الوجوه الصاخبة تتداخل ببصري ومع اصطدام كتف أحدهم بكتفي ومزمار مزعج من سيارة ينتقل العجوز الطاعن في السن إلى الجانب الآخر من الشارع والكيس الأسود يتدلى في يده كأنه عائد من التسوق ويختفي وسط الزحام في الجانب الآخر. كثيرين لا يعرفون ماذا يحمل ذلك العجوز وكثيرون لا يكترثون مما يحمله ذلك العجوز.
    لكن الذي أنا أعرفه أنه كان يحمل علب فارغة ليبيعها. يوماً ما سأقابل هذا العابر من جديد وسأضيعه من جديد… أين ومتى؟؟!

    #430936
    مجد العرب
    مشارك

    تحية وتقدير لـ ( venos )

    كل عام وأنت بخير ، وأتمنى لك التوفيق في دراستك .

    أخي العزيز مقالك هذا جعلني أعيش بجو الأردن عندما كنت طالبا هناك ، حيث شعرتُ ما شعرتَ به عن هذا الرجل المسكين الذي غلبه الفقر والجوع ، وفاز بعزة النفس ، وقطع دابر مد اليد للناس من أجل المادة التي تمكنه من شراء أي شيء يسد الرمق والجوع لصغاره . وهناك الكثير من أمثال هذا الرجل الكريم الذي لا يسأل الناس ، ومثل هؤلاء فعلا يستحقوا مد يد المساعدة لهم ، إلا أن البعض يفسد عليهم هذا الجو أي مد يد المساعدة للفقراء ، وذلك من خلال التسول .

    #431328

    اخوتي venos و مجد العرب, اذا كان هذا حال الكثيرين في بدلنا عمان يجمعون العلب الفارغة في المقاهي والشوارع وبين الزقاق حتى ومن داخل سلة القمامة!! هذا ونحن من دولة خليجية نفطية, او بالمعنى الأصح دولة غنية, فماذا يكون حال اولائك الشعب في الدول التي لا تحظى بما تنعم به بلدان الخليج بشكل عام وبلدنا بشكل خاص من خيرات؟؟

    اللهم رحماك, فلقد صارت تلك العادة (جمع العلب الفارغة) هي كعادة روتينية في كثير من القرى, تجد الأطفال يجمعون تلك العلب وكأنهم لا يجدون ما يأكلوه ليسترزقوا منها مع انهم ليسوا كذلك.

    #431428
    venos
    مشارك

    هنا في السلطنة …. ربما لنا ان نسميها عادة

    ذلك ان الذين يجمعونها يجمعونها غالبا بجهل وان فيها مكسب بغض النظر عن دناءة المشهد

    شارعنا يحتاج المزيد والمزيد من الثقافة

    متى ؟

    #431429
    venos
    مشارك

    المختبر العلمي

    شكرا على المداخلة

    واكرر كلمة ( عادة ) هنا عندنا

    #431515

    اخي venos بالضبط كما اتفقنا عليه بانها عادة, وهي نابعة عن جهل عند الغالبية ولا ننكر انها عند البعض عن فقر وحاجة.

    #433902

    السلام عليكم

    اخي قد اعجبتني كلماتك التي رسمتها بين السطور بفرشاتك الادبية و قد اخذتني الى عالم آخر و الذي سميته انت ب (الوحدي) ….

    احببت ان امشي معك في تلك اللحظة لكن لم تشاء الظروف الا ان اصادف خيالك و هو يمشي و يتفكر بين الجموع فاخذت بمتابعته فلم يكن يهمني سوى سماع هذيانه فمشيت و مشيت و انا اتابعه بسمعي و ها انا ارى ان صوته بدا يخبو تارة و يرتفع تارة كأن صراعا رهيبا بين شخصين و خرج احدهم و بدا الصوت يخبو و يخبو و قد انتبهت اني امشي و هدير المطر من حولي و انا متبلل من اعلى الراس الى ادنى القدمين فعدت ادراجي الوم المطر على فعلته و قطع تلك اللحظة التي ارتحت فيها

    و اسمح لي تتطفلي بالدخول و تمنياتي لك بالعودة سالما غانما من عمرتك ان شاء الله

    تحياتي الابدية

    #441570
    النقيض
    مشارك

    اخي فينوس :

    هذا زماننا فقد سلب منا ضعف ما وهب لنا ، فليقنع صاحبنا بقضاء الله وقدره.
    ( الحمد لله تعالى على كل حال ) يسوء ويسر ويحلو ويمّر ، ولا أيأس من روح الله في إباحة صنع يجعل ربعه مناخي ويقصر مدة البعاد والتراخي ، ويقبل إليّ بعد اعراض ، واستأنف بعزته عيشاً عذب الموارد والمناهل مأمون الآفات والغوائل .

    الاخ / فينوس :
    هناك صلة بين هذا الموضوع وموضوع طرحته سابقاً بأسم ( لاسعاد السوي) غريب امرك .

    وحقيقة الامر ان امرك غريب ، اغلب مواضيعك دائماً ما تكون قريبه من الطبقة الفقير دائماً .
    مثال على ذلك :
    انا وبائعة العلك
    ومواضيع اخرى لا اذكرها حالياً

    الرد على :


    وكنت أمشي من خلفه، كان يجمع العلب وكنت أجمع من خلفه كلاماً وكلاماً كان يسقط غصباً عنه…


    نفسي افهم ذلك الكلام الذي تسمعه!!

    على فكرة ما حطيت في اسفل الموضوع نسخ للتوزيع

    تحياتي المتناقضة…

مشاهدة 8 مشاركات - 1 إلى 8 (من مجموع 8)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد