السلام عليكم …

نظرية كل شيء Theory of Everything

يعكف العلماء منذ بضعة عقود على دراسة واحدة من أهم قضايا الفيزياء المعاصرة المتعلقة بتوحيد القوى الطبيعية العاملة في الكون: ذلك ان الفيزيائيين يعتبرون ان الكون تحكمه اربعة انواع من القوى الاساسية هي:

اولا : قوة الجاذبية ( الثقالية) التي تعمل بين الاجسام المادية، ومن آثارها سقوط الاجسام تلقائيا نحو الارض، ودوران الكواكب حول الشمس، ودوران القمار حول الكواكب. ومدى هذا التجاذب لا نهائي، ولكن شدته ضعيفة جدا.

ثانيا: القوة الكهرومغناطيسية التي تعمل على تجاذب او تنافر الجسيمات المشحونة كهربائيا، واليها يعزى ارتباط الكترونات الذرة بنواتها، وايضا ارتباط الذرات ببعضها.

ثالثا: القوة النووية الشديدة التي تحفظ تماسك الذرة ونواتها بربط البروتونات مع النيوترونات، وهي اكبر الفي مرة من القوة الكهرومغناطيسية.

اما النوع الرابع فهو : القوة النووية الضعيفة المسؤولة مع سابقاتها عن سلوك الجسيمات على المستوى دون الذري، وعليها يعول بشكل خاص في تفسير التحلل الاشعاعي للنواة بانبعاث اشعة ” بيتا “.

لكن منطق التوحيد في الفكر العلمي لا يكتفي برد القوى العاملة في الكون الى تلك الانواع الاربعة، فثمة حاجة علمية عقلية الى التفسير البسيط القائم على ايجاد الهيكل الذي تظهر من خلاله هذه الاشكال المتعددة لجوهر واحد. ذلك ان فهم متخلف الاحداث الطبيعية بطريقة موحدة يشكل احدى مهام الفيزياء. ولم يكن كل تقدم كبير حدث في الماضي الا خطوة نحو الهدف. مثال ذلك: توحيد نيوتن لقوانين الميكانيك الكلاسيكي ( الارضي والسماوي) في القرن 17، وتوحيد ماكسويل لنظرية الضوء مع نظريتي الكهرباء والمغناطيسية في القرن 19، وتوحيد اينشتاين لهندسة الزمان والمكان ( الزمكان space-time) مع نظرية الجاذبية ” الثقالية ” بين عامي 1905 و1916، وتوحيد الكيمياء مع الفيزياء الذرية بواسطة ميكانيك الكم في عشرينيات القرن 20.

وقد نجح العلماء الثلاثة ( عبد السلام- وينبرغ – غلاشو ) نجاحا جزئيا في التوحيد بين نوعي القوة الجاذبة الكهربية والقوة النووية الضعيفة، وكانت هذه النتيجة المهمة واحدة من الكشوف العملية المميزة التي اهلت العلماء الثلاثة للحصول على جائزة نوبل في الفيزياء. ويجري حاليا تطوير هذه الجهود لاستكمال عملية التوحيد بين القوى الاربع في قوة وحيدة يطلقون عليها اسم نظرية ” نظرية كل شي ” او (T.O.E) على سبيل الاختصار. ووفقا لتوجهات التوحيد الكبرى، سوف يكون من شأن هذه النظرية الخطيرة ان تصف في عملية جريئة كل التفاعلات التي تحدث بين الجسيمات ، كما ان العلماء يعلقون عليها املا كبيرا في استكشاف الظروف التي مرت فيها مراحل تكوين الكون المبكرة عندما كانت درجة الحرارة مرتفعة جدا الى حد يتعذر معه التمييز بين القوى الاربع، وهذا بدوره سوف يؤدي الى فهم افضل لطبيعة العالم الذي نعيش فيه. لكن من المحتمل ان تتطلب نظرية موحدة لجميع القوى افكارا جديدة تماما.

ان هذه النظرية الجديدة تجد ما يدعمها من نظريات علمية اخرى تاتي في مقدمتها نظرية ” الانفجار الكبير ” Big Bang التي تقضي بان الكون نشا في اعقاب انفجار هائل للمادة الكونية الاولى، او البيضة الكونية Cosmic Egg التي كانت معباة تحت درجة حرارة وضغط هائلين في حيز صغير جدا اصغر كثيرا من الحيز الذي يمكن ان يشغله بروتون واحد، اي انه حجم لا يكاد يعادل شيئا. وتؤكد النظرية بدورها تجارب حديثة تثبت تمدد الكون وتباعد مجراته بعضها عن بعض، مما يدل على انها كانت في الماضي البعيد متحدة في اصل واحد.

لكن هذا لن يكون نهاية المطاف، فاكتشاف النظرية الموحدة التي تصف الطبيعة في جميع الطاقات سوف يتيح الاجاة عن اعمق الاسئلة في علم الكونيات وثوابته الطبيعية.