ما أسهل أن تتهم المرأة أو الفتاة بشرفها ولاسيما تلك التي تعمل في بعض الأوساط الاجتماعية, فعندما تنفد وسائل الاتهام يلجأ إلى الاتهام بالشرف وهذا الاتهام قد يكون مقدمة أولى لما يسمى جريمة الشرف التي تعد وصمة عار في تاريخ المرأة أو الفتاة أو الأسرة التي تنتمي إليها.

الباحثة عفاف لطف الله تحدثت عن جرائم الشرف والنظرة الاجتماعية للمرأة موضحة أن جريمة الشرف هي تلك التي تعني قتل أب أو أخ أو زوج أو أي قريب امرأة له صلة وثيقة بها سواء كان أماً أو أختاً أو ابنة أو زوجة نتيجة ارتكاب فعل أخلاقي من وجهة نظره , والهدف من هذا القتل هو غسل العار أو إزالته , والعار يلحق بالمرأة نتيجة ممارستها فعلاً جنسياً أو لمجرد الاشتباه بذلك أو الظن به إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن نسبة القتل بلغت 79% بسبب الشك و9% نتيجة الاعتراف.‏

فجريمة الشرف تعبير غريب يقرن الجريمة بالشرف لأن الجريمة فعل غير أخلاقي والشرف فعل أخلاقي فكيف نزاوج بين هذين اللفظين المتضادين ونجمع بينهما ونمزجهما مزجاً عجيباً لإلحاق القتل والأذى بالمرأة.‏

المرأة ذلك الكائن اللطيف الذي خلقه الله من ضلع آدم كما تقول الأديان السماوية , وفي شريعة حمورابي أخذت مكانة جيدة في الحياة الاجتماعية وكان من حقها الطلاق من زوجها ورعاية أبنائها وحمايتهم ومزاولة الأعمال التجارية ولها أهلية قانونية وذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها.‏

أما في المجتمعات الذكورية فهي تبيح للرجل مالا تبيحه للأنثى ويلحق العار بالمرأة ليبقى المجتمع ضحية الشرف.‏

فالجريمة فعل غير أخلاقي و مهما كانت دوافعه وإذا كانت سعادة البشرية تتوقف على قتل طفل بريء فإن هذا القتل يعد فعلا غير أخلاقي , والقتل عدوان على المرأة وارهاب لها وتعد على حياتها التي قدستها الأعراف والقوانين والشرائع الدينية السماوية وغير السماوية وهو اعتداء على المرأة تحت ستار الشرف والخلق والفضيلة وكأن الشرف والخلق والفضيلة تنحصر في جسد المرأة . بل في جزء منه , فيما ترتكب الأغلاط والأخطاء والشرور بغض النظر عن ذلك الفعل.‏

فالكذب والاستهتار والسرقة والرشوة والخداع وإهدار الحقوق والقفز على القانون والتجاوز واستضعاف الآخرين وهدر المال العام كلها أفعال خلقية تقع تحت بند الشرف فيما يعد ارتكاب المرأة خطأ جسدياً هو فعل غير أخلاقي يطبق بحقها الحكم بالموت في أشنع صوره.‏

وتشير الاحصاءات إلى أن جرائم الشرف تزداد في عصر ندعي نحن أبناؤه أنه عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان واحترام كينونته وشخصيته وحياته وحقه.‏

ومن الاثار الاجتماعية والتربوية والنفسية‏

في البداية هي تثير جو من الرعب والذعر وتضعف الأسرة وتفككها وتحدث آثاراً نفسية على الأسرة والأبناء خاصة بشعورهم بالخجل والاحباط والترقب الدائم والقلق والخوف ,وقد تحدث ردود فعل معاكسة بالتغلب الأخلاقي القيمي لدى الأبناء وتخلق نوعاً من تحدي الأعراف الاجتماعية والتحرر الأسري والعدوان على القانون والأعراف . جريمة الشرف هي وصمة عار تلحق بالأسرة وتبقى آثارها النفسية تطارد أبناء وبنات من ارتكب الجريمة ومن ارتكبت بحقه الجريمة وقد تتحول إلى أمراض نفسية من العسير حلها.‏

وقد تؤدي بالأبناء إلى الانكفاء على الذات وعدم التواصل الاجتماعي والبقاء بعزلة ووحدة ما يؤدي إلى تراكم الأخطاء وتدهور القدرات والطاقات وقد يكون من نتائجها نوع من العزوف عن الجنس الآخر وكراهيته وبالتالي عقدة نفسية تجاه الزوج .‏

أما عن سبل الوقاية منها‏

فتقول لطف الله من أنجح السبل هي أدوار الوقاية وتعزيز دور الأسرة التربوية والأخلاقية وتأكيد الثقة فيما بينهم وتنمية أواصر المحبة والوفاء والاحترام باعتبار أن الأسرة حاضنة القيم وحارسة الأخلاق الفاضلة.‏

ومن هذه السبل تنظيم حملات توعية للشباب من الجنسين وتنظيم عملية الارشاد الزوجي لهم قبل الزواج لتوضيح أهمية الروابط الأسرية والحفاظ على الأسرة واحترامها والاضطلاع بالمسؤولية ,ونعني هنا مسؤولية المستقبل وتحمل تبعات الأسرة والاضطلاع بمسؤوليات الأبناء.‏

واتاحة الفرص اللازمة لاختيار الشريك أو الزوج اختياراً حراً‏

تربية الأطفال على القيم الأخلاقية وتمثلها سلوكاً وممارسة وقدوة حية وتأكيد على المساواة بين الجنسين أو فكرة التكامل بين الجنسين ممارسة حية وعدم اطلاق يد الذكر على الأنثى دون أن ننسى تعليم الفتيات ودمجها في العمل‏

والعمل على غربلة العادات الاجتماعية ومحاربة المسيء لها والذي يتناقض مع العقل والأخلاق والحق.‏

التعاون مع وسائل الإعلام على نبذ الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان والعدوان على حياة المرأة غسلاً للعار كما يدعون عبر المسلسلات ونبذ كل حالات العنف ضد المرأة ومحاربتها وتعديل القوانين التي تبيح قتل المرأة وتحمي الرجل بحجة الدفاع عن الشرف , أخيراً فإن جرائم الشرف تعبير مغلوط والجريمة هي الجريمة وهي أعنف أشكال العدوان على حرمة الانسان وحياته وأعنف أشكال الإرهاب الذي يمارس على المرأة بوصفها كائناً مستضعفاً ويمارس هذا الارهاب بذريعة واهية ألا وهي حصر شرف الأسرة والعشيرة بجسد المرأة وفي ظل حماية القانون والأعراف الاجتماعية تمارس هذه الجرائم النكرة جهاراً نهاراً غسلاً للعار , ولابد من امعان النظر أخيراً في مسألة وهي أن جرائم غسل العار لم توقف أفعال الزنى والفحشاء وسواها.‏