مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #7182
    أبو ناصر
    مشارك

    قال الله تعالى في كتابه العزيز :
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

    ‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ

    لما ذكر ما كتب على المكلفين من القصاص والوصية ذكر أيضا أنه كتب عليهم الصيام وألزمهم إياه وأوجبه عليهم, ولا خلاف فيه; قال صلى اللّه عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج) رواه ابن عمر.

    فضل الصوم عظيم, وثوابه جسيم, جاءت بذلك أخبار كثيرة صحاح وحسان ذكرها الأئمة في مسانيدهم, وسيأتي بعضها, ويكفيك الآن منها في فضل الصوم أن خصه اللّه بالإضافة إليه; كما ثبت في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال مخبرا عن ربه: (يقول اللّه تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) الحديث.
    وإنما خص الصوم بأنه له وإن كانت العبادات كلها له لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات.
    أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.
    الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له; فلذلك صار مختصا به.
    وما سواه من العبادات ظاهر, ربما فعله تصنعا ورياء; فلهذا صار أخص بالصوم من غيره.
    وقيل غير هذا.

    ‏كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ‏ ‏

    الكاف في موضع نصب على النعت, التقدير كتابا كما, أو صوما كما.
    أو على الحال من الصيام أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم.
    وقال بعض النحاة: الكاف في موضع رفع نعتا للصيام; إذ ليس تعريفه بمحض; لمكان الإجمال الذي فيه بما فسرته الشريعة, فلذلك جاز نعته بـ”كما” إذ لا ينعت بها إلا النكرات, فهو بمنزلة كتب عليكم صيام; وقد ضعف هذا القول.
    و “ما” في موضع خفض, وصلتها: “كتب على الذين من قبلكم”.
    والضمير في “كتب” يعود على “ما”.
    واختلف أهل التأويل في موضع التشبيه قال الشعبي وقتادة وغيرهما: التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم; فإن اللّه تعالى كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا, وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه اللّه أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل; فصار صوم النصارى خمسين يوما; فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع.
    واختار هذا القول النحاس وقال: وهو الأشبه بما في الآية.
    وفيه حديث يدل على صحته أسنده عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه اللّه لنزيدن عشرة ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقالوا لئن شفاه اللّه لنزيدن سبعة ثم كان ملك آخر فقالوا لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين).
    وقال مجاهد: كتب اللّه عز وجل صوم شهر رمضان على كل أمة.
    وقيل: أخذوا بالوثيقة فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما, قرنا بعد قرن; حتى بلغ صومهم خمسين يوما; فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي.
    قال النقاش: وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري والسدي.
    قلت: ولهذا – واللّه أعلم – كره الآن صوم يوم الشك والستة من شوال بإثر يوم الفطر متصلا به.
    قال الشعبي: لو صمت السنة كلها لأفطرت يوم الشك; وذلك أن النصارى فرض عليهم صوم شهر رمضان كما فرض علينا, فحولوه إلى الفصل الشمسي; لأنه قد كان يوافق القيظ فعدوا ثلاثين يوما, ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما; ثم لم يزل الآخر يستن بسنة من كان قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فذلك قوله تعالى: “كما كتب على الذين من قبلكم”.
    وقيل: التشبيه راجع إلى أصل وجوبه على من تقدم, لا في الوقت والكيفية.
    وقيل: التشبيه واقع على صفة الصوم الذي كان عليهم من منعهم من الأكل والشرب والنكاح, فإذا حان الإفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام.
    وكذلك كان في النصارى أولا وكان في أول الإسلام, ثم نسخه اللّه تعالى بقوله: “أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم” [البقرة: 187] على ما يأتي بيانه; قاله السدي وأبو العالية والربيع.
    وقال معاذ بن جبل وعطاء: التشبيه واقع على الصوم لا على الصفة ولا على العدة وإن اختلف الصيامان بالزيادة والنقصان.
    المعنى: “كتب عليكم الصيام” أي في أول الإسلام ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء; “كما كتب على الذين من قبلكم” وهم اليهود – في قول ابن عباس – ثلاثة أيام ويوم عاشوراء.
    ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان.
    وقال معاذ بن جبل: نسخ ذلك “بأيام معدودات” ثم نسخت الأيام برمضان.

    ‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏ ‏

    “لعل” ترج في حقهم, كما تقدم.
    و”تتقون” قيل: معناه هنا تضعفون; فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة, وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي وهذا وجه مجازي حسن.
    وقيل: لتتقوا المعاصي.
    وقيل: هو على العموم; لأن الصيام كما قال عليه السلام: (الصيام جنة ووجاء) وسبب تقوى; لأنه يميت الشهوات.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد