مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #7218
    أبو ناصر
    مشارك

    { أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

    أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ‏ ‏

    “أياما” مفعول ثان بـ”كتب”; قاله الفراء.
    وقيل: نصب على الظرف لـ”كتب”; أي كتب عليكم الصيام في أيام.
    والأيام المعدودات: شهر رمضان، وهذا يدل على خلاف ما روي عن معاذ, واللّه أعلم.
    و صوم رمضان واجب بالكتاب والسنة والإجماع.
    رمضان هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، وقد فرض صومه في السنة الثانية للهجرة.

    ‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ‏ ‏
    للمريض حالتان: إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال; فعليه الفطر واجبا.
    الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة; فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل.
    قال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر, قياسا على المسافر لعلة السفر, وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة.
    قال طريف بن تمام العطاردي: دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل; فلما فرع قال: إنه وجعت أصبعي هذه.
    وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر .
    قال ابن عطية: وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون.
    وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به.
    وقال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر; فقال مرة: هو خوف التلف من الصيام.
    وقال مرة: شدة المرض والزيادة فيه والمشقة الفادحة.
    وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر; لأنه لم يخص مرضا من مرض فهو مباح في كل مرض, إلا ما خصه الدليل من الصداع والحمى والمرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام.
    وقال الحسن: إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائما أفطر; وقاله النخعي.
    وقالت فرقة: لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر, ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر.
    وهذا قول الشافعي رحمه اللّه تعالى.
    قلت: قول ابن سيربن أعدل شيء في هذا الباب إن شاء اللّه تعالى.
    قال البخاري: اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان; فعادني إسحاق بن راهوية في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد اللّه؟ فقلت نعم.
    فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة.
    قلت: حدثنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان; كما قال اللّه تعالى: “فمن كان منكم مريضا” قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق.
    وقال أبو حنيفة: إذا خاف الرجل على نفسه وهو صائم إن لم يفطر أن تزداد عينه وجعا أو حماه شدة أفطر.
    .

    ‏أَوْ عَلَى سَفَرٍ ‏ ‏
    اختلف العلماء في السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر, بعد إجماعهم على سفر الطاعة كالحج والجهاد, ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري.
    أما سفر التجارات والمباحات فمختلف فيه بالمنع والإجازة, والقول بالجواز أرجح.
    وأما سفر العاصي فيختلف فيه بالجواز والمنع, والقول بالمنع أرجح, قاله ابن عطية.
    ومسافة الفطر عند مالك حيث تقصر الصلاة واختلف العلماء في قدر ذلك; فقال مالك: يوم وليلة; ثم رجع فقال: ثمانية وأربعون ميلا قال ابن خويز منداد: وهو ظاهر مذهبه; وقال مرة: اثنان وأربعون ميلا وقال مرة ستة وثلاثون ميلا وقال مرة: مسيرة يوم وليلة; وروى عنه يومان; وهو قول الشافعي.
    وفصل مرة بين البر والبحر; فقال في البحر مسيرة يوم وليلة, وفي البر ثمانية وأربعون ميلا, وفي المذهب ثلاثون ميلا; وفي غير المذهب ثلاثة أميال.
    وقال ابن عمرو وابن عباس والثوري: الفطر في سفر ثلاثة أيام; حكاه ابن عطية.
    قلت: والذي في البخاري: وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا.
    اتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر; لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية بخلاف المقيم, وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض, والمقيم لا يفتقر إلى عمل; لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين, لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل فافترقا.
    ولا خلاف بينهم أيضا في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج; فإن أفطر فقال ابن حبيب: إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في أسباب الحركة فلا شيء عليه; وحكى ذلك عن أصبغ وابن الماجشون; فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة, وحسبه أن ينجو إن سافر.
    وروى عيسى عن ابن القاسم أنه ليس عليه إلا قضاء يوم; لأنه متأول في فطره.
    وقال أشهب: ليس عليه شيء من الكفارة سافر أو لم يسافر.
    وقال سحنون: عليه الكفارة سافر أو لـم يسافر; وهو بمنزلة المرأة تقول: غدا تأتيني حيضتي, فتفطر لذلك, ثم رجع إلى قول عبد الملك وأصبغ وقال: ليس مثل المرأة; لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء, والمرأة لا تحدث الحيضة.
    قلت: قول ابن القاسم وأشهب في نفي الكفارة حسن; لأنه فعل ما يجوز له فعله, والذمة بريئة, فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف, ثم إنه مقتضى قوله تعالى: “أو على سفر”.
    وقال أبو عمر: هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة; لأنه غير منتهك لحرمة الصوم بقصد إلى ذلك وإنما هو متأول, ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة لأنه كان قبل خروجه ما أسقطها عنه خروجه; فتأمل ذلك تجده كذلك, إن شاء اللّه تعالى.
    وقد روى الدارقطني: حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل بمصر قال حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم قال: أخبرني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب الشمس, فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب.
    فقلت له: سنة؟ قال نعم.
    وروي عن أنس أيضا قال قال لي أبو موسى: ألم أنبئنك إذا خرجت خرجت صائما, وإذا دخلت دخلت, صائما; فإذا خرجت فأخرج مفطرا, وإذا دخلت فادخل مفطرا.
    وقال الحسن البصري: يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج.
    وقال أحمد: يفطر إذا برز عن البيوت.
    وقال إسحاق: لا, بل حين يضع رجله في الرحل.
    قال ابن المنذر: قول أحمد صحيح; لأنهم يقولون لمن أصبح صحيحا ثم اعتل: إنه يفطر بقية يومه, وكذلك إذا أصبح في الحضر ثم خرج إلى السفر فله كذلك أن يفطر.
    وقالت طائفة: لا يفطر يومه ذلك وإن نهض في سفره; كذلك قال الزهري ومكحول ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي.
    واختلفوا إن فعل; فكلهم قال يقضي ولا يكفر.
    قال مالك: لأن السفر عذر طارئ, فكان كالمرض يطرأ عليه.
    وروي عن بعض أصحاب مالك أنه يقضي ويكفر; وهو قول ابن كنانة والمخزومي, وحكاه الباجي عن الشافعي, واختاره ابن العربي وقال به; قال: لأن السفر عذر طرأ بعد لزوم العبادة ويخالف المرض والحيض; لأن المرض يبيح له الفطر, والحيض يحرم عليها الصوم, والسفر لا يبيح له ذلك فوجبت عليه الكفارة لهتك حرمته.
    قال أبو عمر: وليس هذا بشيء; لأن اللّه سبحانه قد أباح له الفطر في الكتاب والسنة.
    وأما قولهم “لا يفطر” فإنما ذلك استحباب لما عقده فإن أخذ برخصة اللّه كان عليه القضاء, وأما الكفارة فلا وجه لها, ومن أوجبها فقد أوجب ما لم يوجبه اللّه ولا رسوله صلى اللّه عليه وسلم.
    وقد روي عن ابن عمر في هذه المسألة: (يفطر إن شاء في يومه ذلك إذا خرج مسافرا) وهو قول الشعبي وأحمد وإسحاق.
    قلت: وقد ترجم البخاري رحمه اللّه على هذه المسألة [باب من أفطر في السفر ليراه الناس] وساق الحديث عن ابن عباس قال: (خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان, ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة وذلك في رمضان.
    وأخرجه مسلم أيضا عن ابن عباس وقال فيه: ثم دعا بإناء فيه شراب شربه نهارا ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة).
    وهذا نص في الباب فسقط ما خالفه, وباللّه التوفيق.
    وفيه أيضا حجة على من يقول: إن الصوم لا ينعقد في السفر.
    روي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر.
    قال ابن عمر: (من صام في السفر قضى في الحضر) وعن عبد الرحمن بن عوف: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) وقال به قوم من أهل الظاهر; واحتجوا بقوله تعالى: “فعدة من أيام أخر” على ما يأتي بيانه, وبما روى كعب بن عاصم قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (ليس من البر الصيام في السفر).
    وفيه أيضا حجة على من يقول: إن من بيت الصوم في السفر فله أن يفطر وإن لم يكن له عذر; وإليه ذهب مطرف, وهو أحد قولي الشافعي وعليه جماعة من أهل الحديث.
    وكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر, فلما اختار الصوم وبيته لزمه ولم يكن له الفطر; فإن أفطر عامدا من غير عذر كان عليه القضاء والكفارة.
    وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه; وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال: إن أفطر بجماع كفر; لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له; لأن المسافر إنما أبيح له الفطر ليقوى بذلك على سفره.
    وقال سائر الفقهاء بالعراق والحجاز: إنه لا كفارة عليه; منهم الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة; قاله أبو عمر.
    واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر; فقال مالك والشافعي في بعض ما روي عنهما: الصوم أفضل لمن قوي عليه.
    وجل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي.
    قال الشافعي ومن اتبعه: هو مخير; ولم يفصل, وكذلك ابن علية; لحديث أنس قال: (سافرنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم) خرجه مالك والبخاري ومسلم.
    وروي عن عثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك صاحبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهما قالا: (الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
    وروي عن ابن عمر وابن عباس: الرخصة أفضل, وقال به سعيد بن المسيب والشعبي وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
    كل هؤلاء يقولون الفطر أفضل; لقول اللّه تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” [البقرة: 185].

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد